نهاد القاسم (1905-1970)، سياسي سوري ورجل دولة، كان أحد مشرعي دستور عام 1949 المؤقت (دستور حسني الزعيم) وقد تسلّم مناصب حكومية في ثلاث مراحل مختلفة من تاريخ سورية الحديث. كان وزيراً للزراعة والمعارف في عهد الرئيس هاشم الأتاسي سنة 1955 ثم وزيراً للعدل في زمن الوحدة السورية – المصرية عام 1958. وقد عين وزيراً للعدل مرة ثالثة وأخيرة في مطلع عهد البعث عام 1963. ترأس التيار العروبي الموالي للرئيس جمال عبد الناصر في مرحلة الستينيات وشارك في مفاوضات إعادة الوحدة سنة 1963، كما انتُخب أميناً عاماً لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي. وكان رئيساً بالوكالة لجامعة دمشق سنة 1964 ورئيساً لمكتب تفتيش الدولة في سورية.
البداية
ولِد نهاد القاسم في مدينة نابلس وكان جدّه الأكبر الشّيخ قاسم الأحمد أحد قادة الثورة ضد حكم إبراهيم باشا في سورية وفلسطين سنة 1840. هاجرت الأسرة إلى دمشق ودَرس نهاد القاسم في معهد النجاح أولاً ثم في مكتب عنبر، قبل أن ينال شهادة بالحقوق من الجامعة السورية سنة 1935.
المناصب الإدارية
بدأ نهاد القاسم حياته المهنية موظفاً في عدلية الشّيخ مسكين جنوب سورية ثمّ في عدلية حلب. عُيّن قاضياً في محكمة الاستئناف بدمشق ونُدب غلى مصر لمدة عام سنة 1947 لدراسات النظام العدلي فيها. وفي كانون الثاني 1950، جاء تعينه مديراً عاماً للأوقاف في سورية ثم رئيساً لمكتب تفتيش الدولة في 1 آذار 1951.
وزيراً في عهد الرئيس الأتاسي
أما في مجال السياسة، فقد عُيّن القاسم عضواً في اللجنة الدستورية المكلفة بوضع دستور مؤقت ببلاد في عهد حسني الزعيم سنة 1949. وفي 19 حزيران 1954، سمّي وزيراً للمعارف والزراعة في حكومة سعيد الغزي الانتقالية المشرفة على الانتخابات النيابية في نهاية ولاية الرئيس هاشم الأتاسي، حيث تسلم رئاسة جامعة دمشق بالوكالة وفي الفترة ما بين 24 تموز – 6 تشرين الثاني 1954.
وبعد وصول حزب البعث إلى الحكم يوم 8 آذار 1963، سُمّي نهاد القاسم وزيراً للعدل في حكومة صلاح الدين البيطار ونائباً لرئيس الحكومة. قبل العمل مع البيطار على أساس استعادة الوحدة مع مصر، وشارك في المفاوضات التي أقيمت لأجلها في القاهرة. وعندما وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود، استقال القاسم من منصبه في نهاية شهر نيسان من العام 1963. تم اعتقاله بعد أيام قليلة من محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها الضابط الناصري جاسم علوان في 18 تموز 1963. اتُهم القاسم بدعم الانقلاب، وبقي سجيناً حتى نهاية عام 1963.
أُطلق سراحه بعد توصل رئيس الكتلة هاشم الأتاسي إلى تفاهم من سلطة الانتداب، كانت نتيجته سفر وفد رفيع من الكتلة الوطنية إلى باريس للتفاوض على استقلال سورية. سمّي نعيم أنطاكي مشاوراً قانونياً في الوفد السوري الذي كان برئاسة الأتاسي، وفي 9 أيلول 1936 أعلن من باريس عن توقيع على المعاهدة السورية – الفرنسية، التي وعدت بتوسيع صلاحيات الحكومة السورية مقابل عدة امتيازات عسكرية وثقافية وسياسية للفرنسيين في سورية. وقد وافق أعضاء وفد الكتلة الوطنية على إعطاء فرنسا حق تدريب الجيش السوري عند إنشائه، وإلحاق مستشارين فرنسيين في كل مفاصل الدولة السورية، مع حق استخدام الأراضي السورية من قبل الجيش الفرنسي في حال نشوب حرب عالمية جديدة في أوروبا.
وبعد عودة الوفد إلى دمشق، جرت انتخابات نيابية وانتُخب هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية في 21 كانون الأول 1936. سمّي سعد الله الجابري وزيراً للخارجية في حكومة جميل مردم بك، وعين نعيم أنطاكي مديراً لشؤون للوزارة.
