أحزاب

حزب الشعب (حلب)

جزب سياسي (1948-1963).

حزب الشعب، حزب سياسي كان ينادي بالوحدة العربية ويطالب بتحقيق وحدة فيدرالية بين سورية والمملكة العراقية الهاشمية. كان حزب الشعب أحد أكبر وأنجح الأحزاب السياسية السورية في مرحلة الخمسينيات، وقد أسندت إليه رئاسة الحكومة عدة مرات، وكانت له اليد العليا في صياغة دستور عام 1950.

كما تولّى ثلاثة من قادته الكبار رئاسة مجلس النواب، وهم رشدي الكيخيا سنة 1949، وناظم القدسي سنة 1954، ومعروف الدواليبي، الذي ترأس السلطة التشريعية مرتين، كانت الأولى سنة 1951 والثانية عام 1962. وفي مرحلة الانفصال عن مصر انتُخب رئيس الحزب، الدكتور ناظم القدسي، رئيساً للجمهورية من 14 كانون الأول 1961 ولغاية انقلاب 8 آذار 1963، حيث صدر قرار عن مجلس قيادة الثورة باعتقاله وبحلّ جميع الأحزاب المرخصة في سورية، وفي مقدمتها حزب الشعب.

الخلفية السياسية

مؤسس الحزب رشدي الكيخيا وزميله ناظم القدسي كانا أعضاءً في الكتلة الوطنية المعارضة للانتداب الفرنسي، قبل أن ينفصلا عنها سنة 1939، احتجاجاً على ضعف قادتها في مواجهة مخطط تركي – فرنسي لسلخ لواء إسكندرون عن الأراضي السورية.(1) وفي مرحلة الاستقلال، تحالف الكيخيا مع القدسي في تكتل نيابي سمّي بالكتلة الدستورية، كان الهدف منها معارضة تعديل الدستور للسماح بولاية رئاسية ثانية لرئيس الجمهورية شكري القوتلي. ولكن معارضتهم لم تنجح وتم تعديل المادة 68 من الدستور لصالح الرئيس القوتلي، ما أدى إلى انسحاب الكيخيا والقدسي من الجلسة النيابية المنعقدة في 17 آب 1947، خلال أداء القوتلي القسم الرئاسي.(2)

ولادة الحزب

وفي شهر آب من العام 1948، دعا رشدي الكيخيا إلى اجتماع في بلدة فالوغا اللبنانية، أعلن فيه عن تأسيس “حزب سياسي اجتماعي” سمّي بحزب الشعب، هدفه إقامة اتحاد بين سورية والبلاد العربية. استوحي الحزب اسمه من حزب قديم حمل نفس الاسم كان قد ظهر بدمشق أيام الثورة السورية الكبرى، وكان برئاسة الدكتور عبد الرحمن الشهبندر. وقد انضم إلى الحزب الجديد عدد كبير من أعيان حلب، مثل معروف الدواليبي وعبد الوهاب حومد ورشاد برمدا، كما أعتبر ناظم القدسي رئيساً مؤسساً للحزب مع رشدي الكيخيا.

سيطر الحلبيين على حزب الشعب منذ ولادته، ولكنه ضم شخصيات مرموقة من مدن أخرى، مثل الدكتور عدنان الأتاسي وفيضي الأتاسي وهاني السباعي (وهم من أعيان حمص)، ومن دمشق شارك معهم كل من علي بوظو ورشاد جبري ونسيب البكري والأمير جعفر الحسني والدكتور منير السادات.(3) وقد أيّد الحزب ضمنياً دون الدخول رسمياً في صفوفه الرئيس السابق هاشم الأتاسي، والد عدنان الأتاسي. كما ظهرت عدة صحف يومية محسوبة على حزب الشعب في سورية، مثل جريدة الشعب (دمشق) وجريدة الجلاء (اللاذقية) وجريدة السوري الجديد (حمص) وجريدة النذير (حلب).

