الشهر: مارس 2023

  • النادي الأدبي النسائي

    نادي أدبي خيري في دمشق، وهو الأقدم بين النوادي النسائية السورية. يعود تاريخه لعام 1920، تم تأسيسه من قبل ماري عجمي، صاحبة مجلّة العروس، وله أهداف ثقافية وخيرية واقتصادية.

    تأسيس وتاريخ النادي

    عام 1920 أسست الأديبة والشاعرة ماري عجمي النادي الأدبي النسائي في دمشق، ووضعت له أهدافاً عدّة، تتمثل في المساهمة بتعليم الفتيات والنساء عن طريق تقديم إعانات ومنح مالية لكافة المراحل الدراسية من الابتدائية وحتى الدراسات العليا إلى جانب تأسيس مكتبة خاصة بهن، وتمكين المرأة من خلال ندوات ثقافية ومحاضرات وورشات عمل وحفلات أدبية وفنية متنوعة، وتشجيع الصناعة الوطنية وتحسين جودتها والتسويق لمنتجاتها.

    تعاقبت على رئاسة النادي العديد من الشخصيات النسائية ذات المكانة العلمية والأدبية والثقافية الكبيرة في سورية، فكانت أول رئيسة له هي أسماء عيد زوجة فارس الخوري والتي شاركت في تأسيسه، ومن ثم تولت رئاسته شخصيات منها سارة مشاقة وأغني شاهين وعطيفة مسوح وسعاد سلوم ومها نصير.

    أنشطة النادي

    في السنوات الأولى نظم النادي محاضرات وأمسيات شعرية كانت تشرف عليها وتلقي معظمها ماري عجمي. وكانت أخبار هذه الفعاليات تنشر في مجلتها العروس وهي كانت بمثابة النافذة التي يطل منها النادي على المجتمع السوري. ومن أهم أحداث النادي في بداية تأسيسه حفل استقبال الأديبة الفلسطينية مي زيادة. كما كانت ماري عجمي تدعو كبار الأدباء والشعراء ورجال العلم للمشاركة في نشاطات النادي، ومنهم الرئيس فارس الخوري، المفكر القومي زكي الأرسوزي، الشاعر أحمد الصافي النجفي، نائب دمشق فخري البارودي، والدكتور قسطنطين زريق، رئيس جامعة بيروت الأميركية. وفي النصف الثاني من القرن العشرين، وبعد وفاة ماري عجمي سنة 1965، استضاف النادي شخصيات فكرية مثل:

    ومن الأنشطة الأخرى التي يقيمها النادي حفلات سنوية دائمة بعيد الأم، وأخرى لتكريم الشعراء والشاعرات والأدباء والأدبيات والشخصيات المميزة. وشارك النادي في عدة مؤتمرات نسائية أقيمت في القاهرة وباريس وغيرها من العواصم، كما أسهم في جمع التبرعات والمعونات لثوار الجزائر، وزيارة المستشفيات في أثناء الثورة السورية الكبرى بالاشتراك مع الاتحاد النسائي السوري الذي انضم إليه النادي عام 1944.

    إلى جانب ذلك، يقدم النادي المساعدات للطالبات الراغبات بإكمال تعليمهن وغير القادرات على ذلك، من الدعم الذي يتلقاه من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، واشتراكات العضوات، والتبرعات، ويساعدهن في البحث عن عمل بعد التخرج. كما يهتم بشكل خاص بالتشجيع على الاهتمام باللغة العربية ودراستها من خلال محاضرات ومسابقات تعنى باللغة والقصة وغيرها من الفنون الأدبية. كما يناصر لحضور المرأة في المجال العام خاصة الأدبي، ومن حملات المناصرة هذه التقدم بطلب لضم صوت نسائي إلى مجمع اللغة العربية وهو ما تحقق عام 1997 بتعيين الدكتورة ليلى الصباغ كأول عضو من النساء في هذه المؤسسة.

    كان مقر النادي عند تأسيسه في حي عرنوس، ثم اتخذ من صالة مقهى قصر البلور أو صالة النادي العائلي سابقاً مكاناً لإقامة محاضراته وحفلاته ونشاطاته الأدبية والفنية والاجتماعية، وحالياً لا مقر محدداً له، ويمكن أن تعقد اجتماعاته في منازل عضواته أو باستضافة إحدى الجمعيات الصديقة.

  • السكّة

    السكّة، الشارع الرئيسي في منطقة المهاجرين الممتدة من طلعة شورى حتى ساحة خورشيد، مروراً بالقصر الجمهوري القديم.  وقد سمّيت بالسكة نسبة لسكة الترامواي التي كانت تمر بها قبل إزالتها في مرحلة الانفصال سنة 1962.

  • سوق السروجية

    السروجية، سوق في الشمال المجاور لقلعة دمشق لم يتغير موقعه من زمن المماليك. كانت تُباع فيه سروج الخيل وبات اليوم مخصصاً للجدليات والأقمشة السميكة من لوازم صناعة الخيام والشوادر.

  • السروجي

    السروجي، محلّة في الشاغور البراني، سمّيت نسبة لجامع السروجي، الذي فيه دُفن الشيخ الوليّ أحمد السروجي (تاريخ وفاته مجهول وقد يكون في عصر المماليك).

  • السراي الكبير

    السراي الكبير، دار الحكومة في ساحة المرجة، شيّد في عهد الوالي العثماني حسن ناظم باشا سنة 1900. يقع مدخل البناء مقابل نهر بردى ويفصل بينهما جادة الحكومة الممتدة من المرجة إلى شارع سعد الله الجابري. وقد ظلّ السراي الكبير مقراً للولاة العثمانيين حتى سقوط الحكم العثماني في دمشق سنة 1918.  دخله الأمير سعيد الجزائري وعيّن نفسه حاكماً على مدينة دمشق في الفترة الانتقالية ما بين انسحاب القوات العثمانية في 26 أيلول 1918 ودخول الحلفاء وجيش الشريف حسين في 1 تشرين الأول 1918.

    بقيت السراي داراً للحكم في عهد الملك فيصل وطوال مرحلة الانتداب الفرنسي وصولاً إلى عهد الاستقلال. ثم بدأ نقل الوزارات من داخلها بشكل تدريجي ابتداء من وزارة الخارجية سنة 1949 ولغاية نقل رئاسة مجلس الوزراء بأكمله إلى بناء حديث خلف ساحة السبع بحرات في منتصف الستينيات. وقد ضعت من يومها دار الحكومة، أو السرايا، تحت تصرف وزارة الداخلية لغاية تفجير الكبير الذي دمّر أجزاء من البناء وجعله غير قابل للاستخدام بعد سنة 2012.

    وقد بني السراي فوق حديقة البلدية القديمة على الضفة الجنوبية من نهر بردى، وكان على الطراز الأوروبي مع مسحة إغريقية. له سقف هرمي يعلو منتصف واجهته دائرة كانت تحوي على الطرة العثمانية (توقيع السلطان عبد الحميد الثاني)، أزيلت في عهد الاستقلال وتم استبدالها بفتحة للتهوية.

  • غابرييل بيو

    غابرييل بيو (1883- 1970) سياسي ودبلوماسي فرنسي، من أبرز المفوضين الساميين الذين عينتتهم فرنسا في سوريا.

    البداية:

    عيّن غابرييل بيو المفوّض السامي لكل من سوريا ولبنان في 1939 خلفاً للمفوض السامي دي مارتيل، حيث تمّ استقباله في بيروت استقبالاً حافلاً بحضور رجالات الدولتين وممثلي بعض الدول الأجنبية، فقام بالاطلاع على مختلف الأمور السياسية  في البلاد و ألمّ بواقع الحال، ثم ألقى خطاباً عن طريق الإذاعة في الحادي عشر من كانون الثاني داعياً الشعب للمحبة والسلام والتآخي مختتماً الخطاب بقوله: “إنّني بصفتي ممثل فرنسا الحر لسعيد بأن أراقب عن كثب وبكلّ اهتمام سير الأمور في سوريا ولبنان على ما يرام تبعاً لقاعدة التطور بما يضمن حرية هذين البلدين العزيزين وتحقيق أماني الأهلين والأصدقاء والمولى سبحانه وتعالى يأخذ بيد كل منا لما فيه الخير والسلام”.

     

    زيارته الأولى إلى سوريا:

    كانت  زيارته الأولى إلى سوريا مختلفة عن زيارات أسلافه، فلم يحتفِ به أحد، بل اتسمت زيارته بقمة البساطة، وذلك بناء على قرار قد أُخذ من ممثلي الكتلة الوطنية الذين تم استبعادهم في عهد سلفه دي مارتيل، وامتدت ردات الفعل السلبية هذه إلى كل من حلب وحماة حيث لم يستقبله في حلب سوى محافظها مصطفى الشهابي دون أي من وجهاء الحي، وتكرر الموقف في حماة ، مما دفعه إلى إنهاء جولته نظراً للاستخفاف الذي لقيه، فأفل عائداً لبيروت.

     

    القرارات التشريعية لغابرييل بيو في دمشق:

    كانت أولى القرارات التي شرعها مسيو بيو في دمشق في 30 آذار 1939 القرار 53 القاضي بعدم تطبيق  القرارين 146 – 60 على المسلمين، واللذين أقرهما المفوض السامي السابق دي مارتيل حيث تضمنا نظام الأحوال الشخصية للطوائف في سوريا ولبنان شاملين المسلمين والمسيحيين على قاعدة المساواة، ومن مقتضاهما إعطاء كل من أدرك سن الرشد وكان متمتعاً بقدراته العقلية حرية الاعتقاد الديني والمذهبي والانتقال من طائفة إلى أخرى وغير ذلك من تعديل له صلة بالمعتقدات الدينية والمعاملات المذهبية، إلا  أن المفوض السامي بيو ولحساسية هذه النواحي قصر العمل بهما على غير المسلمين في كل من سوريا ولبنان .

    اتسمت الأجواء الشعبية في العاصمة بحلول ربيع 1939 بعدم الاستقرار وذلك نتيجة المظاهرات التي تطالب باسترجاع لواء اسكندرونة من جهة واستقالة الحكومة الوطنية من جهة أخرى، والتي تلاها تشكيل حكومة بتوجيه من الأتاسي لكنها لم تصمد نتيجة الفوضى في العاصمة، مما استدعى جيش الانتداب إلى الإشراف على الأمن العام واتخاذ التدابير لحفظ النظام، لكن هذا أثار حفيظة النواب الوطنيين مما اضطر مسيو بيو إلى تأجيل اجتماع مجلس النواب لمدة شهر لعدم قدرتهم على الوصول إلى اتفاق، وقد تكرر هذا التأجيل وانتشر القلق في كل نواحي الحقول السياسية والاقتصادية إلى أن قامت الوزارة  ومن بعدها الحكومة بالاستقالة، فاستدعى ذلك المندوب السامي إلى إصدار قرار مستنداً إلى استقالة رئيس الجمهورية من منصبه متضمناً إيقاف تطبيق الدستور السوري فيما يتعلق بتنظيم السلطة التنفيذية والتشريعية مؤقتاً، وحل مجلس النواب، بالإضافة إلى أن يعهد بتأمين السلطة التنفيذية تحت مراقبة المفوض السامي إلى مجلس يؤلف من مديري المصالح العامة برئاسة أحدهم وزير الداخلية بهيج الخطيب.

    بعد أن أوقف المفوض السامي بيو العمل بالدستور السوري وأنهى الحكم الوطني، نزل عند رأي مندوبه في دمشق ومعاونيه ومعظم المستشارين في الوزارات فقرر في الثامن من تموز 1939 قيام حكومة مديرين في سوريا وعهد برئاستها إلى مدير الداخلية بهيج الخطيب، كما عهد بمديرية العدلية إلى القاضي المعروف خليل رفعة وبمديرية المالية إلى حسني البيطار و بالتعليم والتربية إلى عبد اللطيف الشطي أما بالزراعة إلى يوسف عطا الله، وكلّهم مختص بشؤون مهمته قائم عليها في عهد الوزارة السابقة، وقد عهد إليهم حين تأليف حكومة المديرين بأن يقوم كل منهم بمهام مديريته ومرجعهم جميعاً رئيس الحكومة مدير الداخلية و يتألف منهم مجلس مديرين يقوم مقام مجلس الوزراء.

    إقالة غابرييل بيو:

    كانت الكتلة الوطنية حين نشوب الحرب العالمية الثانية خارج السلطة، ولذلك وجدت في هذه الحرب أملاً في أن ينسى الشعب السوري الأخطاء التي قامت فيها الكتلة سابقاً، وقد كان لإعلان الحلفاء الحرب على ألمانيا تأثير واضح على السيطرة الفرنسية في سوريا ولبنان، حيث أعلنوا الحكم العرفي وأعطوا الضباط الفرنسيين الإذن في السيطرة على كلّ ما يحتاجون إليه فسخرت سيارات الأجرة لأغراض عسكرية ومنعت التجارة بالنفط للاستعمالات اليومية.

    بعد أن تنحّت حكومة فرنسا عن أراضيها نتيجة استيلاء الجيش الألماني عليها بقي المفوض السامي بيو على رأس مهمته في كل من سوريا ولبنان، وموالياً للسلطات الفرنسية القائمة في المستعمرات الفرنسية ولا سيما الجزائر، لكن حكومة فيشي المتأثرة بنفوذ المحتلين الألمان قامت بإقالة بيو في 24 تشرين الثاني 1940 فتوجه مسرعاً إلى الجزائر وقام مقامه في المفوضية الجنرال فوجير.

  • ساحة المرجة

     

    ساحة المرجة
    ساحة المرجة

     

    المرجة، ساحة كبيرة وسط مدينة دمشق، تعرف أيضاً بساحة الشهداء لإعدام مجموعة من الكتاب والسياسيين العرب فيها يوم 6 أيار 1916، بأمر من جمال باشا، قائد الجيش العثماني الرابع في سورية. تقع شرق جادة السنجقدار، بالقرب من منطقة البحصة البرّانية، وقد عُرفت بمبانيها التاريخية مثل السراي الحكومي ودار البلدية وبناء العابد. ومنها كانت نقطة انطلاق ترامواي الشّام ابتداء من يوم تدشينه سنة 1907 ولغاية إزالته عام 1962.

    كانت هذه المحلّة في عهد المماليك منتزهاً يتفرع في وسطه نهر بردى إلى فرعين، ويشكلان بينهما جزيرة غنّاء تحف بها المياه. في منتصف العهد العثماني سمّيت المنطقة باسم “الجزيرة” أو بين النهرين، وبقيت متنزهاً يقصده الناس لغاية عام 1807، يوم قام الوالي العثماني يوسف كنج باشا بتشييد دار الحكم فيها (مكان بناء العابد اليوم). ومنذ ذلك التاريخ بدأت تزداد أهمية المحلّة كموقع للأبنية الحكومية وأطلق عليها بعض الناس اسم “ساحة السراي” بعد افتتاح دار الحكومة الجديد فيها سنة 1900.

    سبب التسمية

    أمر الوالي محمد رشيد باشا بتغطية نهر بردى في هذه المنطقة سنة 1866، فأصبحت فسيحة وصارت تعرف باسم “الميدان الكبير.” وعندما ولّي حسين ناظم باشا على دمشق سنة 1895، أمر بإنشاء دار البلدية وسط الساحة، وبعدها شيّد مبنى البرق والبريد وأقام سجناً في طرفها. وفي 6 أيار 1916، نُفّذت في ساحة المرجة إعدامات شهيرة بحق واحد وعشرين مواطناً من كتاب وشعراء وصحفيين وسياسيين، أدينوا بالعمالة ضد الدولة العثمانية. أطلق على الساحة شعبياً اسم “ساحة الشهداء” ولقّب منفذ الإعدامات بجمال باشا “السفّاح.” كان ذلك أثناء الحرب العالمية الأولى، وبعد تحرير البلاد من الحكم العثماني سنة 1918، باتت المحلّة تعرف رسمياً باسم “ساحة الشهداء.” أما اسم “ساحة المرجة،” فقد أطلقه العوام على المحلّة نطراً لكثرة الأشجار والمروج الخضراء والبساتين المحيطة بها قبل بدء العمار في مرحلة متقدمة من الحكم العثماني. وتجدر الإشارة إلى الالتباس الحاصل بينها وبين منطقة “المرج الأخضر” الواقعة بالقرب من ساحة الأمويين اليوم (أرض معرض دمشق الدولي سابقاً).

    عمود المرجة

    يقع وسط الساحة منذ سنة 1907 نصباً تذكارياً لتدشين الاتصالات البرقية بين إسطنبول والمدينة المنوّرة عبر مدينة دمشق، يتكوّن من قاعدة بازلتية وعمود منحوت من البرونز تلتف حوله “أسلاك البرق.” وفي أعلاه قاعدة مربعة تحوي أربعة صنابير لمياه الشرب وفي قمة العمود قاعدة مربعة أخرى تحمل نموذجاً مصغراً لمسجد سراي يلدز في إسطنبول، الذي يلقب أيضاً بالجامع الأزرق. تزامن رفع النصب – المعروف اليوم بعمود المرجة – مع إطلاق الخط الحديدي الحجازي من محطة الحجاز المجاورة لمنطقة المرجة ودخول الكهرباء مدينة دمشق مع إطلاق أولى خطوط الترامواي من الساحة سنة 1907.

    الأحداث التي شهدتها الساحة

    الترامواي يمر بساحة المرجة.
    الترامواي يمر بساحة المرجة.

    المعالم العمرانية بين الماضي والحاضر

    ساحة المرجة في الستينيات.
    ساحة المرجة في الستينيات.

    زينو المرجة

    أطلق أهل الشّام أهزوجة شعبية احتفالاً بشهداء ساحة المرجة، وكان مطلعها: “زينوا المرجة.. والمرجة لينا.. شامنا فرجة وهي مزييّنا.” تطورت الأهزوجة في سبعينيات القرن العشرين، بعد أن وضع الفنان دريد لحام كلمات متممة لها، ويقول الكاتب سامي مروان مبيّض أن أساسها يعود إلى سنة 1926 وليس عام 1916، وبأنها أطلقت بشكل عفوي عند إحضار القوات الفرنسية جثمان الشهيد أحمد مريود لعرضه أمام الناس وإرهابهم في ساحة المرجة. خرج الدمشقيين لتحيته ورشّوا أرض المرجة بماء الزهر وردّدوا عند جثمان الشهيد: زينوا المرجة.

    ساحة المرجة اليوم
    ساحة المرجة اليوم

    نوادر عن ساحة المرجة

    ومن القصص التي يتمالح بها الناس قول أحدهم: “كنت نايم وشايف المرجة مزروعة بطيخ،” كناية عن الشيء الغريب الذي لا يراه المرء إلّا في المنام، ولكنها حدثت في نهايات القرن التاسع عشر، عندما حاول قائد الجندرمة مصطفى آغا زرع المرجة فعلاً بالبطيخ. ومما يدعم هذه المقولة أن أرض المرجة “بجّاجة،” أي تنضح بالماء وبها ملوحة، فهي بالتالي صالحة لزراعة البطيخ.

     

  • محمد الماغوط

    محمد بن أحمد عيسى الماغوط (19 شباط 1934 – 3 نيسان 2006)، أديب وشاعر سوري من مدينة السلمية، احترف الأدب السياسي الساخر ويُعد من أشهر الكتّاب العرب في النصف الثاني من القرن العشرين. ساهم مساهمة كبيرة في صناعة المسرح السياسي المعاصر في الوطن العربي من خلال تعاونه مع الفنان دريد لحام، وكتب معه مسرحية ضيعة تشرين سنة 1974 وغربة 1976 سنة وكاسك يا وطن عام 1979 وصولاً لمسرحية شقائق النعمان، آخر أعمالهما المشتركة سنة 1987.

    البداية

    ولد محمد الماغوط بريف مدينة السلمية التابعة لمحافظة حماة، وكان والده فلاحاً بسيطاً يعمل بالأجرة لدى الآخرين. عاش مع عائلته حالة من الفقر الشديد ودرس في الكتّاب ثم في المدرسة الزراعية في السلمية. انتقل بعدها إلى دمشق ليدرس في ثانوية خرابو بالغوطة، وقام والده بإرسال كتاب إلى الثانوية يطلب منهم الرأفة بابنه لضيق حالهم، فقامت الإدارة بتعليق الرسالة على أحد جدران المدرسة، مما دفعه إلى للهروب من المدرسة في دمشق والعودة إلى السلمية.

    يتحدث الماغوط عن هذه المرحلة من حياته قائلاً: “أنا كنت حبّ القرآن كتير. أخذت الشهادة الابتدائية وبعدين دخلت بدّي كَفِّي أدرس زراعة، الحقيقة أنا دخلت زراعة لأنو داخلي، وبالداخلي بكون الأكل مجاني، نحن كنّا فقراء. بعدين اكتشفت إنو ما هدفي مكافحة الحشرات الزراعية فلجأت إلى مكافحة الحشرات البشرية.”

    انتسابه إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي

    بعد عودته إلى السلمية، عمل الماغوط في الزراعة وبدأت بوادر موهبته الشعرية تتفتح ونشر أولى قصائده في مجلّة الآداب  البيروتية تحت اسم “الدكتور محمد الماغوط.” انتسب في هذه المرحلة من حياته إلى الحزب القومي السوري الاجتماعي دون أن يقرأ أدبيات أنطون سعادة، وعندما سألوه عن السبب أجاب: “في ذلك الوقت كان هناك حزبان كبيران في سورية، حزب البعث الحزب القومي السوري الاجتماعي. كان مقر حزب البعث بعيداً عن بيتنا وطريقه مليء بالوحل والكلاب التي تعوي، بينما الحزب القومي السوري الاجتماعي كان الأقرب إلينا وفيه مدفأة لذلك انتسبت إليه، بالإضافة أن مسؤول حزب البعث حينها كان سامي الجندي وهو ملاكم وأنا أكره العضلات وأخافها.”

    تبقى قضية انتساب الماغوط للحزب السوري القومي الاجتماعي مثار جدل بين القوميين وخصومهم، حتى أن الكاتب القومي جان داية ألف كتاباً أسماه محمد الماغوط وصوبيا الحزب القومي نشرت فيه صور الماغوط مؤدياً التحية الحزبية. وقال داية لو كانت “نهفة” المدفأة صحيحة لما كان من مبرر للماغوط لنشر مقال كامل عن حياته الحزبية، مشيراً إلى عشرات القصائد النثرية والمقالات العقائدية والسياسية الممهورة بتوقيع الماغوط، معتبراً أن “نهفة المدفأة” جاءت من منطلق أدبه الخيالي الساخر.

    سنوات لاعتقال 1955-1963

    اعتقل الماغوط عدة مرات في حياته وكان الأولى في نيسان 1955 يوم اتهام القوميين السوريين باغتيال العقيد عدنان المالكي. شنت أجهزة المخابرات السورية حملة اعتقالات واسعة في سورية، شملت كل أعضاء الحزب، وفي سجن المزة تعرف الماغوط على الشاعر أدونيس، المعتقل في المهجع الخامس، وقاما بإبداع مسرحيات معاً حتى أنهم شاركوا السجانين وجعلوا منهم ممثلين.

    وكان الاعتقال الثاني أيام الوحدة مع مصر بسبب مقالاته المناهضة للرئيس جمال عبد الناصر في جريدة صدى العام. تعرف يومها على الكاتب والصحفي إلياس مسوح، ثم خرجا معاً من السجن في ذات اليوم وقصدا دمشق، ولم تمضِ على خروجهم إلا أياماً حتى طُلبا مجدداً فهربا معاً إلى لبنان.

    اختبأ الماغوط في غرفة صغيرة، لا يعرف مكانها إلا زوجته سنية وصديقه الأديب زكريا تامر، وقد كتب عنها لاحقاً ووصفها في مسرحية العصفور الأحدب. تتحدث سنية صالح عن مرحلة الملاحقة الأمنية لزوجها قائلة:

    كان هذا الشاعر يرتعد هلعاً إثر كل انقلاب مرّ على الوطن، وفي إحدى هذه الانقلابات خرجت أبحث عنه وكان في ضائقة وقد تجره تلك الضائقة إلى السجن أو إلى ما هو أمرّ منه. ساعدني انتقاله إلى غرفة جديدة في إخفائه عن الأنظار. غرفة صغيرة ذات سقف واطئ حشرت حشراً في إحدى المباني بحيث كان على من يعبر عتبتها أن ينحني.. ينحني وكأنه يعبر بوابة ذلك الزمان.

    اعتقل في بيروت مطلع العام 1962، إثر المحاولة الانقلابية الفاشلة التي نفذها الحزب السوري القومي على الرئيس اللبناني فؤاد شهاب. وعند إطلاق سراحه عاد إلى سورية ليتم اعتقاله من قبل يوم وصول حزب البعث إلى السلطة في 8 آذار 1963.

    أنتجت فترات سجنه المتعددة عن مذكرات كتبها متأثراً بما قرأه لجبران و المنفلوطي ومصطفى صادق الرافعي. وقد هربت هذه المذكرات خارج السجن من خلال إخفائها بثيابه الداخلية بعد أن كتبها على لفائف سجائر بافرا. عندما سألوه عن تجربته السجن أجاب الماغوط:

    عندما دخلت السجن أحسست أن شيئاً ما داخلي قد تحطم، وأن كل ما كتبته من مسرح وسينما وشعر بعدها هي ترميم لما كسره السجن في داخلي، السجن كالشجرة له جذور. يروي أحد ذكرياته قي السجن، عندما أحضروا مذياعاً إلى السجن، فكانت المفارقة أن أول أغنية صدحت منه وهم يجربوه (يا ظالم الك يوم).

    وعلى الرغم من الشرخ الذي خلفه السجن في نفسه إلا أنه استطاع أن يميز جيداً بين السجن والسجّان، وعى أن السجن كنظام متكامل يختلف عن السجّان الذي ما هو إلا موظف في هذا المكان، لذلك يذكر أنه عندما خرج من السجن التقى بسجانه الذي افتتح محلاً للحلويات قريباً من بيته، عندما شاهده سأله: “هل كنت سجاناً في سجن المزة؟” أجابه: “نعم، وأنه عبد مأمور ومجرد موظف فيه،” فلم يشعر بحاجته للانتقام من سجانه، بل أصبح صديقاً له واستمر يشتري الحلويات منه.

    كان الماغوط يركز دوماً على فكرة الخوف الذي انتباه كلّما دخل السجن يقول: “الخوف لا يشرح، لا يفسر، كما الله.” وكان يعد أن الخوف هو أساس إبداعه، وعنده احتياطي منه لا ينضب: “ولدت مذعوراً وسأموت مذعوراً.”

    المرحلة الصحفية

    بعد حرب تشرين سنة 1973 ساهم محمد الماغوط في تأسيس جريدة تشرين الحكومية وعمل فيها لسنوات طويلة، كما عُيّن رئيساً لتحرير مجلّة الشرطة الحكومية. وعن تجربته في مجلّة الشرطة، قال: “من كثرة خوفي من الشرطة، تم تعيني رئيس تحرير مجلّة الشرطة، ومع ذلك عندما كان يدخل الشرطي محضراً لي فنان قهوتي، أضرب له تحية.”

    الماغوط ودمشق

    عرف محمد الماغوط بتردده اليومي على مقهى الهافانا في زقاق الصخر ومقهى الروضة في شارع العابد. اعتبرت هذه الأماكن منزلاً ثانياً للماغوط، وفيه كتب معظم أدبه في السبعينيات والثمانينيات. وكانت علاقته بمدينة دمشق علاقة فيها من التناقض الكثير، فبقدر ما أحبها حتى أنه أسمى ابنته “شام،” بقدر ما قست عليه هذه المدينة، فقال عنها: “الشّام أحببتها كثيراً، أسميت ابنتي شام، إلا أن الشّام تأخذ ولا تعطي، لا تعطي أبداً. إحساسي بدمشق منذ أن شاهدتها لأول مرة، وعشت فيها، اخترقتني كما رمح، لكن في مكان غير مميت.”

    الماغوط في دمشق
    محمد الماغوط

    الماغوط وبيروت

    وكانت بيروت ملاذاً أمناً للماغوط كلما اشتدت به المصائب بدمشق، وفيها تعرف على الشاعر يوسف الخال بواسطة أدونيس، وصار ينشر قصائده في مجلّة شعر حتى سنة 1961 عندما تم ملاحقة أعضائها وسجنهم. وفي حديثه عن بيروت يقول الماغوط:” بيروت أحبتني حباً غير طبيعي، وأعطتني عطاء غير طبيعي” وتروي زوجته حادثة لقائه بأسرة مجلة شعر:

    قبل ذلك كان محمد الماغوط غريباً ووحيداً في بيروت، وعندما قدمه أدونيس في إحدى اجتماعات مجلة شعر المكتظة بالوافدين، وقرأ له بعض نتاجه الجديد الغريب بصوت رخيم، دون أن يُعلن عن اسمه، ترك المستمعين يتخبطون من هذا؟ هل هذا الشعر لبودلير، أم لرامبو ولكن أدونيس لم يلبث أن أشار إلى شاب مجهول غير أنيق أشعث الشعر، وقال: هو الشاعر. لا شك إن تلك المفاجأة قد أدهشتهم، وانقلب فضولهم إلى تمتمات خفيفة. أما هو وكنت أراقبه بصمت فقد ارتبك واشتد لمعان عينيه.

    يتحدث أدونيس عن هذا اللقاء قائلاً:

    عادةً الناس لا تقرأ نص الشاعر، بل تقرأ الشاعر بحد ذاته، يقرأون انتمائه وأديولوجيته وسياسته، لذلك بداية هم يقرأون اسم الشاعر قبل أن يقروأ شعره، ولذلك بالمرحلة الأولى حبيت أن أجرب، لذلك لم أقل اسم الكاتب، لأعرف الانطباع العفوي والبريء بصرف النظر عن أي خلفية لدى القارئين والمستعمين، وطبعاً كان جميع الذين استعموا للنصوص التي قرأتها مندهشين ومعجبين جداً، وأعتقد لو أنني قلت اسم الكاتب وأنه شاب أتٍ من سوريا، وفي بداية حياته الشعرية، كانت ردة الفعل ستتغير.

    الماغوط وقصيدة النثر

    شخصية محمد الماغوط كانت دوماً متمردة، ترفض التنميط، وقد ظهر ذلك جليّاً خلال تمرده على الوزن والقافية في القصيدة التقليدية. أثار ما كتبه الماغوط من شعر لغطاً كبيراً في عصره، فمنهم من صنفه بأنه شعر ومنه من أنكره لأنه خرج عن قواعد الوزن والقافية. أجاب هو عن هذا اللغط: “أنا لا أرتكز فيما أكتب إلى شيء…إلا على الكرسي والطاولة…لا أرتكز على طراز أو مدرسة شعرية، ولا أرتكز على أي ناقد.”

    يقول الشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد عن محمد الماغوط: ” لا أنكر أن يكون ما كتبه محمد الماغوط شعراً، وشعراً حياً تماماً، كيف ننكر على الماغوط ما كتبه، وقد اتهم أهل الشعر وواضعي أسسه بأن القرآن شعر، وأعترف مندهشاً بمحمد الماغوط وأن ما يكتبه شعر وشعر عالي.”

    تعاونه مع دريد لحام

    في سنة 1974 انطلقت مرحلة جديدة في حياة محمد الماغوط عند تعاونه مع الثنائي الشهير دريد لحام ونهاد قلعي في مسرحية ضيعة تشرين. كتب الماغوط نص المسرحية وحضر الرئيس حافظ الأسد افتتاحها بدمشق، وكانت أحداثها تدور حول أوضاع سورية في زمن الانقلابات العسكرية، مروراً بهزيمة عام 1967 وحرب تشرين عام 1973.

    حققت مسرحية ضيعة تشرين نجاحاً باهراً وعرضت في عدة مدن عربية، وتلاها سنة 1976 مسرحية غربة التي حضرها الرئيس الأسد مجدداً بصحبة الملك حسين بن طلال. وفي سنة 1979 كانت مسرحية “على نخبك يا وطني،” من تأليف محمد الماغوط ودريد لحام التي كان افتتاحها في مهرجان قرطاج الدولي في تونس. وعند انتقال المسرحية إلى سورية عدّل عنوانها إلى كاسك يا وطن.

    انتقل تعاون الماغوط ودريد لحام من خشية المسرح إلى التلفزيون في مسلسلات وين الغلط ووادي المسك، ثم إلى السينما من خلال فيلمي الحدود (1984) والتقرير (1986). حقق فيلم الحدود نجاحاً جماهيرياً كاسحاً وكان عرضه في القاهرة بداية كسر الحصار العربي المفروض على مصر منذ اتفاقية كامب ديفيد، كما حاز على جائزة مهرجان فالينسيا السينمائي في إسبانيا عام 1984. وفي سنة 1987 كان آخر تعاون بينهما في مسرحية شقائق النعمان، بطولة دريد لحام ويوسف حنا، والتي لم تحقق نفس نجاح المسرحيات السابقة، علماً أنها كانت عبارة عن تتمة لمسرحية ضيعة تشرين.

    حصل خلاف كبير بين دريد لحام والماغوط، بعد تنصّل الأخير من نص مسرحية شقائق النعمان، ولكن سرعان ما أجريت مصالحة بينهما وتحدث دريد عن الماغوط قائلاً:

    محمد الماغوط أنا أعتبره خزان فرح، وخزان وجع، خزان ألم وأمل بنفس الوقت، وبسبب شاعرية كلمته بخليك غصباً عنك تكون شريكه بكل هدول، بقولوا إنه بالمحبة بتُوْسَع المطارح، بتصير المطارح أوسع، مشان هيك قلب الماغوط واسع الوطن كله بكل فرحه وبكل حزنه. تجربتي معه كانت تجربه كتير غنيّة، طبعاً جاءت فترة اختلفنا أنا وإياه بس حتى لما اختلفنا بالرأي ظل حبيبي، وظل صديقي، وظلّ بالنسبة إلي الشاعر الأهم، والكاتب الأهم.

    وقد حاول الماغوط كتابة مسرحية جديدة سنة 1999، بعد فك شراكته من دريد لحام، جاءت بعنوان خارج السرب وكانت من بطولة الفنان جهاد سعد ولكنها لم تحقق النجاح المطلوب.

    وفاته

    توفي الماغوط إثر جلطة دماغية يوم الاثنين 3 نيسان 2006، وقد أُطلق اسمه على مدرسة حكومية في مدينة حمص، وعلى قاعة محاضرات في جمعية العاديات في السلمية، تكريماً له ولمسيرته الأدبية.

    أعماله

    الجوائز

    حياته الشخصية

    تزوج من الشاعرة سنية صالح له منها ابنتان، الدكتورة شام وسلافة الماغوط المتخرجة من كلية الفنون الجميلة بدمشق. وقد قال في بناته: “بحبهم كتير، هدول أظافري يلي بواجه فيهم العالم”. توفيت سنية عام 1985 بعد صراع طويل مع مرض السرطان، كانت وفاتها الضربة الأصعب في حياة الماغوط، حيث تدهورت صحته ودخل بحالة اكتئاب شديد، حتى أنه كان يتحدى تعليمات الأطباء الذين نصحوه بالابتعاد عن التدخين وشرب الكحول. يقول عن هذه المرحلة: ” عاملت جسدي طيلة سنوات كخصم، تواطأت عليه، ومارست بحقه شتى أنواع القمع والإرهاب، والآن صار ينتقم مني، تحولت إلى كائن كحولي نتيجة حالة كآبة طويلة، عالمي ويسكي ودخان وحزن.”

    الدراسات عن حياته

    صدرت عدة دراسات عن حياة محمد الماغوط وأدبه، ومنها:

     

     

  • غادة السمّان

    غادة بنت أحمد السمّان (1942)، أديبة وشاعرة سورية من دمشق ومن أشهر الأديبات العربيات في النصف الثاني من القرن العشرين. كسرت القواعد الأدبية في كتاباتها وتمردت على عادات وتقاليد المجتمع الدمشقي وأنتجت أدباً أكثر عمقاً وجرأة من أدب الحركات النسوية في عصرها. ومن أشهر روايتها كانت كوابس بيروت وبيروت 75، وكلاهما صدر في أثناء الحرب الأهلية اللبنانية.

    البداية

    ولدت غادة السمّان في دمشق وهي بنت أسرة دمشقية معروفة. وكان والدها الدكتور أحمد السمّان رئيساً لجامعة دمشق في مطلع الستينيات ووالدتها الأديبة سلمى رويحة التي توفيت عندما كانت غادة طفلة صغيرة. وهذا ما عزز علاقتها بوالدها الذي تأثرت به كثيراً وكان له الدور الأكبر في تشكل شخصيتها وانطلاق مسيرتها الأدبية. وقد تحدثت عن هذه العلاقة بالقول:

    دمغني حنان أبي وتعلمت عبره أي كنز عطاء دافئ بالمحبة يختزنه الرجل العربي، وذلك حماني في دعوتي لتحرير المرأة من معاداة الرجل، فقد تعامل بإيجابية حنان الأم مع أخطائي الفادحة في مراهقتي ومع أبجديتي، ولأن أبي كان يصطحبني منذ رحيل أمي وتعلمي المشي إلى أي مكان يرتاده بهرتني مجالسة الكبار المفكرين والأدباء والعلماء من أصدقائه أساتذة الجامعات مثله وأرغمني على النضج مبكراً لمجاراتهم.

    درست في المدرسة الفرنسية (الليسيه) ثم في المدارس الحكومية، وعندما أنهت المرحلة الثانوية خالفت رغبة والدها بدراسة الطب البشري ودرست الأدب الإنجليزي في جامعة دمشق. وعند تخرجها سنة 1962 انتقلت إلى لبنان لنيل شهادة الماجستير من الجامعة الأمريكية في بيروت – تخصص مسرح اللامعقول – وتوجهت بعدها إلى مصر وحصلت شهادة الدكتوراه من جامعة القاهرة.

    مغادرة دمشق

    عملت غادة السمّان مدرّسة لغة إنجليزية بدمشق وتعرضت للاعتقال سنة 1966، بسبب مغادرتها البلاد دون تصريح من السلطات الرسمية وهي على رأس عملها، وقد كان ذلك محظوراً على جملة الشهادات العليا. بقيت في سجنها مدة ثلاثة أشهر، وتحدثت لاحقاً عن هذه الحادثة بالقول:

    لأمعن اعترافاً لم أغادر دمشق وأرحل لمجرد أنني ولدت وفي فمي بطاقة سفر، أو لمجرد رغبتي في متابعة دراسة الماجستير في الجامعة الأمريكية في بيروت، قبلها تشاجرت مع دمشق شجاراً كبيراً كما هي الحال في شجار العشاق، وكانت المحصلة الحكم عليّ بالسجن لثلاثة أشهر بقانون رجعي المفعول ولذنب أفخر به وهو عشق الرحيل، وباللغة الرسمية: لأنني من حملة الشهادات العالية وغادرت بلدي دونما إذن مسبق.

    كما وصفت علاقتها بدمشق قائلة:

    لن أضجر من الاعتراف منذ ربع قرن وأكثر: دمشق مسقط قلبي. مدينة دمغتني بكل ذكرى عشتها فيها، وعلمتني دروساً وأنا طفلة حتى مطلع العشرينيات من عمري حين ودعتها وغادرتها بعد شجار مجنون من شجارات العشاق ولم أعد بعدها أبداً، افترقنا وبقيت تقيم في قلبي بأزقتها القديمة وطقوسها اللامنسية وأحن إلى بيت جدي في زقاق الياسمين خلف الجامع الأموي، ولعل بابه العتيق لن يتعرف عليّ إذا عدت اليوم وقرعته.

    ووصفت علاقتها بمنزل أسرتها في ساحة النجمة بالقول: “منذ ألف عام كنت أروح جيةً وذهاباً على شرفة بيتي في ساحة النجمة الدمشقية واليوم بعدما هدموا المبنى مازال شبحي يروج ويجيء على شرفة معلقة في الفضاء وسأظل دائما عاشقة في دمشق لا تفلح قيمة في التخلص منه.”

    صدر عفو رئاسي عام 1970، شمل غادة السمّان إلا أنها في حينها كانت قد تزوجت من الناشر بشير الداعوق واستقرت معه في بيروت.

    علاقتها ببيروت

    تكونت علاقة خاصة بينها وبين مدينة بيروت التي كانت مركزاً لانطلاقتها الأدبية نحو العالمية. وقد وصفت هذه العلاقة قائلة: “أعترف بلا حرج أن مدينتين تسبحان في دورتي الدموية هما دمشق وبيروت … ولن أنسى يوماً كيف احتضنني لبنان بكل كرم الحنان والعطاء في الشدة… ودلل حرفي وأطلقه للقارئ العربي” كان لبنان هو البلد الأول الذي احتفى بغادة السمّان وفيه نالت أولى جوائزها الأدبية، وهي جائزة الإبداع من رئيس الجمهورية اللبنانية إلياس سركيس سنة 1978، وذلك عن مجموعتها القصصية رحيل المرافئ القديمة.

    نكسة حزيران

    كتبت نقداً واضحاً وصارخاً في الحكام العرب إثر هزيمة عام 1967 التي كانت بمثابة صدمة كبيرة لغادة السمّان وكل مثقفي جيلها. كتبت يومها مقالها الشهير “أحمل عاري إلى لندن،” وكانت من القلائل الذين حذروا من استخدام مصطلح “النكسة” الذي ورد في خطاب الرئيس جمال عبد الناصر معتبرة أن ما حدث لم يكن “انتكاسة” بل “هزيمة شنيعة لطخت جبين العرب كلهم.”

    حياتها العاطفية

    عرفت غادة السمان بعلاقتها العاطفية المتشعبة، وكانت أولها مع الأديب والشاعر اللبناني أُنسي الحاج الذي وقع في حبها وتبادل معها الرسائل. لكن قصة حبهما لم تدم طويلاً، خاصة بعد انتقالها إلى القاهرة حيث تعرفت على الكاتب الفلسطيني الكبير غسان كنفاني وأحبته. وعندما سئل أنسي الحاج عن غادة، أجاب بكلمات موجزة: “غادة السمّان زهرة أكثر غرابة. هي تمثل يد التكوين أحياناً.” وفي سنة 2016 قامت غادة بنشر رسائل أُنسي الحاج إليها، وهو ما أحدث ضجة كبيرة في الأوساط الأدبية، ولكنها لم تُرفق الكتاب بالرسائل التي كانت قد أرسلتها له، وقالت إنها لم تعثر على رسائلها وربما تكون احترقت.

    العلاقة مع غسان كنفاني

    تعرفت غادة على غسان كنفاني ونشأت بينهما علاقة حب سرية تبادلا خلالها الرسائل الغرامية التي قامت بنشرها أيضاً سنة 1992، بعد عشرين سنة من مقتل كنفاني على يد الموساد الإسرائيلي. وعندما وجهت لها انتقادات بسبب نشر تلك الرسائل التي لا تخلو من الخصوصية، قالت إنهما كانا متفقين على نشر الرسائل بعد موت أحدهما.

    اعتبر البعض أن نشر غادة لهذه الرسائل هي انتهاك لخصوصية غسان كنفاني وإهانة له كرمز للنضال الفلسطيني، فجاء ردها: “غسان كان ينشر رسائله لي على صفحات الصحف ويقوم بقراءتها على الأصدقاء معلناً حبه، وبالتالي أنا لم أبح بسر، ثم إنني توهمت أن خطوتي هذه ستشجع سواي على سد النقص العربي في حق أدب المراسلات والاعتراف. سأتابع نشر رسائل المبدعين الراحلين ليّ، وليكن ما يكون، ثمة حروف جميلة في الأدب العربي لا يحق لأحد إحراقها أو حذف كلمة منها.”

    موقف بشير الداعوق

    وكان زوجها الناشر بشير الداعوق قد أيد نشرها للرسائل المتبادلة مع غسان كنفاني، وتحدثت عن موقفه الشجاع قائلة: “دعم زوجي الحبيب لن أنساه، فحين قررت إصدار رسائل غسان كنفاني أصدرها عن دار نشره العريقة وطنياً، دار الطليعة. قام بخطوة استثنائية تشهد تأييده لولادة أدب الاعتراف العربي والمراسلات كأمر عادي، واحترامه للمرأة الكاتبة وعملها. فالراحل بشير الداعوق اسم كبير لا يمكن الحديث عن أدبي دون ذكر فضله عليه.” وفي المقابل، وقفت غادة السمّان مع زوجها وهو يصارع مرض السرطان، لتبرهن أن المرأة الكاتبة المبدعة يمكن أيضاً أن تكون زوجة وفية.

    مع بليغ حمدي

    وفي أحد مطاعم العاصمة البريطانية لندن تعرفت غادة على الملحن المصري الكبير بليغ حمدي، وكانت يومها في قمّة شبابها وأنوثتها، إضافة إلى شخصيتها الجذابة وطبيعتها البسيطة المتحررة من عُقد المرأة الشرقية. ولدت قصّة حب بينهما، بدأت تظهر للعلن عندما كشف عنها بليغ في حوار أجرته معه مجلّة الحسناء اللبنانية: “أحبها من سنتين. بنتخانق دايماً واحنا الاثنين مجانين وهي أديبة عربية ذكية وحساسة فنانة سمراء قصيرة عمرها 25 سنة.” ثم أضاف: “تمر بنا الساعات ونحن نتحدث فأشعر بأن الزمن قد ألغى وجوده، حديثها عسل وسكر.” وجاء في مجلّة الموعد اللبنانية خبراً مفاده: “غادة السمّان تهدى الملحن المصري بليغ حمدي أحدث ديوان للشاعر الكبير نزار قباني بعنوان قصائد متوحشة وبليغ يختار منه قصيدة “أحبك جداً ليلحنها.”

    بدأت غادة السمّان تخطط للزواج من بليغ حمدي، بعد أن فقد الأمل من ارتباطه بالمطربة وردة الجزائرية. يروي الإعلامي المصري مفيد فوزي كيف اتصلت به غادة وأعلمته أنها في طريقها إلى القاهرة كي تتزوج، ولم تفصح عن اسم العريس. ولما التقاها بالقاهرة أعلمته أنها ستتزوج بليغ حمدي، حيث كتبت مجلّة الشبكة اللبنانية خبراً بعنوان “غادة السمّان تتزوج بليغ حمدي.”

    كما قال المخرج المصري جميل المغازي، أحد أصدقاء بليغ حمدي المقربين: “غادة السمّان كانت متحمسة للزواج من بليغ وجاءت إلى القاهرة لتتعرف بأسرته أقامت في بيته لأيام بصحبة شقيقته صفيّة، ثم فوجئت أن بليغ تركها في شقته وسافر فجأة إلى باريس دون أن يخبرها.” اختفى بليغ من حياة غادة السمّان فجأة، تماماً كما كان قد ظهر فجأة، لكن الحقيقة كانت أن بليغ حمدي علِم بطلاق حبه الأول وردة وعودتها إلى القاهرة فعاد لها ولكنّه لم ينس غادة السمّان، وقد غادر القاهرة في ليلة عرسه إلى لبنان للقائها وتبرير موقفه.

    منشورات غادة السمّان

    بالتعاون مع زوجها بشير الداعوق أسست في بيروت داراً للنشر باسم منشورات غادة السمّان سنة 1977 الذي أعاد نشر معظم كتبها السابقة وجمع مقالاتها الصحفية في سلسة أطلقت عليها عنوان “الأعمال غير الكاملة.”

    مؤلفاتها

    الجوائز

    • جائزة الإبداع من رئيس الجمهورية اللبنانية إلياس سركيس سنة 1978.
    • جائزة جامعة تكساس للكتاب المترجم، عن ترجمة رواية بيروت 75.
    • جائزة “أندلوسيا” لأفضل كتاب مترجم.
  • نهاد قلعي

    نهاد قلعي
    نهاد قلعي

    نهاد بن محمد رفقي حقي قلعي (1928 – 19 تشرين الأول 1993) ممثل ومخرج ومؤلف درامي سوري وأحد مؤسسي التلفزيون السوري، شكّل ثنائي فني مع دريد لحام سنة 1960 استمر لغاية عام 1976، اشتهر فيه بشخصية “حسني البورظان” التي أداها في عدد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية والمسرحية. وهو صانع عدّة شخصيات درامية شهيرة مثل “فطوم حيص بيص” و”بدري أبو كلبشة” و”أبو عنتر،” التي ظهرت مجتمعة للمرة الأولى في المسلسل الكوميدي صح النوم سنة 1971. يُعد نهاد قلعي أحد أعمدة الدراما السورية ومن صنّاع الكوميديا في الوطن العربي، ومن أشهر أعماله تأليفاً وتمثيلاً مسلسل مقالب غوار سنة 1966 ومسلسل حمام الهنا سنة 1968 ومسلسل صح النوم سنة 1971.

    البدايات

    ولد نهاد قلعي في مدينة زحلة اللبنانية (واسمه الكامل نهاد قلعي الخربوطلي)،حيث كان والده يعمل رئيساً لمصلحة البرق والبريد. عاد إلى دمشق مع أسرته في ثلاثينيات القرن العشرين وأقاموا في جادة شورى في منطقة المهاجرين، ثم انتقلوا إلى جادة الشطّا القريبة. انتسب إلى مدرسة البخاري، حيث تعلّم فن الخطابة والإلقاء. وفي حفلة نهاية السنة الدراسية، ألقى قصيدة في إطار تمثيلي بحضور الفنان توفيق العطري، وهو من رواد المسرح في سورية، فأعجب به واقترب منه وقال: “ستكون فناناً” وقد ظلّت هذه القصيدة عزيزة على قلب نهاد، وقام بإدخالها على أحد مشاهد تمثيلية ملح وسكر المتممة لمسلسل صح النوم سنة 1973.

    انتقل بعدها نهاد قلعي إلى مدرسة التجهيز الأولى (ثانوية جودت الهاشمي اليوم)، حيث صادق أستاذ مادة الرسم الفنان عبد الوهاب أبو سعود، وهو أيضاً من الجيل المؤسس في المسرح السوري، والفنان الشاب وصفي المالح، الذي أعطاه دور صغير في مسرحية مجنون ليلى لأمير الشعراء أحمد شوقي، التي كانت تُعرض على مسرح الهبرا في حيّ القصّاع. إضافة للدراسة والتمثيل، عمل مراقباً في معمل المعكرونة بحيّ الميدان، ثم ضارباً على الآلة الكاتبة في جامعة دمشق، فموظفاً في وزارة الدفاع ومساعداً لمخلص جمركي.

    طريق الفن

    انتسب نهاد قلعي إلى نادي “أستوديو البرق الفني” في مبنى العابد وسط ساحة المرجة، مطلع عام 1946. وفيه قدمت مسرحية “جيشنا السوري” احتفالاً بجلاء القوات الفرنسية عن سورية في 17 نيسان 1946. كان لنهاد قلعي دور متواضع فيها، ولكن السلطات اعتقلت بطل المسرحية حسن ستّي، فاضطر نهاد لأن يلعب دوره عشية العرض الأول، في دار سينما عائدة في ساحة الحجاز.

    انتقل بعدها إلى النادي الشرقي سنة 1954، الذي شارك نهاد في تأسيسه مع المخرج الشاب خلدون المالح (مخرج معظم أعماله التلفزيونية اللاحقة مع دريد لحام). فيه قدم أول دور كوميدي له على خشبة مسرح مدرسة اللاييك، قبل المشاركة في العروض الفنية على مسرح معرض دمشق الدولي.

    مشهد من مسرحية ثمن الحرية.
    مشهد من مسرحية ثمن الحرية.

    وفي زمن الوحدة مع مصر، توجه نهاد قلعي إلى القاهرة لتقديم مسرحية “ثمن الحرية” على مسرح الأزبكية في شباط 1959. كانت مسرحية أجنبية لإمانويل روبلزس، وقد عربها الدكتور زهير براقي ونقل أحداثها من فنزويلا إلى أرض الجزائر الثائرة ضد الفرنسيين، وأدخل عليها حوارات عميقة عن القومية العربية.

    عُرضت هذه المسرحية في القاهرة لمدة ثلاثة أسابيع، وكانت باللغة العربية الفصحى، وقد أثنى عليها عميد المسرح المصري يوسف بك وهبي. عاد نهاد إلى دمشق بعدها حيث كلفته وزارة الثقافة بتأسيس المسرح القومي وإدارته، ليكون مسرحاً رسمياً مدعوماً من حكومة الجمهورية العربية المتحدة. ومنه انتقل إلى التلفزيون العربي السوري عند تأسيسه سنة 1960، في الذكرى الثامنة لقيام ثورة 23 تموز في مصر.

    شخصية حسني البورظان

    كان مقر التلفزيون السوري في قمّة جبل قاسيون، وكان يبث في دمشق وحلب فقط ومدة البث لا تتجاوز الساعتين في اليوم الواحد. دُعي للمشاركة في برنامج الإجازة السعيدة مع الفنان الشاب دريد لحام، الذي كان معيداً في جامعة دمشق يومها ومدرساً في وزارة المعارف. التقى مع دريد بواسطة مدير التلفزيون صباح قباني، ولم يكن يدور في ذهنه أنهما سيشكلان أشهر ثنائي فني عرفه الوطن العربي.

    نهاد قلعي ودريد لحام في الإجازة السعيدة سنة 1960.
    نهاد قلعي ودريد لحام في الإجازة السعيدة سنة 1960.

    بعد الإجازة السعيدة قدّما برنامج “سهرة دمشق،” وانضم إليهما الفنان رفيق سبيعي بشخصيته الشهيرة أبو صياح. كان الانسجام الفني بينه وبيد دريد كبيراً، وكان مبنياً على الفكاهة الدمشقية لا على التركيب الفيزيولوجي بين رجل بدين ورجل نحيل، ولا علاقة للثنائي الأمريكي لوريل وهاردي بولادة ثنائي “دريد ونهاد.”

    لاقت “سهرة دمشق” جماهيرية واسعة، وكانت تأليفاً مشتركاً بين دريد ونهاد. كان اسمه في هذا العمل “حسني،” وذات مرة كان يتحدث على الهاتف في مشهد تمثيلي يُبثّ على الهواء مباشرة، فنسي الحوار. تداركاً للموقف ارتجل نهاد حواراً وقال: “أنا حسني… حسني مين؟” وفي تلك اللحظة لمح خلف الكواليس أحد أفراد الفرقة الموسيقية يحمل بورظاناً فقال: “حسني البورظان.” أعجب الجمهور بهذا الاسم التي اخترعته المصادفة، وظلّ مرافقاً نهاد قلعي حتى الممات.

    المرحلة اللبنانية 1961-1963

    وفي سنة 1961 قدّما مسرحية عقد اللولو على مسرح نادي الضباط بدمشق، التي كانت من تأليف دريد وسيناريو نهاد. وعند عرضها في بحمدون نالت المسرحية استحسان الجمهور اللبناني وتم التعاقد مع دريد ونهاد لتقديم  سلسة حلقات كوميدية على القناة 11، سمّيت أنا وهو (وهي اليوم تعرف باسم فقاقيع)، مع مشاركة بعض الفنانين من سورية ومنهم رفيق سبيعي وملك سكر وطلحت حمدي.

    وبعدها جاء مسلسل مقالب غوار الشهير، الذي كان إنتاجاً لبنانياً سنة 1966، وهو من بطولة دريد ونهاد ورفيق سبيعي، وبسبب نجاحه الكبير تم إنتاج نسخة سورية منه. وفي نفس السنة تم تحويل مسرحية عقد اللولو إلى فيلم سينمائي من إنتاج تحسين القوادري وبطولة دريد ونهاد والفنانة اللبنانية صباح والمطرب السوري فهد بلان.  ومنه انطلق الثنائي للمشاركة في عدة أفلام مصرية ولبنانية، مع صباح وشادية ونبيلة عبيد وسمير غانم وكمال الشناوي وغيرهم من النجوم الكبار، إضافة إلى تجربة يتيمة ومنسية مع المخرج العالمي يوسف شاهين والفنانة فاتن حمامة في فيلم رمال من ذهب سنة 1971.

    مسلسل صح النوم

    بعد نجاح مقالب غوار بنسختيه اللبنانية والسورية، شارك الثنائي في مسلسل حمام الهنا سنة 1967، وهو من إخراج المخرج العراقي فيصل الياسري وإنتاج التلفزيون السوري. ولكن النجاح الأكبر الذي أوصلهم إلى النجومية المطلقة كان مسلسل صح النوم، الذي أنتج سنة 1971 وكان له الفضل، بحسب رأي النقّاد، في تخليد كل من شارك فيه من نجوم. كان هذا العمل من تأليف نهاد وقد ظهرت فيه شخصيات شهيرة مثل “أبو عنتر” الذي لعب دوره الفنان ناجي جبر و”أبو كلبشة” الذي جسده الفنان عبد اللطيف فتحي و”فطوم حيص بيص” محبوبة حسني البورظان وغوار الطوشة، التي لعبت دورها الفنانة نجاح حفيظ. وقد أنتج منه جزءً ثانياً سنة ليكون أول مسلسل عربي ذي جزأين، ومعها تمثيلية متممة بعنوان ملح وسكر عُرضت سنة 1973 وفيلماً سينمائياً حمل نفس الاسم عام 1976.

    مشهد من فيلم صح النوم.
    مشهد من فيلم صح النوم.

    مسرحيات دريد ونهاد

    وكان لنهاد قلعي حضور لافت مع دريد لحام في مسرحية جيرك (التي تُعرف اليوم باسم مسرح الشوك) سنة 1968، وقد جاءت بانتقادات لاذعة للحكام العرب بعد هزيمة حرب حزيران سنة 1967. وكان صلاح جديد، مهندس انقلاب البعث الثاني، يريد اعتقال دريد ونهاد بسبب ما وصف بتطاولهما في هذا العرض، ولكن تدخّلاً من وزير الدفاع حافظ الأسد، منعه من ذلك. وقبل مسرح الشوك كانت مسرحية مساعد المختار سنة 1965 ثم مسرحية “قضية وحرامية” سنة 1973 التي عُرضت في بيروت مع الفنان فيلمون وهبي، تلتها مسرحية ضيعة تشرين سنة 1974، والتب حققت نجاحاً كبيراً في دول الخليج العربي وحضر افتتاحها بدمشق الرئيس حافظ الأسد. وأخيراً كانت مسرحية غربة سنة 1976، وقد سقط مريضاً خلالها، وظل متشائماً منها حتى وفاته. ويذكر أن نهاد لم يشارك في كتابة ضيعة تشرين وغربة، وكانتا من تأليف دريد لحام والشاعر محمد الماغوط.

    نهاد قلعي ودريد لحام، أو حسني البورظان وغوار الطوشة.
    نهاد قلعي ودريد لحام، أو حسني البورظان وغوار الطوشة.

    حادثة التعدي عليه ومرضه

    في منتصف العام 1976، ذهب نهاد قلعي إلى مطعم نادي دمشق العائلي، وكان برفقة الصحفي اللبناني جورج إبراهيم الخوري. طلب الضيف اللبناني نوعاً معيّناً من السجائر، فنادى نهاد على النادل وطلب منه إحضار التبغ المطلوب. لم يُلبّ النادل الطلب، فزعل نهاد ووبخه، وإذ برجل يجلس على طاولة مجاورة ينادي بصوت عالٍ غليظ: “بورظان بدك سيجارة؟ تعال خود من عندي.” وكلمة “بورظان” كانت نسبة لشخصية حسني البورظان الشهيرة.

    رد نهاد بغضب: “أنا ما بدي من حدا سيجارة… بعدين أنا مالي اسم معروف تناديني فيه؟”

    كان الرجل مخموراً وفاقداً لرشده، فحمل الكرسي وضربه به على رأسه. تختلف الأقاويل عن هوية المعتدي، فالبعض يقول إنه كان ضابطاً في سرايا الدفاع، وآخرون يقولون إنه كان من أهالي صيدنايا. في حديث نهاد قلعي مع مجلّة اليقظة في آذار 1983، تذكر هذه الحادثة الأليمة قائلاً: “كان سكران مثلي، لكن الفرق أنه كان بلا أدب.” وعندما سأله الصحفي هاني الحاج عن سبب الهجوم، أجاب: “لأني شتمته وقلت له: إلي اسم يا حمار.”

    نُقل نهاد قلعي إلى المستشفى، وقيل إن جرحه كان بسيطاً، فقام بإسقاط حقه في تلك الليلة. وفي اليوم الثاني، زار الطبيب محمد الشامي ليكشف عن جرحه، فطلب الأخير أن يضعه تحت البنج لمعالجة الجرح، ولكنه رفض قائلاً: “ما فيني أتبنج…عندي عرض مسرحية غربة المسا.”

    أدى هذا الأمر إلى حدوث جلطة لدى نهاد قلعي، وهو على خشبة المسرح. استغرب الفنانون تأخره بالحوار على المسرح، والثقل الواضح في لسانه وحركته. وفي الكواليس، تعب نهاد وتم توقيف العرض مع طلب حضور طبيب من الجمهور لمعاينته. وعندما تبين له أنه تعرض لجلطة، خرج الفنان أسامة الروماني على الصالة والجمهور، وقال إن العرض أُلغي بسبب تعرض نهاد قلعي لوعكة صحية. ثم قال للجمهور إن بإمكانهم استرداد ثمن بطاقة شباك التذاكر، ولكن جميعهم رفضوا.

    عولج لاحقاً في دمشق ولندن وتشيكوسلوفاكيا، حيث تم إرساله بأمر من الرئيس حافظ الأسد. وعندما تبين أن حالته مستقرة، أمر الرئيس الأسد بإعادته إلى وظيفته مخرجاً في المسرح القومي، وصار يكتب في مجلّة سامر اللبنانية المخصصة للأطفال، سلسلة كارتونية من بطولة “عمو حسني” وقد ظلّ يعمل مع مجلّة سامر حتى نهاية الثمانينيات، مع خمس محاولات للعودة إلى التمثيل.

    محاولات العودة

    كانت الأولى عند تصوير مسرحية غربة التي خلفه في دور “أبو ريشة” فيها الفنان القدير تيسير السعدي. ولكن، وعند التصوير للعرض التلفزيوني في عمّان، قرر نهاد قلعي تأدية الدور بنفسه، على الرغم من مرضه الثقيل. وهو يظهر بالنسخة المصورة من غربة مشلولاً في يده، ولكنه وفي ختام العرض وعند ظهوره الأخير على المسرح، تمكن من رفع يده المريضة لمشاركة الناس في تصفيقهم.

    والمحاولة الثانية كانت في فيلم عندما تغيب الزوجات سنة 1980 مع زميله دريد لحام، حيث تم الاتفاق على مرضه بإظهار شخصيته وكأنها مكسورة اليد.

    وكانت محاولة أخرى مع دريد في المسلسل الإذاعي كل يوم حكاية، وهو من تأليف نهاد وأحمد قنوع، وبطولة دريد ونهاد مع مشاركة رمزية من رفيق سبيعي. بث هذا العمل في منتصف الثمانينات عبر أثير إذاعة دمشق، وبقي مفقوداً حتى العثور عليه وإعادة من قبل قناة دريد لحام الرسمية على يوتيوب سنة 2023.

    وفي سنة 1990، ظهر نهاد قلعي على الشاشة للمرة الأخيرة مع دريد لحام في برنامج وثائقي بعنوان مشوار دريد ونهاد كان من إنتاج تحسين القوادري ومشاركة مع رفاق دربهما المشترك: رفيق سبيعي وزياد مولوي (أبطال مقالب غوار وحمام الهنا) وفهد بلان، بطل فيلم عقد اللولو. ولكنه هذه العمل لم يكتمل ولم ينجز منه إلا ثلاث حلقات.

    دريد ونهاد في برنامج "مشوار دريد ونهاد."
    دريد ونهاد في برنامج “مشوار دريد ونهاد.”

    وكان لنهاد محاولة يتيمة منفرداً  في مسلسل عريس الهنا الذي كان من بطولته وتأليفه، والذي عُرض على شاشة التلفزيون السوري سنة 1984.

    الأعمال المسرحية

    الأعمال التلفزيونية

    الأعمال السينمائية

    الوفاة

    توفي نهاد قلعي عن عمر ناهز 65 عاماً في 19 تشرين الأول 1993. وقد منحه الرئيس بشار الأسد وسام الاستحقاق سنة 2008 خلال فعاليات دمشق عاصمة ثقافة عربية. وصدر طابع بريد تذكاري يحمل صورته، كما قامت محافظة دمشق بالتعاون مع جمعية أصدقاء دمشق بإطلاق اسمه على شارع منزله في المهاجرين.

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !