محمود سامي بن عمر فخر الدين الشمعة (1910-1950)، صحفي ومذيع وناقد مسرحي سوري من دمشق، كان أول مدير لأول إذاعة محلية أقيمت في العاصمة السورية في نهاية الانتداب الفرنسي، والتي سبقت إذاعة دمشق الحكومية. عمل مديراً لتحرير صحيفة القبس وأسس جريدة الدستور التي صدر منها عدد واحد فقط سنة 1932 وتبعها بصحيفة السياسة التي صدر منها ثلاثة أعداد. وفي مطاع عهد الاستقلال، أطلق جريدة “آخر دقيقة” التي استمرت لعام 1947.
عَمل في بداية حياته مراسلاً لجريدة صوت الأحرار اللبنانية وسكرتير تحرير لجريدة الأيام الدمشقية. أنضم بعدها إلى أسرة القبس وكلّفه نجيب الريّس بترجمة المقالات عن الصحف البريطانية قبل تعيينه مديراً للتحرير. وفي سنة 1932 كان أحد محرري مجلّة العرب الأسبوعية الفلسطينية.
وفي العام نفس أسس سامي الشمعة جريدة الدستور وأصدر منها عدداً يتيماً في 26 كانون الأول 1932. أوقفتها سلطة الانتداب الفرنسي فوراً بسبب افتتاحية سامي الشمعة اللاذعة فعاد وأطلق صحيفة يومية جديدة باسم السياسة في 5 كانون الثاني 1934. ولكنها عُطّلت بعد ثلاثة أعداد ولنفس السبب فقطع الشمعة عهداً على نفسه بأن لا يصدر صحيفة خاصة به إلا عندما تستقل سورية عن الانتداب الفرنسي.
وفي سنة 1940 تسلّم سامي الشمعة إدارة الإذاعة المحلية التي أٌطلقت في ساحة النجمة بدمشق لنقل أخبار المعارك في الحرب العالمية الثانية. وبعد تحرير البلاد وجلاء القوات الفرنسية سنة 1946 أطلق جريدة “آخر دقيقة” على غرار مجلّة آخر ساعة المصرية، ولكنها أوقفت بقرار حكومي لإثارة أزمة دبلوماسية مع تركيا سنة 1947. ويذكر عبد الغني العطري عن هذه الجريدة: “كان اليوم الذي تصدر فيه آخر دقيقة يصيب الصحف اليومية بالكساد، إذ ينصرف القراء إلى التهام أخبار آخر دقيقة وتحقيقاتها ومنوعاتها، التي يصوغها سامي الشمعة بأسلوبه الرشيق الساحر.”
مؤلفاته
وضع الشمعة وخلال عمره القصير عدة مؤلفات، بين السياسة والأدب المترجم، كان من بينها:
ولِد ساطع الحُصري باليمن عندما كان والده يعمل رئيساً لمحكمة الاستئناف في صنعاء. تنقّل مع أبيه في سنوات الطفولة، بين صنعاءوطرابلس الغربوقونياوأنقرة، حيث دَرس في المدارس الحكومية والتحق بعدها بالمعهد الملكي في إسطنبول، وتخرج فيه سنة 1900. امتهن التدريس في بداية حياته المهنية وعمل في مدارس اليونان حتى سنة 1906، بوم انتقاله إلى إسطنبول لتأسيس مدرسة خاصة باسم “المدرسة الحديثة،” وإطلاق مجلّة عِلميّة فصليّة بعنوان “أنوار العلوم.”
بعد نجاح الثورة وسقوط دمشق في يد الحلفاء سنة 1918، شدّ ساطع الحصري الرحال إلى سورية للمشاركة في أول حكومة عربية أُقيمت تحت راية الشريف حسين. بايع الأمير فيصل حاكماً عربياً على البلاد، وتوطدت صداقة مميزة بينهما، استمرت حتى وفاة الأخير عام 1933.
نظراً لخبرته في التدريس، عينه الأمير فيصل مديراً للمعارف في سورية، مُكلفاً بتعريب المناهج التربوية في المراحل الابتدائية والثانوية والجامعية. وفي عهده، أعيد افتتاح معهدي الطب والحقوق بدمشق، بعد إغلاق قسري دام شهوراً وأشرف الحصري على إعادة هيكلة المدارس السورية وتعيين نخبة من المُدرسين في الهيئات العلمية. ويعود له الفضل في توظيف أول سيدة في القطاع الحكومي، وهي الأديبة لبيبة هاشم، التي عُيّنت وبأمر مباشر منه مفتشة في مديرية المعارف.