مبادئ الحزب

لم يكن حزب الشعب حزباً عقائدياً مثل حزب البعث أو الحزب السوري القومي الاجتماعي، ولم يظهر فيه أي منظر أو أي أدبيات فلسفية، كما لم يكن حزباً شعبوياً وظلّ نشاطه محصوراً داخل مجلس النواب. أعلن القائمين عليه عن مجموعة من المبادئ العامة، مثل الوحدة العربية ومشروع دفاع عربي مشترك، كما اعتبروا أن الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية يشكلون وحدة جمركية. وقد طالب قادة حزب الشعب بتوحيد النقد وإنشاء مصرف إصدار عربي مشترك، إضافة إلى إلغاء جوازات السفر بين البلدان العربية واعتبار أن فلسطين هي جزء رئيسي من الأمة العربية، غير قابلة للتقسيم.(4)

وبعد ثلاثة أشهر من ولادة الحزب، أصدر أعضاء مجلسه الدائم بيان طالبوا فيه بتحقيق وحدة عربية شاملة، تكون بدايتها بين سورية والعراق. وقد أرسلت نسخة من البيان إلى جامعة الدول العربية في مصر وتم نشره في الصحف اليومية.

زعماء حزب الشعب، يتوسطهم رشدي الكيخيا وناظم القدسي. يجلس حولهم علي بوظو (الثالث من اليمين) وفرحان الجندلي (الثامن من اليمين)، يليه فيضي الأتاسي. وفي الصف الخلفي وقوفاً رشاد جبري ورشاد برمدا ورزق الله أنطاكي وأحمد قنبر.
زعماء حزب الشعب، يتوسطهم رشدي الكيخيا وناظم القدسي. يجلس حولهم علي بوظو (الثالث من اليمين) وفرحان الجندلي (الثامن من اليمين)، يليه فيضي الأتاسي. وفي الصف الخلفي وقوفاً رشاد جبري ورشاد برمدا ورزق الله أنطاكي وأحمد قنبر.

موقف الحزب من انقلاب حسني الزعيم

في 29 آذار 1949 وقع انقلاب عسكري في سورية، قاده رئيس أركان الجيش حسني الزعيم ضد رئيس الجمهورية شكري القوتلي. أعتقل القوتلي وتم حلّ البرلمان السوري في 1 نيسان 1949، حيث دعا الزعيم قادة حزب الشعب إلى مكتبه بدمشق وعرض عليهم التعاون مع العهد الجديد، نظراً لخصومتهم التاريخية مع الرئيس القوتلي. رفض رشدي الكيخيا التعاون، وقال لحسني الزعيم أنه وعلى الرغم من تحفظات الحزب على شكري القوتلي وعهده، إلا أنه يبقى هو الرئيس الشرعي لسورية والمنتخب قانونياً وفق الدستور.(5) ولكنه لم يمنع أعضاء الحزب من العمل مع حسني الزعيم بصفتهم الشخصية لا الحزبية، وبالفعل أصبح علي بوظو مستشاراً لدى الزعيم كما دخل فيضي الأتاسي في أول حكومة شكّلت في عهده، ولكنه استقال من منصبه بعد أيام معدودة.

ولكن حسني الزعيم بطش بحزب الشعب وقام بحلّه، كما أمر باعتقال عدد كبير من قادته بعد اعتراضهم الصريح على سياساته الإقليمية المعارضة للحور الهاشمي الممثل بالعراق والأردن.

في عهد اللواء سامي الحناوي (14 آب – 19 كانون الأول 1949)

وفي 14 آب 1949، قام اللواء سامي الحناوي بانقلاب عسكري، أعاد الحياة البرلمانية إلى سورية بعد إعدام حسني الزعيم ورئيس وزرائه الدكتور محسن البرازي. دعا الحناوي قادة الأحزاب إلى في مبنى الأركان العامة، حضره رشدي الكيخيا وناظم القدسي، ممثلين عن حزب الشعب. وقد تقرر في هذا الاجتماع تشكيل حكومة وطنية برئاسة هاشم الأتاسي للإشراف على انتخاب مؤتمر تأسيسي يتولّى مهمة صياغة دستور جديد بدلاً من الدستور القديم الذي قام حسني الزعيم بحلّه قبل أشهر.

وقد شكّل الرئيس الأتاسي حكومة موسعة ضمّت ممثلين عن جميع الأحزاب، وكانت حصة حزب الشعب فيها أربع حقائب من أصل 11 حقيبة، وزّعت على الشكل التالي: وزارة الخارجية (ناظم القدسي)، وزارة الداخلية (رشدي الكيخيا)، وزارة الاقتصاد (فيضي الأتاسي) وزارة الدولة (فتح الله أسيون).

وفي الانتخابات العامة التي أشرفت عليها حكومة هاشم الأتاسي، فاز حزب الشعب بثلاثة وأربعين مقعداً من أصل 114 مقعد، مما أعطاه أغلبية مطلقة داخل المؤتمر التأسيسي الذي وضع دستور عام 1950. وقد سمّي ناظم القدسي رئيساً للجنة الدستورية، وبعد الانتهاء من عملها تم تحويل المؤتمر التأسيسي إلى سلطة تشريعية بصلاحيات كاملة، وانتُخب رشدي الكيخيا رئيساً لمجلس النواب.(6)

من اليمين: ناظم القدسي ورشدي الكيخيا وعلي بوظو.
من اليمين: ناظم القدسي ورشدي الكيخيا وعلي بوظو.

وفي نهاية شهر كانون الأول من العام 1949، كُلّف ناظم القدسي بتشكيل الوزارة، لكونه رئيس أكبر كتلة نيابية في البرلمان، ولكن حكومته لم تستمر إلا أيام معدودة فقط، وذهبت رئاسة الحكومة من بعدها إلى السياسي المستقل خالد العظم. شارك حزب الشعب في حكومة العظم بأربعة حقائب: وزارة الاقتصاد (معروف الدواليبي)، وزارة العدل (فيضي الأتاسي)، وزارة الصحة (فتح الله أسيون)، ووزارة المعارف (هاني السباعي).

مفاوضات الوحدة مع العراق سنة 1949

وبذلك أصبح حزب الشعب هو بمثابة الحزب الحاكم في سورية، له أكبر كتلة نيابية منتخبة ومسيطر على رئاسة الحكومة ورئاسة مجلس النواب، إضافة لنفوذه على رئاسة الجمهورية عبر علاقة قادته المتينة مع الرئيس هاشم الأتاسي. كما كان له نفوذ على رئاسة الأركان عبر اللواء سامي الحناوي، المحسوب أيضاً على العراق الهاشمي. وقد دعم اللواء الحناوي سعي حزب الشعب لإقامة وحدة فيدرالية بين سورية والعراق، تكون تحت عرش الأسرة الهاشمية وتنتقل فيها العاصمة مناصفة كل ستة أشهر بين دمشق وبغداد.(7)

وخلال هذه الفترة، أطلقت مفاوضات رسمية لتحقيق هذه الوحدة، وجاء الملك فيصل الثاني إلى دمشق، برفقة الوصي على العرش الأمير عبد الإله، حيث كان في استقباله الرئيس هاشم الأتاسي واللواء سامي الحناوي، محاطين بنواب ووزراء حزب الشعب. وكان من المفترض أن يذهب ناظم القدسي إلى بغداد لوضع اللمسات الأخيرة على مشروع الوحدة، لولا وقوع انقلاب داخل المؤسسة العسكرية بدمشق في يوم 19 كانون الأول 1949، قاده العقيد أديب الشيشكلي على اللواء الحناوي.

أمر الشيشكلي باعتقال الحناوي، مما أفقد حزب الشعب الدعم المطلوب داخل الجيش السوري للمضي في مشروع الوحدة، ولكنه أبقى على هاشم الأتاسي في رئاسة الجمهورية. وقد اشترط الشيشكلي على كل رؤساء الحكومات من يومها تعيين صديقه اللواء فوزي سلو في وزارة الدفاع لإجهاض أي مشروع وحدوي مع العراق كان من الممكن طرحه داخل السلطة التشريعية من قبل وزراء حزب الشعب.

الرئيس الدكتور ناظم القدسي.
الرئيس الدكتور ناظم القدسي.

وزارة ناظم القدسي الثانية (4 حزيران 1950 – 8 أيلول 1950)

بعد استقالة الرئيس خالد العظم من منصبه طلب الرئيس الأتاسي من الدكتور ناظم القدسي العودة إلى السراي الكبير وتشكيل الحكومة وطنية الجديدة، وفقاً لشروط وإملاءات أديب الشيشكلي.

وافق القدسي على تعيين فوزي سلو في وزارة الدفاع، وبالمقابل قام بإسناد 12 حقيبة وزراية إلى حلفائه في حزب الشعب: رئاسة الحكومة ووزارة الخارجية (ناظم القدسي) وزارة الداخلية (رشاد برمدا) وزارتي الاقتصاد والزراعة (شاكر العاص)، وزارتي المعارف والصحة (فرحان الجندلي)، وزارة الأشغال العامة (جورج شلهوب).

وزارة ناظم القدسي الثالثة (8 أيلول 1950 – 27 آذار 1951)

وفي 8 أيلول 1950، كلّف الرئيس القدسي بتشكيل حكومة جديدة، نقل فيها فرحان الجندلي من وزارتي المعارف والصحة إلى وزارة الاقتصاد، وعُيّن علي بوظو وزيراً للزراعة وأحمد قنبر وزيراً للأشغال العامة، كما سمّي جورج شلهوب وزيراً للصحة والإسعاف العام وحافظ فوزي سلو طبعاً على منصبه في وزارة الدفاع.

وزارة خالد العظم الرابعة (27 آذار 1951 – 9 آب 1951)

رفض حزب الشعب المشاركة في هذه الحكومة وانتقل إلى صفوف المعارضة لغاية استقالة الرئيس خالد العظم في 9 آب 1951 وتكليف حسن الحكيم بتشكيل حكومة جديدة.(8)

وزارة حسن الحكيم (9 آب 1951 – 28 تشرين الأول 1951)

عاد حزب الشعب إلى الحكم مع وصول حسن الحكيم إلى السراي في 9 آب 1951، وقد حصد نوابه معظم الحقائب الوزارية، فكانت له المناصب التالية: وزارة الخارجية (فيضي الأتاسي)، وزارة الداخلية (رشاد برمدا)، وزارة الصحة (فتح الله أسيون)، وزارتي الاقتصاد والزراعة (شاكر العاص)، وزارة المعارف (الدكتور عبد الوهاب حومد).

المواجهة مع أديب الشيشكلي

كان العقيد أديب الشيشكلي ومنذ قيامه بانقلابه الأول في كانون الأول 1949 قد فرض على جميع الرؤساء فوزي سلو في وزارة الدفاع. وقد التزم كل رؤساء الحكومات بهذا الشرط إلّا الدكتور معروف الدواليبي، الذي خلف الرئيس حسن الحكيم في رئاسة الحكومة في 28 تشرين الثاني 1951. رفض الدواليبي إسناد حقيبة الدفاع إلى اللواء سلو، وأعطى زملائه في حزب الشعب ست حقائب وزارية: وزارة الخارجية (شاكر العاص)، وزارة الداخلية (أحمد قنبر)، وزارة المعارف (هاني السباعي)، وزارة الاقتصاد (علي بوظو)، وزارة الصحة (محمد الشواف).

اعترض الشيشكلي على هذا التشكيل وطلب من معروف الدواليبي العدول عن موقفه ولكن الأخير رفض بإصرار. فرد الشيشكلي بانقلاب جديد يوم 29 تشرين الثاني 1951 وأمر باعتقال الرئيس الدواليبي وجميع الوزراء. اعتراضاً على هذا التدخل في شؤون الحكم، استقال الرئيس هاشم الأتاسي من منصبه في 3 كانون الأول 1951، فقام الشيشكلي بحلّ مجلس النواب وفرض فوزي سلو رئيساً للدولة ولمجلس الوزراء. ومن أولى قرارات فوزي سلو كان مرسوم جمهوري بحلّ جميع الأحزاب السياسية، وفي مقدمتها حزب الشعب.

في صفوف المعارضة (1951-1954)

انتقل قادة حزب الشعب إلى صفوف المعارضة ضد ثنائي فوزي سلو وأديب الشيشكلي، وقد صدرت مذكرات قضائية بحقهم وسيق معظمهم إلى السجون المعتقلات. وبعد تولّى الشيشكلي رئاسة الجمهورية رسمياً في تموز 1953، توجه رشدي الكيخيا وناظم القدسي إلى حمص لحضور مؤتمر عُقد في منزل الرئيس المستقيل هاشم الأتاسي، أعلن فيه عن رفض جميع قرارات الشيشكلي واعتبار أن حكمه غير شرعي وغير دستوري. وقد طالب أعضاء مؤتمر حمص بإسقاطه بكل الطرق المتاحة سياسياً وعسكرياً.  شارك حزب الشعب في المظاهرات التي انطلقت ضد حكم الشيشكلي في كل أنحاء البلاد، مما أدى إلى اعتقال رشدي الكيخيا وناظم القدسي ونقلهم إلى سجن المزة العسكري.(9)

العودة إلى الحكم

وقد استمرت المعارك والصدامات لغاية 25 شباط 1954، عند استقالة أديب الشيشكلي من رئاسة الجمهورية وسفره إلى لبنان. عاد هاشم الأتاسي من حمص في 1 آذار 1954 لإكمال ما تبقى من ولاياته الدستورية، محاطاً بقادة حزب الشعب، وعند تشكيل حكومة الرئيس صبري العسلي، تمت مكافئتهم على دورهم في إسقاط حكم الشيشكلي، وأسندت إليهم أربعة حقائب وزارية، كانت على الشكل التالي: وزارة الدفاع (معروف الدواليبي)، وزارة الداخلية (علي بوظو)، وزارة الخارجية (فيضي الأتاسي)، وزارة الأشغال العامة (رشاد جبري).

وزارة فارس الخوري الأخيرة (21 تشرين الأول 1954 – 13 شباط 1955)

كان فارس الخوري، مثله مثل رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي، مؤمناً بضرورة تحقيق وحدة سورية عراقية، وقد دافع عن قادة حزب الشعب عند وقوفهم في وجه الهيمنة المصرية على السياسة الخارجية السورية في منتصف الخمسينيات. كان ذلك في مطلع عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وقد رفض الرئيس الخوري، إدانة العراق على ضلوع حكامه في حلف بغداد المعادي للشيوعية العالمية. وفي حكومة الرئيس الخوري التي شكلت في 21 تشرين الأول 1955، أسند إلى حزب الشعب الحقائب التالية: وزارة الخارجية (فيضي الأتاسي)، وزارة الدفاع (رشاد برمدا)، وزارة المالية (الدكتور رزق الله أنطاكي)، وزارة العدل (علي بوظو).

وقد أجبرت الحكومة على الاستقالة أمام مظاهرات كبيرة قادها حزب البعث أمام مجلس النواب بدمشق، اعتراضاً على رفض رئيسها إدانة رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد خلال مؤتمر رؤساء الحكومات العربية المنعقد في القاهرة.

انتخابات عام 1954

وفي أيلول 1954، جرت أول انتخابات نيابية في سورية بعد زوال حكم العسكر، خاضها حزب الشعب بكل قواه وفاز أعضائه بثلاثين مقعداً من مقاعد مجلس النواب، ما أدى إلى انتخاب ناظم القدسي رئيساً للبرلمان السوري، ممثلاً عن أكبر كتلة نيابية. وقد عُرض على رشدي الكيخيا يومها تولّي رئاسة الحكومة ولكنه رفض، ثم طُلب منه الترشح في انتخابات رئاسة الجمهورية عند انتهاء ولاية الرئيس الأتاسي ولكنه اعتذر قائلاً: “ليس عندي حل وسط، إما أن أكون رئيساً بكل مافي الكلمة من معنى، وسلطتي لا تخضع لهيمنة أحد وسلطة الدستور مستقلة تماماً، وإما فلا. إنّ تدخل العسكر في شؤون البلاد مرفوض عندي.”(10)

وفي هذه الانتخابات، وقف حزب الشعب مع شكري القوتلي ضد المرشح المستقل خالد العظم، وعند فوز القوتلي برئاسة الجمهورية، شارك رئيس مجلس النواب ناظم القدسي في مراسيم تسليم السلطات بينه وبين الرئيس هاشم الأتاسي.

حكومة سعيد الغزي (14 أيلول 1955 – 14 حزيران 1956)

لم يشارك حزب الشعب في حكومة الرئيس سعيد الغزي الأولى التي أشرفت على انتخابات عام 1954 والتي اختصرت على المستقلين غير الحزبيين من التكنوقراط. ولكنه دعي للمشاركة في حكومة الرئيس الغزي الثانية في مطلع عهد الرئيس القوتلي، حيث أسندت إليه الحقائب التالية: وزارة الدفاع (رشاد برمدا)، وزارة الداخلية (علي بوظو)، وزارة المالية (الدكتور عبد الوهاب حومد)، وزارة الاقتصاد (الدكتور ررق الله أنطاكي).

وزارة صبري العسلي الثالثة (14 حزيران 1956 – 31 كانون الأول 1956)

وفي مطلع صيف العام 1956، كُلّف الرئيس صبري العسلي تشكيل حكومة جديدة، شارك فيها حزب الشعب بثلاث حقائب: وزارة الداخلية (أحمد قنبر)، وزارة المعارف (الدكتور عبد الوهاب حومد)، وزارة الزراعة (رشاد جبري). وفي عهد هذه الوزارة، تعرض حزب الشعب لضربة قاسية عند اتهام أحد قادته، وهو الدكتور عدنان الأتاسي، بالضلوع في محاولة انقلاب سمّيت بالمؤامرة العراقية، وكانت بتخطيط وتمويل من الأمير عبد الإله، الوصي على عرش العراق. هدفت المؤامرة إلى تصفية أنصار الرئيس عبد الناصر في سورية، وهما العقيد عبد الحميد السراج (مدير المكتب الثاني) وأكرم الحوراني، أحد قادة حزب البعث الذي كان قد خلف ناظم القدسي في رئاسة البلرمان السوري.

من اليمين: الوزير علي بوظو، الوزير فيضي الأتاسي، الرئيس صبري العسلي، الرئيس معروف الدواليبي.
من اليمين: الوزير علي بوظو، الوزير فيضي الأتاسي، الرئيس صبري العسلي، الرئيس معروف الدواليبي.

أراد قادة الانقلاب فرض تنازلات مؤلمة على الرئيس القوتلي، وأن يطلبوا منه قطع علاقة سورية بالاتحاد السوفيتي والخروج فوراً من المعسكر الشرقي في الحرب الباردة. وقد تم اعتقال عدنان الأتاسي وزملائه وشكّلت لهم محكمة عسكرية، أدانتهم بالخيانة العظمى، مما أثر كثيراً على شعبية حزب الشعب في سورية.

وبعدها، قام الرئيس العسلي بتشكيل حكومة جديدة بتاريخ 31 كانون الأول 1956، اختصر تمثيل حزب الشعب فيها على مقعد وزاري واحد، كان من نصيب هاني السباعي الذي عُيّن وزيراً للمعارف.

الوحدة السورية المصرية سنة 1958

وجد حزب الشعب نفسه مجبراً على تأييد الوحدة السورية المصرية عند قيامها في شباط 1958، على الرغم من قلّة الود بينه وبين الرئيس جمال عبد الناصر. وكان رشدي الكيخيا وناظم القدسي قد اعترضوا على الطريقة التي أقيمت بها الوحدة من قبل العسكريين، عند سفر وفد رفيع منهم إلى مصر دون أخذ موافقة رئيس الجمهورية أو وزير الدفاع.

ولكن حزب الشعب أعتبر أنه أول من طالب بقيام وحدة عربية شاملة، وصوت لصالح الوحدة مع مصر عند عرضها على مجلس النواب في دمشق. كما قبل الحزب بكل شروط الرئيس عبد الناصر، ومنها نقل العاصمة من دمشق إلى القاهرة وحل جميع الأحزاب السياسية في سورية.(11)

قرار حل حزب الشعب سنة 1958.
قرار حل حزب الشعب سنة 1958.

ولكن الحزب لم يشارك في أي منصب رسمي في  الجمهورية العربية المتحدة، باستثناء دخول عبد الوهاب حومد على حكومة الإقليم الشمالي وزيراً للعدلية، بصفته الشخصية لا الحزبية. وبعد قيام الوحدة بأشهر، تعرض الحزب لثاني ضربة عنيفة في تاريخه، عند سقوط الحكم الملكي في العراق في 14 تموز 1958 ومقتل الملك فيصل الثاني والأمير عبد الإله ومعهم رئيس الحكومة نوري السعيد، صديق رشدي الكيخيا وناظم القدسي. هؤلاء كانوا حلفاء قادة حزب الشعب في سورية، وقد أدى مقتلهم إلى طيّ مشروع الوحدة السورية العراقية التي طالما قد نادوا بها منذ سنة 1948.

في مرحلة الانفصال

عاد حزب الشعب إلى صدارة الحياة السياسية بعد وقوع انقلاب الانفصال في 28 أيلول 1961، الذي أطاح بجمهورية الوحدة وبالرئيس جمال عبد الناصر. وقد شارك الحزب في الانتخابات النيابية التي أوصلت الدكتور ناظم القدسي إلى رئاسة الجمهورية في 14 كانون الأول 1961، وبعدها بأسبوع، طلب القدسي من زميله في حزب الشعب، الدكتور معروف الدواليبي تشكيل الحكومة السورية الجديدة.