استقال نعيم أنطاكي من منصبه في 6 تشرين الأول 1947، احتجاجاً على قرار تقسيم فلسطين الذي صدر بعد أيام معدودة. تفرّغ من بعدها إلى عمله في المحاماة، وفي مرحلة الخمسينيات انتقل للعمل في لبنان، معلناً قراره اعتزاله العمل السياسي بسبب تدخلات الجيش في شؤون الحكم. توفي في بيروت عن عمر ناهز 68 عاماً سنة 1971.
خالد بن محمد فوزي باشا العظم (6 تشرين الثاني 1903 – 18 شباط 1965)، سياسي سوري ورجل دولة وآخر حكام دمشق من آل العظم. شكّل خمس حكومات في تاريخ سورية الحديث وكان أحد أقطاب السياسة السورية في خمسينيات القرن العشرين ومن الآباء المؤسسين للدولة السورية الحديثة.
بدأ عمله السياسي وزيراً للخارجية ثمّ رئيساً للحكومة في الحرب العالمية الثانية وترشّح للرئاسة السورية مرتين، كانت الأولى ضد الرئيس شكري القوتلي في منتصف الخمسينيات والثانية في عام 1961، عندما نافس الدكتور ناظم القدسي على رئاسة الجمهورية. تسلّم حقائب وزارية عدة في حياته، منها المالية والعدلية والخارجية والدفاع، هو مؤسس غرفة صناعة دمشق وعرّاب التقارب السوري السوفيتي في مرحلة الخمسينيات.
البداية
ولِد خالد العظم في دمشق وهو الابن الوحيد للسياسي والوجيه محمد فوزي باشا العظم، أحد أعيان الشّام في العهد الحميدي. أما والدته فهي إفاكت الأستانلي، حفيدة الوالي العثماني عثمان باشا، وقد سمته “خالد” بعد أن زارت ضريح خالد بن الوليد في حمص ونذرت أن تسمّي مولودها على اسمه. عاش العظم طفولة متنعمة ودَرس على يد مدرسين خصوصيين حضروا من إسطنبول لأجله، وتزوّج باكراً من سنيّة بنت القاضي راشد باشا مردم بك، وحضر الملك فيصل الأول عرسه، يوم كان والده رئيساً للمؤتمر السوري العام.
العمل الصناعي
درس خالد العظم بمعهد الحقوق العربي ولكنّه لم يعمل بالحقوق، بل في الزراعة والصناعة، وفي سنة 1930 عينه فارس الخوري مديراً لمعمل الإسمنت الوطني في منطقة دمّر شمال غرب العاصمة دمشق. وعند نجاح هذا المشروع سارع العظم إلى تأسيس غرفة صناعة دمشق وانتُخب رئيساً لها حتى سنة 1943. وفي السنوات 1938-1940 كان مستشاراً لبلدية دمشق. وفي نيسان 1939 سمّي العظم وزيراً للخارجية والعدل في حكومة الرئيس نصوحي البخاري، قبل أشهر من اندلاع الحرب العالمية الثانية.
وفي 29 أيار 1945 وقع عدوان فرنسي على مدينة دمشق، كان الهدف منه قلب نظام الحكم في سورية والتخلص من القوتلي وأركان حكمه. ضُربت قلعة دمشق وقُصفت أحياء المدينة بالمدافع، فهرب أعضاء الحكومة من مقرهم في ساحة المرجة إلى منزل خالد العظم في سوق ساروجا. استقبل العظم أكثر من 100 شخص في داره، من سياسيين كبار ومواطنين وعناصر من الشرطة والدرك، فردّت فرنسا بقصف الحيّ وتدمير عدد من مبانيه الأثرية. وقد أدى هذا العدوان إلى صدور إنذار بريطاني 1 حزيران 1949، مطالباً بانسحاب الجيش الفرنسي عن سورية.
معارضة القوتلي
بعد جلاء القوات الفرنسية عن سورية في 17 نيسان 1946، طُلب إلى سعد الله الجابري تشكيل حكومة جديدة، ذهبت فيها حقيبتا العدل والاقتصاد إلى خالد العظم. ولكن علاقة العظم برئيس الجمهورية بدأت تتراجع بسبب معارضته تعديل الدستور للسماح للقوتلي بولاية رئاسية ثانية. قاد خالد العظم معارضة منظمة ضد رئيس البلاد من داخل مجلس النواب، أدت إلى خروجه من الوزارة في تشرين الأول 1947 ونقله وزيراً مفوضاً إلى فرنسا، ما عدّه نفيّاً وإبعاداً عن مسرح الأحداث.
الحكومة العظمية الثانية (16 كانون الأول 1948 – 29 آذار 1949)
في نهاية عام 1948 استدعي العظم للعودة إلى دمشق وكلف برئاسة الحكومة مجدداً بعد استقالة وزارة جميل مردم بك الخامسة والأخيرة وتعرضها لانتقادات لاذعة بسبب تراجع أداء الجيش السوري في حرب فلسطين. اندلعت المظاهرات في المدن السورية كافة، وفي محاولة منه لإرضاء المعارضة، طلب القوتلي إلى خالد العظم تشكيل حكومة وطنية جامعة ترضي مطالب الشعب والمتظاهرين.
تألفت حكومة العظم الثانية في 16 كانون الأول 1948 وفي عهدها فك ارتباط العملة السورية بالفرنك الفرنسي الذي كان يُغطي الليرة الورقية السورية منذ عام 1920. اصطدم رئيس الحكومة بقائد الجيش حسني الزعيم وحمّله مسؤولية الهزيمة في فلسطين ووجّه إليه ولعدد من ضباطه اتهامات فساد وسوء أمانة وعمالة لصالح ملك الأردن عبد الله الأول. وعند تعرض الزعيم لهجوم عنيف داخل المجلس النيابي من قبل النائب فيصل العسلي، وصل إلى حد التخوين، لم يُدافع عنه العظم (بصفته رئيساً للحكومة ووزيراً للدفاع)، وعندما حضر الزعيم إلى دار خالد العظم لتقديم معروض باسم ضباط الجيش، رفض الأخير استقباله وجعله ينتظر طويلاً. كان هذا المعروض قد صيغ في القنيطرة وحمل توقيع حسني الزعيموأديب الشيشكليوسامي الحناويوفوزي سلو، وجميعهم كانوا من الضباط المرموقين الطامعين بالوصول إلى الحكم والناقمين على الطبقة المدنية الحاكمة. اتصل العظم بالرئيس القوتلي مُحذّراً من حسني الزعيم وقال: “هذا الرجل خطر، وقبل أن يتعشى بنا يجب أن نتغدى به.” ولكنّ القوتلي رفض الاستجابة ورد قائلاً: “هو أفضل من سواه.”
الانقلاب الأول: 29 آذار 1949
في منتصف ليل 29 آذار 1949 أمر الزعيم بتحريك قواته ومدرعاته من الحدود السورية – الفلسطينية باتجاه العاصمة دمشق، وأمرهم إلقاء القبض على رئيس الجمهورية ورئيس حكومته. تعامل الجنود مع القوتلي باحترام نسبي ولكنهم أهانوا خالد العظم كثيراً، كما جاء في مذكراته:
صوب الجندي رشاشه إلى صدري وقال: “إياك والمقاومة! نقتلك إذا قاومت.” وكيف السبيل إلى المقاومة وأنا أعزل من السلاح وهما اثنان، وفي يد كل منهما رشاش ومسدس؟ وقادني بقوة إلى السلم وإذ هرولنا نزولاً. وقعت على الأرض في آخر درجات السلم وسقطت نظارتي ولم يتركاني ألتقطها. بل أمسكا بي وأخرجاني بسرعة من الدار. ولم أكن، حتى ذلك الحين، تمالكت وعيي بعد ولا علمت لشدة الظلام، من هم هؤلاء الضباط والجنود. وهذا كله جرى في دقيقة أو دقيقتين. ثم وجدت نفسي في سيارة النقل، حافي القدمين، ليس عليّ من اللباس سوى بيجاما حريرية رقيقة. وكنت حاسر الرأس وبدون نظارتي.
نُقل القوتلي والعظم إلى سجن المزة حيث ظلّا سجينين لمدة أسبوع، ومن داخله أجبرا على توقيع استقالتهما بوساطة رئيس مجلس النواب فارس الخوري. نُفي القوتلي بعدها إلى مصر وغاب العظم عن أي نشاط سياسي في مدة حكم حسني الزعيم التي استمرت من 29 آذار ولغاية سقوطه ومقتله في 14 آب 1949. بارك العظم الانقلاب العسكري الذي أطاح بالزعيم وأثنى على قرار مهندسه سامي الحناوي الدعوة إلى انتخاب مجلس تأسيسي تكون مهمته وضع دستور جديد للبلاد بدلاً من دستور حسني الزعيم المؤقت. أعلن الحناوي أيضاً عن عدم رغبته تسلّم الرئاسة ودعا إلى اجتماع كبير في مبنى الأركان العامة، حضره خالد العظم مع معظم السياسيين القدامى، تقرر فيه عودة هاشم الأتاسي إلى الحكم بعد عشر سنوات من استقالته من رئاسة الجمهورية عام 1939.
شكّل الأتاسي حكومة وطنية جامعة، تسلّم فيها خالد العظم حقيبة المالية لغاية كانون الأول 1949. دخلت سورية يومها في مفاوضات مع العراق لتحقيق وحدة فيدرالية بين البلدين، لم تتحقق بسبب انقلاب أديب الشيشكلي الأول في 19 كانون الأول 1949، الذي أطاح بسامي الحناوي. لم يقترب الشيشكلي من رئيس الجمهورية، مشترطاً على هاشم الأتاسي وعلى كل السياسيين المدنيين تعيين أحد أعوانه العسكريين في وزارة الدفاع، وهو اللواء فوزي سلو، لضمان عدم طرح موضوع الوحدة مجدداً داخل السلطة التنفيذية. وفي 27 كانون الأول 1950 وفي ظلّ هذه الأزمة السياسيّة، طُلب إلى خالد العظم تشكيل حكومة جديدة تكون أولى مهامها التصديق على إقالة سامي الحناوي من قيادة الجيش وتعيين أنور بنّود رئيساً للأركان، نزولاً عند رغبة الشيشكلي.
مرفأ اللاذقية
ومن منجزات حكومة العظم الثالثة كان بدء القطيعة الاقتصادية مع حكومة الرئيس رياض الصلح في لبنان عبر إغلاق الحدود البرية يوم 18 آذار 1950 وإنشاء مرفأ حديث في مدينة اللاذقية لتحرير التجار السوريين من سيطرة تجار بيروت في شؤون الاستيراد والتصدير في بلدهم.
لم تكن ميزانية الدولة السورية قادرة على تحمّل نفقات هذا المشروع الضخم، الذي وصلت تكلفته إلى 25 مليون ليرة سورية، فدعا العظم القطاع الخاص للمشاركة وعرض أن تُساهم الدولة السورية وتضمن للمستثمرين ربحاً سنويّاً لا يقل عن خمسة بالمئة من أموالهم المودعة في المرفأ. حُدد سعر السهم الواحد بمئة ليرة سورية، ووزّع على الشكل الآتي: 80 ألف سهم للدولة، 130 ألف سهم للقطاع الخاص، 40 ألف سهم الحامل. انتُخب مجلس إدارة مشترك للمشروع، برئاسة الدكتور عزت طرابلسي (الذي أصبح وزيراً للاقتصاد في حكومة العظم الخامسة والأخيرة سنة 1962)، صدر مرسوم مرفأ اللاذقية في 12 شباط 1950. وفي خطابه الشهير أمام الحكومة يوم التشدين، قال خالد العظم: “هنيئاً لمن له شبر أرض في اللاذقية.”
الحكومة العظمية الرابعة (27 آذار – 9 آب 1951)
سقطت حكومة العظم الثالثة في حزيران 1950 ولكنّه عاد إلى رئاسة الوزارة مرة رابعة بتكليف من الرئيس الأتاسي يوم 27 آذار 1951. اختلف يومها مع حزب الشعب بسبب رفضه إحياء محادثات الوحدة مع العراق، فلم يشارك أحد من قادته في الحكومة وقرروا المقاطعة الجماعية. اعتمد العظم على الجيش يومها، على الرغم من قلّة الود بينه وبين أديب الشيشكلي، وجاء بفوزي سلو وزيراً للدفاع. تسلّم حقيبة الخارجية بنفسه، إضافة لرئاسة الحكومة، ومن هذا الموقع رفض قبول أي مساعدات أميركية قُدّمت إلى سورية بموجب النقطة الرابعة من مشروع الرئيس هاري ترومان. ولكنّ الحكومة العظمية الرابعة سقطت بسرعة عندما أضرب سبعة عشر ألف موظف حكومي يوم 30 حزيران 1951، مطالبين برفع الأجور والرواتب. شلّت الحركة التجارية في البلاد وتعطلت مصالح الناس في الدوائر الحكومية، وقد انضم إلى الإضراب عمّال النظافة ومعهم موظفو البرق والبريد والهاتف، فما كان أمام الرئيس العظم إلّا تقديم استقالته إلى رئيس الجمهورية في 9 آب 1951.
في زمن الشيشكلي
عاد حزب الشعب إلى الحكم يومها وغاب العظم عن أي منصب في الحكومات التي شكّلت في عهده وكان آخرها حكومة معروف الدواليبي في 28 تشرين الثاني 1951. حصلت مواجهة يومها بين قادة الحزب وأديب الشيشكلي، أدّت إلى وقوع انقلاب عسكري جديد، أطاح بالحكومة وأدى إلى استقالة هاشم الأتاسي من منصبه في 3 كانون الأول 1951.
فرض الشيشكلي صديقه الوفي فوزي سلو رئيساً للدولة وحكم البلاد عن طريقه حتى صيف العام 1953، عند تسلّمه رئاسة الجمهورية بشكل مباشر. لم يُشارك خالد العظم في عهد الشيشكلي، وعدّه نظاماً عسكريّاً غير شرعي وغير دستوري. ولكنّه وبالمقابل لم يعمل على إسقاطه مع المعارضة التي قادها هاشم الأتاسي وفضّل السفر إلى لبنان للعيش في عزلة، صامتاً ومنتظراً تغير الأوضاع في وطنه. وعند سقوط الشيشكلي في شباط 1954، عاد خالد العظم إلى دمشق مُعلناً دعمه لعودة الأتاسي إلى الحكم وفي 13 شباط 1955 سمّي وزيراً للخارجية والدفاع في حكومة الرئيس صبري العسلي.
ومع قرب انتهاء ولاية هاشم الأتاسي، قرر خالد العظم الترشح لرئاسة الجمهورية، وهو المنصب الذي طالما حلم به منذ مطلع شبابه. حاول حكّام العراق إقناع زعيم حزب الشعب رشدي الكيخيا بدخول المعركة الانتخابية ضده ولكنه رفض، فقرر لطفي الحفار خوضها، ممثلاً عن الحزب الوطني المدعوم من السعودية. ولكنّه سرعان ما انسحب من المعركة الانتخابية لصالح الرئيس الأسبق شكري القوتلي، عندما قرر الأخير العودة من مصر والترشح لرئاسة الجمهورية مجدداً.
وقفت المؤسسة العسكرية خلف القوتلي، المدعوم أيضاً من عبد الناصر، وأيّده زعماء حزب الشعب وفي مُذكّراته يقول العظم: “دخلت الانتخابات وحيداً، لا نصير لي سوى سمعتي التي أفتخر بها، ونظافة يدي ومقدرتي على تسيير أمور الحكومة، وموقفي من النهوض بالاقتصاد السوري.” جرت الانتخابات داخل مجلس النواب يوم 18 آب 1955 وكانت نتيجتها الأولى 42 صوتاً لخالد العظم و89 صوتاً لشكري القوتلي. وبما أن أياً منهما لم يحصل على أكثرية الثلثين، أُعيد التصويت مرة ثانية وكانت النتيجة النهائية لصالح القوتلي: 91 صوتاً له مقابل 41 صوتاً لخالد العظم.
الاتفاق العسكري مع الاتحاد السوفيتي (آب 1957)
تسلّم القوتلي الحكم في 5 أيلول 1955 في 31 كانون الأول 1956 عُيّن خالد العظم وزيراً للدفاع في حكومة صبري العسلي الرابعة والأخيرة. ومن أبرز منجزاته في هذه المرحلة كان إبرام اتفاقية تعاون اقتصادي وعسكري مع الاتحاد السوفيتي. سافر العظم إلى موسكو واجتمع مطولاً مع نيكيتا خروتشوف في 6 آب 1957، بعد أقل من عام على زيارة القوتلي إلى قصر الكرملين. كان لهذه الزيارة أثر سلبي للغاية على العلاقات السورية – الأميركية، حيث اتُهمت دمشق من قبل إدارة الرئيس دوايت أيزنهاور بالمضي نحو المعسكر الشرقي. نص اتفاق العظم مع خروتشوف على إعطاء الجيش السوري سلاحاً ثقيلاً بقيمة 700$ مليون دولار أمريكي، تُسدد بالتقسيط المريح من عائدات الزراعة على مدى 12 سنة، وقد لقب العظم بسبب هذا الاتفاق، شعبيّاً وعالميّاً، بالمليونير “الأحمر.”
الوحدة مع مصر سنة 1958
في 11 كانون الثاني 1958 توجه وفد من ضباط الجيش السوري ليلاً إلى مصر، دون إبلاغ خالد العظم أو أخذ موافقته بصفته وزيراً للدفاع، وكان هدفهم إقامة وحدة مباشرة مع جمال عبد الناصر. كان الوفد برئاسة قائد الجيش اللواء عفيف البزري وضم عدداً من قادة الانقلابات السابقة، منهم من ساهم في وصول حسني الزعيم إلى السلطة ومنهم من شارك في إقصاء أديب الشيشكلي عن الحكم. قابلوا عبد الناصر وطلبوا إليه إقامة وحدة اندماجية فورية مع سورية، دون أي قيد أو شروط.
غضب العظم من هذا التصرف وحاول إقناع القوتلي بإقالتهم جميعاً بتهمة الخيانة العظمى، ولكن رئيس الجمهورية فضّل استيعابهم واحتضان موقفهم، أملاً أن يؤدي ذلك إلى قيام وحدة عربية حقيقية، تضع حداً لتجاوزات العسكر في سورية. بدلاً من معاقبة الضباط أو فصلهم عن الخدمة، قرر القوتلي إضفاء شرعية على وفدهم وأرسل وزير الخارجية صلاح البيطار إلى القاهرة لمساندتهم. ثم توّجه بنفسه إلى مصر مع كامل أعضاء الحكومة للتصديق على الوحدة. وفي مذكراته يقول العظم:
وعندما حلقت الطائرة لاحظت أنها تطير باتجاه الشرق الجنوبي، وليس الغرب حيث الطريق الجوي المألوف. فسألت عن السبب فقال البزري: إننا نخشى أن يتعرض اليهود لطائرتنا فيقضون على الحكومة السورية بأسرها. فقلت في نفسي: ليتهم يفعلون. ثم يُضيف: أبديت اعتراضي على جعل نظام الحكم رئاسياً وأبديت مخاوفي من أن يجر ذلك إلى زوال الحكم الديمقراطي النيابي وأن تتحول سورية إلى دولة يحكمها فرد بطريقة ديكتاتورية. ثم أضفت قولي بأن هذا النوع من الحكم قد جُرّب في بلاد عديدة وفشل فيها كلها وأودى بها إلى الهاوية.
موقفه من التأميم
أمضى خالد العظم سنوات الوحدة بعيداً عن وطنه، مُقيماً في بيروت وبعيداً عن أي نشاط سياسي. ولكنه عارض قرارات التأميم التي صدرت عن عبد الناصر في تموز 1961، والتي طالت معظم المصانع والمصارف والعديد من الشركات الخاصة، بما في ذلك العديد من أملاك الأسرة العظمية واستثماراتها. وكتب العظم في مذكّراته قائلاً:
الكثير من المسؤولين المصريين، إن لم تكن غالبيتهم، يجهلون واقع سورية الاقتصادي والاجتماعي، وهم معذورون بذلك ريثما يكتسبون الخبرة الكاملة، وقد غشّهم من اعتمدوا عليهم من السوريين. لقد وثقت البلاد كلها بالرئيس ولا يزال عند حسن ظنها به، وهي تطلب إليه تحقيق آمالها من حيث إقامة حكم محبب إلى القلوب واستبعاد النظام الإرهابي. فإن القلوب لا تستجيب بالشدة والقسوة وإنما بالرفق وحسن المعاملة.
وقد أضاف: “فوجئ الناس بصدور قوانين التأميم التي وصِفت بأنها اشتراكية إصلاحية وهي في حقيقتها لم تكن ترميإلا إلى القضاء على الاقتصاد وقتله في مهده ولا تقصد سوى السيطرة ودعم السلطات القائمة عن طريق تركيز الفعاليات الاقتصادية بيد الدولة وإحداث رأسمالية حكومية ديكتاتورية.”
الترشح للرئاسة في زمن الانفصال
سارع خالد العظم لتأييد الانقلاب العسكري الذي أطاح بجمهورية الوحدة يوم 28 أيلول 1961. عاد إلى دمشق ووضع اسمه على بيان موقع من قبل عدد من السياسيين القدامى، وصفوا فيه عهد عبد الناصر بالبوليسي وباركوا حركة الضباط التي أسقطته. لم يُشارك في حكومات الانفصال ولكنه تشرح للنيابي عن دمشق وفاز بأغلبية أصوات المدينة، ما خوله الترشّح لرئاسة الجمهورية، للمرة الثانية والأخيرة نهاية العام 1961.
تنافس داخل المجلس مع ناظم القدسي، مرشح حزب الشعب، ومأمون الكزبري، أول رئيس حكومة في عهد الانفصال، ودخل في تحالف مع أكرم الحوراني ومع حزب البعث، ولكنه بقي مشككاً في فرص نجاحه وقال: “وكانت لي تجربة 1955 كدرس لمعرفة أخلاق الناس وشدة تمسكهم بموعدهم وحتى بإيمانهم. فلم يكن يدور بخلدي النجاح المضمون لكنني كنت لا أريد عدم استجابة أصدقائي من النواب.” وقد انسحب العظم من هذه المعركة عند توصل حزب الشعب إلى اتفاق مع الكزبري، يؤدي إلى وصول القدسي إلى الرئاسة مقابل انتخاب الكزبري رئيساً لمجلس النواب. وفي 14 كانون الأول 1961، انتخب ناظم القدسي رئيساً للجمهورية.
الاعتقال الأخير في 28 آذار 1962
بعدها بثلاثة أشهر وقع انقلاب جديد في سورية، بقيادة عبد الكريم النحلاوي، الذي أمر باعتقال رئيس الجمهورية ومعه عدد من السياسيين الكبار، منهم خالد العظم. بقوا سجناء لمدة أسبوع، ليطلق سراحهم بعد تمرد قائد الجيش على النحلاوي وإعادة الأمور إلى نصابها في 1 نيسان 1962.
الحكومة العظمية الخامسة والأخيرة (17 أيلول 1962 – 8 آذار 1963)
في خريف العام 1962، طلب الرئيس القدسي إلى خالد العظم تشكيل الحكومة الجديدة خلفاً لحكومة الدكتور بشير العظمة. وافق العظم على الرغم من التراجع الملحوظ في صحته، حيث كان يُعاني من تفاقم مرض السكري وزيادة كبيرة في وزنه، وشكّل حكومة موسعة كانت الأكبر في تاريخ سورية. وفي أثناء مرض رئيس الحكومة ودخوله المتكرر إلى المستشفى كان ينوب عنه وزير العدل الدكتور أسعد كوراني.
معظم الوزراء كانوا من الاختصاصيين المستقلين، غير المنتميين إلى أي حزب من الأحزاب السياسية. وقد أضيفت مناصب جديدة على حكومة العظم، مثل منصب نائب رئيس الحكومة وحقائب التموين والإعلام والأوقاف التي كانت قد أوجدت في زمن الوحدة. أهم ما جاء به خالد العظم في حكومته الأخيرة كان الفريق الاقتصادي الذي شكّله للقضاء على المراسيم الاشتراكية التي أوجدت في زمن الوحدة، برئاسة وزير الاقتصاد عزت طرابلسي (مدير مرفأ اللاذقية سابقاً ومؤسس مصرف سورية المركزي). سعى العظم، بالتعاون مع طرابلسي، إلى إلغاء قرارات التأميم وقانون الإصلاح الزراعي الصادر سنة 1958 ولكنه واجه معارضة شديدة من الناصريين، في الجيش والأرياف. أبقى على التأميم مجبراً، ولكنه خاطب التجار والصناعيين ووعد “لا تأميم بعد اليوم.” ومن حلب، عاصمة سورية الصناعية، أعلن العظم عن خطة متكاملة لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع الصناعي، ووعد بجلب استثمارات بقيمة 2700 مليون ليرة سورية لإنشاء صناعات جديدة.
وفي شرحه المفصل للتأميم أضاف العظم:
أما الاشتراكية فأدين بها وأريدها تطويرية ترافق إمكانيات البلاد وحاجاتها وتستهدف زيادة الدخل العام. أولئك الذين أوصلوا البلاد إلى الاستقلال وأزاحوا الاستعمار، أولئك كلهم كانوا وبدون استثناء من أولاد العائلات ومن أصحاب الأراضي ورؤوس الأموال التجارية والعقارية. أما القول بأن الثروات تمركزت بجيوب قليلة وأن الأغنياء احتكروا الأرض والتجارة واستغلوا عرق العمال والفلاحين الكادحين فهو قول مردود.
نهاية العهد
لم ينجح خالد العظم في حماية الاقتصاد السوري ولا حتى في حماية نفسه من القدر، فقد أطيح به وبمشروعه الاقتصادي والسياسي في 8 آذار 1963، عند قيام مجموعة من الضباط الناصريين والبعثيين بانقلاب عسكري على رئيس الجمهورية ناظم القدسي، معلنين نهاية جمهورية الانفصال.
صادرت الدولة ما تبقى له من أملاك وحولتها إلى مؤسسات حكومية عامة، مثل قصر عائلته الشهير في سوق ساروجا، الذي أصبح متحفاً للتراث والوثائق التاريخية، ومكتبه الخاص مقابل حديقة المدفع، الذي شغله لسنوات طويلة نائب رئيس الجمهورية عبد الحليم خدام، ومزرعته الصيفية التي تحوّلت إلى مقر معمل تاميكو للأدوية. وقد شمله العزل المدني الصادر عن مجلس قيادة الثورة، بتهمة شرعنة ” جريمة الانفصال” ودعمها. وعند صدور البلاغ رقم واحد، هرب خالد العظم إلى مقر السفارة التركية الذي كان في عمارته نفسها بحيّ الروضة، وحصل على لجوء سياسي، مما منع الجنود من الاقتراب منه. وقد ضمنت الحكومة التركية له ممراً آمناً إلى لبنان، حيث قضى سنواته الأخيرة.
الوفاة
عاش خالد العظم في ظروف مادية وصحية صعبة، وتوفي في بيروت عن عمر ناهز 62 عاماً في 18 شباط 1965. ولكيلا تُثير جنازته أية مواجهات دامية في دمشق، أوصى أن يُدفن بجوار الإمام الأوزاعي في بيروت. وكان العظم في أيامه الأخيرة قد عمل على كتابة مُذكّراته ونشرها في جريدة النهار، وقد جُمعت في كتاب بعد سبع سنوات من وفاته، نُشر سنة 1972.
هلال عثماني، صحيفة دمشقية يومية شبه حكومية، أسسها الصحفي محمّد خير الدين بدعم من الحكومة المركزية في اسطنبول وكانت تصدر باللغتين العربية والتركية وتُطبع في مطابع ولاية سورية الحكومية. صدر العدد الأول منها في 13 كانون الأول 1910 وكانت عبارة عن أربع صفحات من القطع المتوسط، وظلّت تصدر في سنوات الحرب العالمية الأولى وتوقفت مع هزيمة الدولة العثمانية وانسحابها من سورية سنة 1918.
النفاخة، صحيفة أسبوعية هزلية أسسها يوسف الأهرامي بدمشق وصدر عددها الأول يوم 28 كانون الثاني 1910. وصفها الأهرامي بأنها “هزلية شيطانية…ستكون أسبوعية ويومية عند الضرورة.” وفي 10 آب 1910 صدرت الصحيفة بأقل قدر ممكن من الكلام وتحولت إلى مصورة مخصصة لرسومات الكاريكاتير. وفي سنة 1912 توقفت الصحيفة تسبب ارتفاع سعر الورق وتكلفة الطباعة والاستكتاب.
موارد الحكمة، صحيفة أسبوعية خاصة، صدرت بدمشق من سنة 1909 ولغاية عام 1911 وكانت ممولة من قبل أمير الحج عبد الرحمن باشا اليوسف. ترأس تحريرها صديقه الصحفي عبد القادر بدران، أحد المحررين في جريدة الشّام، وصدر عددها الأول في 9 تشرين الثاني 1909. جاء في ترويسة الصحيفة عبارة: “يُؤتي الحكمة من يشاء ومن يُؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً.” كانت تصدر صباح كل يوم ثلاثاء بأربع صفحات من القطع الصغير وتعنى بالمواضيع السياسية والزراعية والصناعية.
السكة الحجازية، صحيفة منوعة صدرت في دمشق سنة 1909 وكان صاحبها ومديرها المسؤول الصحفي محمد عارف الهبل. صدر العدد الأول يوم 3 نيسان 1909، قبل أسابيع قليلة من خلع السلطان عبد الحميد الثاني عن عرش الدولة العثمانية، وعرف عنها الهبل في افتتاحيته قائلاً: “هي جريدة أدبية وطنية حرّة، تُنزل الناس منازلهم وتُعطي كل ذي حق حقه.” كانت عبارة عن أربع صفحات من القطع المتوسط، باللغتين العربية والتركية، توقفت مع صيف العام 1909 ولم يصدر منها إلى 47 عدد.
أعطيه جَملهُ، صحيفة هزلية صدرت بدمشق لأشهر معدودة سنة 1909، وكانت الوحيدة بين مطبوعات تلك المرحلة التي لم تذكر اسم صاحبها ورئيس تحريرها. صدر عددها الأول في 2 نيسان 1909 وكانت “أسبوعية فكاهية هزلية” تزامنت مع فترة حرجة من تاريخ السلطنة العثمانية، إبان خلع السلطان عبد الحميد الثاني. صدرت بأربع صفحات من القطع الصغير وحققت نجاحاً لافتاً في المجتمع الدمشقي ولكنها توقفت مع نهاية العام 1909.