وزيراً للمعارف
وفي 9 آذار 1920، عُين ساطع الحصري أول وزيراً للمعارف في حكومة رضا باشا الركابي، بعد يوم واحد فقط من تتويج فيصل ملكاً على البلاد. وبعد استقالة حكومة الركابي في 3 أيار 1920، أُعيد تكليفه بحقيبة المعارف في حكومة هاشم الأتاسي. كان الأتاسي صديقاً مقرباً من الحصري وقد تشاركا معاً في إيجار منزل مُشترك في منطقة الروضة في أثناء عملهم في دمشق، ضبطاً للنفقات.
قبل سقوط مدينة دمشق بيد الفرنسيين، توجه الملك إلى قرية الكسوة – برفقة ساطع الحصري – ولكنّه أجبر على الانتقال إلى سهل حوران قبل مغادرته الأراضي السورية بشكل نهائي يوم 1 آب 1920. مكث مدة قصيرة في حيفا، سافر بعدها إلى أوروبا عبر البحر، قاصداً سويسرا للمثول أمام عصبة الأمم والاحتجاج رسميّاً على الطريقة المهينة التي أقصي بها عن العرش. لم يخرج مع فيصل من سورية إلّا قلّة قليلة من أعوانه، مثل مرافقه العسكري تحسين قدري وأمين سرّه إحسان الجابري وأخيه الأمير زيد، إضافة طبعاً لساطع الحصري.
في كتابه عن تلك المرحلة، يقول الحُصري:
كثيراً ما كان الملك فيصل يستعرض حوادث الماضي بنظرة انتقادية ويقلّب وجوه الخطأ والصواب فيها ويظهر ندمه على بعض الوقائع والمواقف ويُصرح بامتعاضه عن أعمال البعض وكان يوجه اللوم إلي مباشرة من حين إلى حين. ولكنه كان يفكر أكثر من ذلك كله، في المستقبل ويتكلم عن الخطط التي يجب السير عليها لتلافي ما فات.
نجحت مساعي الملك فيصل في أوروبا وعُوّض عن عرش الشّام بعرش العراق، الذي توّج ملكاً عليه يوم 23 آب 1923. ظلّ ساطع الحصري إلى جانبه وكُلف بمهام تربوية عدة في بغداد، ومنها وضع منهاج كلّ المدارس الحكومية وإدارة مديرية الآثار ودار المعلمين العالية، إضافة لتأسيس كلية الحقوق في جامعة بغداد، التي عمل عميداً لها طيلة عشر سنوات. ومن مآثره في العراقأنه رفض مقترح إقامة مدارس خاصة لكل طائفة وأصر على منهاج قومي موحد، عابر لكلّ الأديان والطوائف والعرقيات. كان ليبرالياً تقدمياً في سلوكه وفكره، وقد حاول فصل دروس الدين عن دروس اللغة العربية التي كانت في السابق مشتركة في منهج واحد. وعمل على استحداث مناهج عِلمية معاصرة في اللغة العربية، كان أشهرها كتابه القراءة الخلدونية للصف الأول الابتدائي، وهو كتاب خاص بتعلم اللغة العربية، لا إشارة فيه إلى النصوص الدينية التي أفرد لها الحصري كتاباً خاصاً سمّي “التربية الدينية.”
الخصومة مع أساتذة العراق
احتج المعلمون في بغداد على مناهج الحصري ونشروا كراساً ضده بعنوان “سرّ تأخر المعارف،” ولكنّ الملك فيصل لم يأخذ به وظلّ يُلزم وزارة المعارف العراقية بأوامره. أحب الحصري الملك فيصل كثيراً وخدمه بتفانٍ وإخلاص، كما خدم ابنه وحفيده من بعده، وعند وفاة الملك المؤسس في سويسرا سنة 1933، أطلق عليه الحصري لقب “فيصل العظيم.” اشتدت الخصومة من بعده بين الحصري والشاعر العراقي فهمي المدرّس، عندما وقف الأول ضد تأسيس جامعة دينية في العراق، مشدداً على ضرورة فصل الدين عن التعليم العالي. عارضه فهمي المدرّس بشدّة وكتب مقالات عدة فيها انتقاد لاذع للحصري. مع ذلك، بقي الحصري مسؤولاً عن المعارف في العراق وعن تطويرها، وظلّ يدعو إلى القومية العربية إلى أن قامت ثورة رشيد عالي الكيلاني عام 1941. أتهم بمساندة الثورة على الإنكليز وأُبعد بأمر من السلطات البريطانية الحاكمة.
العودة إلى سورية
وفي عام 1943، طَلب إليه رئيس الحكومة السورية سعد الله الجابري العودة إلى سورية والعمل على إعادة هيكلة المناهج التربوية، وذلك بصفة مستشار لدى وزارة المعارف. قبل الحصري العرض وعاد إلى موطنه واستُقبل فيه استقبالاً حافلاً وتقلّد وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة. بهدف نزع الهيمنة الفرنسية عن نظام التعليم اقترح الحصري على رئيس الجمهورية شكري القوتلي إلغاء مادة اللغة الفرنسية من الصفين الرابع والخامس في المدارس الحكومية والخاصة كافة، وأن تدرَّس من الصف السادس فقط. وطالب بإلغاء نظام البكالوريا الفرنسية، بشقيها الأدبي والعلمي، والإتيان بالنظام التربوي البريطاني المتبع بالعراق بديلاً عنها. عارض عدد من الوزراء مقترح الحصري، وكان على رأسهم خالد العظم، الذي قال إنه يريد الانتقام من فرنسا التي أقصته عن سورية قبل عقدين من الزمن. وقد جُمعت مقترحاته في كتاب نشرته وزارة المعارف السورية سنة 1944.
اشتهر الدكتور خلدون الحصري، ابن ساطع الحُصري، في المجال الأكاديمي وكان كاتباً معروفاً حتى وفاته سنة 2007، وكذلك كانت حفيدته ميادة العسكري، وهي صحفيّة ومترجمة معروفة، توفيت عام 2015.
ولِد زكي الخطيب في دمشق وهو سليل أسرة دينية عريقة، وكان والده الشيخ أبو الخير الخطيب من أشهر عُلماء الشّام في الربع الأخير من القرن التاسع عشر. دَرَس في مدرسة السلطان بيازيد في إسطنبول وتخرّج في المعهد الملكي حاملاً شهادة بالحقوق والعلوم السياسية.
انضمّ زكي الخطيب إلى صفوف الكتلة الوطنية عند تأسيسها سنة 1927، والتي كانت تهدف إلى محاربة الانتداب بالطرق السياسية لا العسكرية. يعود له الفضل في توسيع قاعدة الكتلة بدمشق وخلق شعبية لها في الأوساط الدينية التي كان ينتمي إليها. وفي عام 1928، انتُخب مشرعاً في المؤتمر التأسيسي المكّلف بصياغة أول دستور جمهوري للدولة السورية. وقد فاز في انتخابات عام 1932 ودخل البرلمان السوري، ممثلاً عن دمشق على قوائم الكتلة الوطنية.
عاد زكي الخطيب إلى المجلس النيابي، نائباً مستقلاً عن دمشق سنة 1947، وانتُخب عضواً في المؤتمر التأسيسي المكلّف بوضع دستور جديد للجمهورية عام 1949. انتسب في هذه المرحلة المتقدمة من حياته السياسية إلى حزب الشعب وفي كانون الأول 1949 عُيّن وزيراً للعدل في حكومة ناظم القدسي الأولى. وقد جُدّد له له في حكومات القدسي الثانية والثالثة ما بين حزيران 1950-آذار 1951.
الوفاة
توفي زكي الخطيب في دمشق عن عمر ناهز 74 عاماً يوم 24 نيسان 1961.
ولد رؤوف الأيوبي في دمشق وتخرج من المعهد الشاهاني الملكي في إسطنبول سنة 1900 حاملاً شهادة في “الإدارة الحكومية.” عَمل مدرّساً في مدرسة بيروت السلطانية ثم انتقل إلى العمل الحكومي وعُيّن بمعية والي بيروت ثم قائمقام بلدة طبريا. وبعدها جاء تعيينه في الناصرةويافا،وعند اندلاع الحرب العالمية الأولى سمّي متصرفاً على حماة.
رفيق بن أحمد شكري (1923 – 3 آذار 1969)، مطرب وملحّن سوري من دمشق، كان الأشهر بين أبناء جيله في خمسينيات القرن العشرين وفي سجله الفني قرابة 200 لحن وأكثر من 500 أغنية. غنى للحب والأسرة والقضية الوطنية السورية ولحّن لمطربين كبار مثل كروانوماري جبرانوفايزة أحمد، وهو أحد مؤسسي إذاعة دمشق سنة 1947.
البداية
ولد رفيق شكري في حيّ الميدان وتلقى علومه في المدارس الحكومة، قبل أن يلتحق بعالم الفن تحت إشراف ورعاية الفنان صبحي سعيد، عازفاً على العود ومقلداً الموسيقار المصري محمد عبد الوهاب. أولى حفلاته كانت سنة 1935 ولكن شهرته الحقيقية بدأت مع عمله في الإذاعة المحلية في ساحة النجمة التي أطلقتها السلطات الفرنسية عام 1941. لحّن له صبحي سعيد أولى أغنياته “لما هويتك ما كانش ذنبي” (كلمات عزت حصرية) التي نالت استحسان المستمعين.
ولد رفيق سلّوم في مدينة حمص ودَرَس في المدرسة الروسية الابتدائية. توسم فيه مطران حمصاثناسيوس عطاء الله النُبوغ، فرسمه راهباً مبتدئاً وأرسله إلى المدرسة الإكليريكية البلمندية، ليدرس فيها العلوم اللاهوتية. عاد إلى حمص، وأقام في دار المطرانية الأرثوذكسية، ولكنه سرعان ما قرر خلع ثوب الرهبنة والذهاب إلى الكلية السورية البروتيستانتية (الجامعة الأميركية في بيروت) لإكمال تعليمه. وضع أولى رواياته “أمراض العصر الحديث” وهو على مقاعد الدراسة ثم توجه إلى إسطنبول لدراسة الحقوق.
كان لرفيق سلّوم ولع وهواية بالموسيقا، فأتقن العزف على آلات القانون والعود والكمان والبيانو
الاعتقال والإعدام
في عام 1914، دخلت الدولة العثمانيةالحرب العالمية الأولى، وسيق رفيق سلّوم إلى الخدمة الإلزامية في الجيش العثماني. اعتُقِل يوم 27 أيلول 1915 بتهمة معارضة الدولة العثمانية، ونُقل إلى الديوان الحربي في عاليه، حيث حُكم عليه بالإعدام شنقاً مع رئيس المنتدى الأدبيعبد الكريم خليل. ولما صدر الحكم، بعث برسالة مؤثرة إلى والدته وصف ما ذاقه من تعذيب في أثناء توقيفه واستجوابه، وذكَر أسماء الأشخاص الذين وشوا به وسامحهم. وأوصى أن تُكتب على قبره الأبيات الآتية:
وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جدّا
فإن أكلوا لحمي وفَرت لحومهم وإن هدموا مجدي بنيتُ لهم مجدا
وإن ضيّعوا غيبي حفظت غيوبهمم وإن همُ هوُوا غيّي هَوِيتُ لهم رشدا
وإن زجروا طيراً بنحس تمر بي زجرت لهم طيراً تمر بهم سعدا
أعدم عبد الكريم خليل أولاً في بيروت سنة 1915 ونُفذ حكم الإعدام برفيق سلّوم بساحة المرجة بدمشق يوم 6 أيار 1916، وكان معه عدد من أحرار العرب مثل شفيق مؤيد العظمورشدي الشمعةوشكري العسلي وصديقه عبد الحميد الزهراوي. في مذكراته، يصف فؤاد أردن، رئيس أركان الجيش الرابع العثماني، موقف رفيق سلّوم أمام الموت قائلاً: “سار إلى المشنقة بخطوات ثابتة سريعة فما إن تلقاه المأمور الذي تولى شنقه حتى رمى طربوشه على الأرض ولكن رفيقاً صاح به غاضباً: “ردوا الطربوش. لا يحقّ لكم أن ترموه على الأرض!” فأذعنوا لطلبه ووضعوه على رأسه ولم يلحظ آنئذٍ أن الطربوش تلطخ بالتراب، ولو لا حظ لصاح بهم: “نظفوا طربوشي من الغبار!”