في حكومة الدواليبي تولّى رئيس الوزراء حقيبة الخارجية بنفسه، وأسند إلى رفاقه في حزب الشعب الحقائب التالية: وزارتي الدفاع والاقتصاد (رشاد برمدا)، وزارة الداخلية (أحمد قنبر)، وزارة الأشغال العامة (محمد الشواف).

ولكن حكومة الدواليبي لم تستمر طويلاً وقد أجبرت على الاستقالة إثر انقلاب عسكري وقع في نهاية شهر آذار من العام 1962، قاده المقدم عبد الكريم النحلاوي ضد رئيس الجمهورية ناظم القدسي. اعترضت قيادة الجيش السوري على انقلاب النحلاوي وتم عقد مؤتمر عسكري في حمص صدرت عنه قرارات نفي عبد الكريم النحلاوي خارج البلاد وعودة ناظم القدسي إلى رئاسة الجمهورية. أمّا معروف الدواليبي، فقد تم تعيينه رئيساً لمجلس النواب.

أسندت رئاسة الحكومة  بعدها إلى الرئيس خالد العظم، الذي شكّل حكومته الخامسة والأخيرة في 17 أيلول 1962، وكانت حصة حزب الشعب فيها مقعدان: وزارة المعارف التي ذهبت لرشاد برمدا، ووزارة الشؤون القروية والبلديات التي تولاها فرحان الجندلي.

نهاية حزب الشعب

في 8 آذار 1963 وقع انقلاب عسكري في دمشق، كان بقيادة مجموعة من الضباط الناصريين، يتقدمهم اللواء زياد الحريري، ومعه أعضاء اللجنة العسكرية لحزب البعث. أطاحوا بالرئيس القدسي وقاموا بسجنه، وصدر عن مجلس قيادة الثورة مرسوم بحل جميع الأحزاب، ومن ضمنها طبعاً حزب الشعب، بتاريخ 11 آذار 1963.

وفي 24 آذار، صدر قرار العزل المدني بحق قادة حزب الشعب، بتهمة المشاركة في “جريمة الانفصال،” وأغلقت جميع مكاتب الحزب بالشمع الأحمر، بعد مصادرة كل ما فيها من وثائق ومحاضر ومستندات. وقد شمل قرار العزل المدني كل من الرئيس ناظم القدسي والرئيس معروف الدواليبي والوزراء رشاد جبري ورشاد برمدا. وحده مؤسس الحزب رشدي الكيخيا استثني من العزل المدني، باعتباره أحد رموز النضال ضد الانتداب الفرنسي. ولكنه سجن بعد ذلك بسنوات بأمر من رئيس الأركان اللواء صلاح جديد، مهندس انقلاب 23 شباط 1966، وبقي في المعتقل حتى وقوع حرب حزيران سنة 1967.  نفي بعدها إلى جزيرة قبرص، حيث توفي سنة 1987، أمّا زميله ناظم القدسي فقد نفي إلى لبنان ومات بعيداً عن وطنه في الأردن سنة 1998.

المصدر
1. باتريك سيل. الصراع على سورية (باللغة الإنكليزية –جامعة أوكسفورد 1965)، 29-302. هاشم عثمان. الأحزاب السياسية في سورية، السرية منها والعلنية (دار رياض نجيب الريّس، بيروت 2001)، 3223. المصدر نفسه، 3354. محمد حرب فرزات. الحياة الحزبية في سورية 1908-1955 (دار الرواد، دمشق 1955)، 224-2265. نذير فنصة. أيام حسني الزعيم: 137 يوم هزت سورية (دار الآفاق الجديدة، دمشق 1983)، 33-346. باتريك سيل. الصراع على سورية (باللغة الإنكليزية –جامعة أوكسفورد 1965)، 78-797. المصدر نفسه، 46-478. المصدر نفسه، 1079. عبد الغني العطري. عبقريات وأعلام (دار البشائر، دمشق 1996)، 8410. مطيع السمان. وطن وعسكر (مكتبة بيسان، بيروت 1995)، 10711. عبد الغني العطري. عبقريات وأعلام (دار البشائر، دمشق 1996)، 85

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !