سليم بن عزت قطاية (1924 – 23 تموز 1963)، مخرج سورية من حلب وأحد مؤسسي التلفزيون العربي السوري سنة 1960. أخرج أول عمل درامي على الشاشة السورية، ولحقه بأعمال عدة كان أشهرها برنامج ساعي البريد قبل تعرضه لذبحة قلبية أدت إلى وفاته، وذلك في أعقاب دخول العسكريين إلى مبنى التلفزيون يوم انقلاب جاسم علوان في 18 تموز 1963.
البداية
ولد سليم قطاية في حي قسطل حرامي بمدينة حلب، وهو من عائلة تشتهر بالطب الشعبي. درس بمدرسة اللايك والتحق بعدها بمدرسة التمريض وكان رياضياً مولعاً بكرة القدم في شبابه وعضواً في الحزب السوري القومي الاجتماعي.
بين المسرح والإذاعة
انضم سليم قطاية إلى بعثة الطبية التي ذهبت الى مصر لمكافحة الكوليرا، وفي سنة 1948 أسس مع رفاقه فرقة فنية وقدموا مسرحية “ربيب الشارع” التي كان من تأليفه. شارك مع نادي العربي للتمثيل في أوبريت “العذاب” للشاعر عمر أبو ريشة، وانتسب إلى إذاعة حلب سنة 1949 وقدم برنامج ساعي البريد المختص بحل مشاكل المستمعين. ثم جاء برنامج “لكل مثل قصة،” وفي زمن الوحدة مع مصر ألف فرقة الفنون الشعبية في حلب مع مجموعة من الأصدقاء، منهم الفنان عمر حجو والفنانة ثناء دبسي وشقيقتها ثراء دبسي، وقدموا معاً مسرحية “عرس في قريتنا.”
في التلفزيون السوري
قررت حكومة الجمهورية العربية المتحدة تأسيس قناة تلفزيونية في القاهرة ودمشق وعُين الدكتور صباح قباني أولاً مديراً للتلفزيون السوري سنة 1960. تعاقد مع المواهب الشابة و أوفد سليم قطاية إلى برلين للتخصص في الإخراج. وعند إطلاق البث في 23 تموز 1960 قدم سليم قطاية أول سهرة تلفزيونية بعنوان الغريب بطولة الفنان بسام لطفي، وكانت أحداثها تدور حول الثورة الجزائرية. جاء بعدها تمثيلية “خالتي أم سالم” المقتبس من حكايات خالته فعلاً، ومن ثم أعيد عمل ساعي البريد الإذاعي لصالح التلفزيون، وكان من تأليفه وإخراجه. حقق هذا البرنامج نجاحاً كبيراً ودعي قطاية إلى القصر الجمهورية حيث كرّم من قبل الرئيس ناظم القدسي سنة 1962.
الوفاة
في مطلع عهد البعث سنة 1963، طلب إلى المخرجين السوريين الذهاب إلى قلعة دمشق لتسجيل وتوثيق الإعدامات الميدانية بحق المعارضين للدولة الاشتراكية. كان قطاية من بينهم وقد أرهقه جداً منظر الإعدامات وأثر على معنوياته وشعوره المرهف، وفي 18 تموز 1963، تعرض لذبحة صدرية يوم اقتحم الجنود مبنى التلفزيون في أعقاب انقلاب جاسم علوان على النظام البعثي. نقله الفنان محمود جبر إلى المنزل، ليفارق الحياة في 23 تموز 1963.
التكريم
أقام الفنان رفيق سبيعي حفل خاص يعود ريعه لأسرة سليم قطاية، وأطلق التلفزيون السوري اسمه على الاستوديو رقم 2 تكريماً لمسيرته الفنية. كما وضع مجسم جانبي له على مدخل مبنى الاذاعة والتلفزيون في ساحة الأمويين.
الملك فيصل الأول (20 أيار 1883 – 8 أيلول 1933)، أو الشريف فيصل بن الحسين الهاشمي، ثالث أبناء الشريف حسين بن علي وأحد قادة الثورة العربية الكبرى ضد الدولة العثمانية سنة 1916. انتُخب نائباً في مجلس المبعوثان سنة 1912 ودخل دمشق فاتحاً محرراً في 3 تشرين الأول 1918، وفيها شكّل حكومة عربية باسم أبيه قبل تنصيبه ملكاً على المملكة السورية من 8 آذار 1920 ولغاية سقوطها في أعقاب معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920. نُفي خارج الأراضي السورية في 1 آب 1920 وتنقل بين فلسطينوإيطالياوبريطانيا، ثم عيّن ملكاً على العراق في 23 آب 1921 وحكمه حتى وفاته في العاصمة السويسرية برن سنة 1933.
عاد الأمير إلى دمشق سنة 1916 وتوسط لدى جمال باشا للعفو عن نخبة من الوجهاء العرب الذين اعتقلوا بتهمة التخابر مع فرنسا لقلب نظام الحكم العثماني. لم تنجح مساعيه وبعد محاكمة سريعة أمام الديوان الحربي في عاليه، أُعدم المعتقلين العرب شنقاً في ساحة المرجة بدمشق وساحة الشهداء في بيروت يوم 6 أيار 1916. وهنا قال الأمير فيصل كلمته الشهيرة: “طاب الموتُ يا عرب.”
مراسلات حسين – مكماهون
في هذه الأثناء، كان الشريف حسين قد تواصل مع السير هنري مكماهون، المفوض السامي البريطاني في مصر، بهدف القيام بثورة عسكرية من الصحراء العربية ضد العثمانيين، مقابل تنصيبه ملكاً على الحجاز، جعل أولاده ملوكاً في سورية والعراق. أولى المراسلات بين الشريف حسينومكماهون كانت في تموز 1915 وآخرها كانت في آذار 1916. ضمن الإنكليز عرش وراثي للشريف حسين في الحجاز، ولأبنائه عبد الله وفيصل في سورية والعراق. بقيت هذه المراسلات سريّة حتى سنة 1923، بوم نشرت مقتطفات منها في صحيفة الديلي ميل البريطانية، لتُنشر كاملة من قبل الإنكليز سنة 1939، بعد ثماني سنوات من وفاة الشريف حسين.
في أعقاب الانسحاب العثماني كان قد تشكل في دمشق نهاية شهر أيلول 1918 حكومة محلية بقيادة الأمير سعيد الجزائري، ولكن لورانس أمر بإقالتها فور دخوله المدينة في 1 تشرين الأول، قائلاً بأنها لم تأخذ شرعية لا من الشريف حسين أو من الحلفاء. وبعدها بثلاثة أيام دخل فيصل دمشق على رأس موكب مهيب من الفرسان، وخرج أهالي المدينة لاستقباله بالهتافات والأرز. وتوجه بداية إلى ساحة المرجة لقراءة سورة الفاتحة على أرواح شهداء السادس من أيار 1916، ثم دخل دار البلدية المجاور حيث كان جمع من الأعيان في انتظاره.
قدموا له البيعة، وكان من ضمنهم بطريرك الأورثوذكس غريغوريوس حداد، وحاخام اليهود يعقوب الدنون، ومفتي دمشق الشيخ أبو الخير عابدين، الذي أمر فيصل بعزله لأنه كان مسانداً للعثمانيين حتى آخر لحظة، واستبدله بالشيخ عطا الله الكسم. وبايع فيصل يومها جمع من الوجهاء والعلماء، يتقدمهم الشيخ بدر الدين الحسني، المحدث الأكبر في بلاد الشام، ومعه الضباط العرب شكري باشا الأيوبي ورضا باشا الركابي. انتقل فيصل إلى فندق فكتوريا للقاء الجنرال إدموند ألنبي، قائد الجيوش البريطانية في الشرق الأوسط، ودخل بعدها الجامع الأموي لإقامة الصلاة وإعلان تحرير دمشق من الحكم العثماني وإقامة حكومة عربية باسم والده الشريف حسين “ملك العرب،” الذي كان قد نصّب نفسه ملكاً على الحجاز بدعم بريطاني منذ سنة 1916.
لم تستمر إقامة فيصل في دمشق طويلاً وتوجه على رأس وفد سوري إلى باريس لحضور مؤتمر الصلح الذي دعت إليه الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى. وصل مدينة مارسيليا على متن سفينة بريطانية يوم 26 تشرين الثاني 1918، ليكتشف أن الحكومة الفرنسية لا تريد استقاله بصفته حاكماً على سورية، فاتصل بالسفير البريطاني في باريس، اللورد ديربي، الذي تواصل مع الخارجية الفرنسية واستصدر منها دعوة فورية لفيصل لدخول فرنسا وحضور المؤتمر بصفته ممثلاً عن أبيه، لا ممثلاً عن الدولة السورية.
التقى برئيس الجمهورية الفرنسية ريمون بوانكاريه وبرئيس الحكومة جورج كليمنصو، وجال على معالم باريس التاريخية، ثم سافر إلى لندن للقاء الملك جورج الخامس ووزير خارجيته آرثر جيمس بالفور، صاحب وعد بلفور الشهير الصادر سنة 1917. وفي فرنسا، علم فيصل بحقيقة اتفاقية سايكس بيكو، المبرمة سنة 1916 بين الحكومة الفرنسية ونظيرتها البريطانية، التي أعطت سورية ولبنان إلى الفرنسيين، وفلسطين إلى الإنكليز. كان فيصل قد سمع عن هذا الاتفاقية منذ سنة 1916، وذلك قبل نشر نصها الكامل في صحيفة روسية، ولكن البريطانيين قالوا لأبيه بأنها لن تؤثر على وعودهم للشريف حسين. افتتح المؤتمر في 18 كانون الثاني 1919، وفي 6 شباط دعي لإلقاء كلمة أمام الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون والرئيس كليمنصو ورئيس وزراء بريطانيا لويد جورج. جاء فيها:
جئت ممثلاً لوالدي الذي قاد الثورة العربية ضد الترك تلبية منه لرغبة بريطانيا وفرنسا، لأطالب بأن تكون الشعوب الناطقة بالعربية في آسيا من خط الإسكندرونة – ديار بكر حتى المحيط الهندي جنوباً، معترفاً باستقلالها وسيادتها بضمان من عصبة الأمم. ويستثنى من هذا الطلب الحجاز وهي دولة ذات سيادة، وعدن وهي محمية بريطانية. وبعد التحقق من رغبات السكان في تلك المنطقة يمكننا أن نرتب الأمور فيما بيننا، مثل تثبيت الدول القائمة فعلاً في تلك المنطقة، وتعديل الحدود فيما بينها وبين الحجاز، وفيما بينها وبين البريطانيين في عدن، وإنشاء دول جديدة حسب الحاجة وتعيين حدودها. وستتقدم حكومتي في الوقت المناسب بمقترحات تفصيلية في هذه النقاط الصغيرة وإني لأستند في مطلبي هذا على المبادئ التي صرح بها الرئيس ولسون، وأنا واثق من أن الدول الكبرى ستهتم بأجساد الشعوب الناطقة بالعربية وبأرواحها أكثر من اهتمامها بما لها هي نفسها من مصالح مادية.
ردت فرنسا أن هذا الأمر مخالف لاتفاقية سايكس بيكو، وبأن فيصل غير مخول بالتحدث باسم الشعب السوري. لجأ الأمير إلى الرئيس الأمريكي ويلسون، وناشده باسم شعوب العالم الثالث، مذكراً بما جاء في مبادئ ويلسون الأربعة عشر، التي وعدت شعوب المنطقة والعالم بحق تقير المصير، بعد تخلصها من حكم الإمبراطوريات النمساويةوالروسيةوالعثمانية.
لجنة كينغ كراين
وافق ويلسون على أن يستفتي شعوب المنطقة حول مستقبلها السياسي، إن كانت بالفعل ترفض فيام انتداب فرنسي في سورية، وأرسل لجنة مصغرة إلى المنطقة، مؤلفة من أستاذ اللاهوت هنري كينغ والمتمول الأمريكي شارل كراين. جالوا على كل البلدات والمدن السورية، واجتمعوا مع فيصل في قصره الذي أكد على حقه الشرعي بتولي عرش سورية، بناء على مراسلات الحسين – مكماهون من جهة، ومطالب الشعب السوري، ومبادئ الرئيس ويلسون. سمعت لجنة كينغ كراين من فيصل ومن السوريين رفضهم القاطع لإقامة انتداب فرنسي في سورية، ولكنها لم ترفع توصياتها إلى البيت الأبيض إلا بعد مرض الرئيس ويلسون وعجزه عن اتخاذ أي قرار بشأن سورية.
المؤتمر السوري العام
دعا فيصل إلى انتخابات نيابية وفقاً لقانون الانتخاب العثماني، جرت في مناطق سورية الداخلية، أمّا في المناطق الساحلية والجنوبية ونظراً لوجود قوات أجنبية فيها اكتفت الدولة بتوكيل النواب في مناطقهم وحضورهم إلى دمشق للمشاركة في أولى جلسات المؤتمر السوري العام التي عقدت في مقر النادي العربي، بحضور الأمير فيصل. افتتحت الجلسة الأولى في 3 حزيران 1919، وفيها انتُخب هاشم الأتاسي رئيساً للمؤتمر السوري الذي تداول في أمور عدة، منها حقوق المرأة السورية، ودستور سورية الملكي. وفي 8 آذار 1920، قام الرئيس هاشم الأتاسي بتتويج الأمير فيصل ملكاً على سورية.
فيصل والأقليات
سعى الملك فيصل لطمئنة الأقليات، وعيّن القاضي المسيحي يوسف الحكيم وزيراً للعدل، والمحامي المسيحي فارس الخوري وزيراً للمالية، والصحفي الفلسطيني المسيحي عيسى العيسى كاتباً في قصره. وتعاون أيضاً مع أبناء الطائفة الشيعية، وعيّن رستم حيدر مستشاراً سياسياً له، وهو من أبناء مدينة بعلبك، كما مدّ يده إلى الدروز وسمّي سلطان الأطرش مستشاراً له، والأمير عادل أرسلان نائباً للحاكم العسكري.
في 14 تموز 1920، أبرق فيصل إلى المفوض السامي الفرنسي في بيروت، الجنرال هنري غورو، مهنئاً بالذكرى السنوية لثورة الباستيل. وصلته رسالة أولى من غورو تشكره على مشاعره النبيلة، ورسالة ثانية كانت عبارة عن إنذار شديد اللهجة، يطالبه بقبول الانتداب الفرنسي في سورية، وحلّ الجيش السوري، وتسليم سكك الحديد إلى الفرنسيين، ومصادرة الأسلحة من الأهالي، واعتقال كل المتورطين بأعمال شغب ضد فرنسا. أعطي فيصل مهلة محددة لقبول الإنذار، وقد وافق عليها مجبراً، على أمل أن يتمكن من كسب الوقت وإقناع الفرنسيين بتعديل شروط الانتداب. ظنّ بأن خلفائه الإنكليز سيتدخلون لأجله، ولكنهم لم يفعلوا، وأرسل وزير المعارف ساطع الحصري إلى عاليه لمفاوضة الجنرال غورو ولكنه عاد إلى دمشق خالي الوفاض. وبأمر مباشر من الملك بدأ الجيش السوري بحلّ نفسه، وقد اعترض وزير الحربية يوسف العظمة بشدة على هذا القرار واستقال من منصبه. قال العظمة للملك أنه قادر على مواجهة القوات الفرنسية، وبأنه يرفض دخولهم دمشق دون مقاومة من الشعب السوري.
ولكن الجنرال غورو اعتبر أن رسالة قبول الإنذار جائت متأخرة عن الموعد المحدد، وأمر قواته بالزحف باتجاه سورية من سهل البقاع. وهنا قرر فيصل المواجهة وطلب إلى وزير الحربية التراجع عن استقالته واستعادة القطعات العسكرية المسرحة. ثم أسس اللجنة الوطنية العليا للإشراف على جمع التبرعات ودعوة الأهالي للتطوع في الجيش، برئاسة الشيخ كامل القصّاب الذي وعد فيصل بما لا يقل عن 300 متطوع. وفي 5 أيار 1920 كُلف هاشم الأتاسي بتأليف حكومة مواجهة، وعيّن الشيخ رشيد رضا خلفاً له في رئاسة المؤتمر السوري. كان الأتاسي قد انتهى مؤخراً من صياغة دستور سورية الجديد، وقد تفاجأ الملك فيصل بأنه جعل منه ملكاً دستورياً مقيّد الصلاحيات، ولكنه ضمن له الحكم الوراثي ولذريته من بعده.
معركة ميسلون
حصلت المواجهة العسكرية في معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920، وكان تعداد الجيش السوري يومها 850 جندياً، يقودهم الفريق تحسين باشا الفقير. شارك في المعركة 64 جندي مشاة، و60 عسكري من الحرس الملكي، ومعهم 20 ضابط مدفعية، أما بقية المشاركين فكانوا كلهم من المتطوعين. وفي المقابل، كان تعداد الجيش الفرنسي 11 ألف جندياً مقاتلاً، مدعومين بما لا يقل عن 48 مدفع، و14 دبابة، وخمس طائرات حربية. حُسمت معركة ميسلون لصالح الفرنسيين في ساعاتها الأولى، واستشهد وزير الحربية يوسف العظمة الذي نزل إلى الميدان للإشراف على العمليات القتالية.
مغادرة سورية
هرب الملك فيصل إلى بلدة الكسوة القريبة من دمشق، ومعه الرئيس هاشم الأتاسي، ورئيس الديوان الملكي إحسان الجابري، ووزير المعارف ساطع الحصري، ومرافقه العسكري تحسين قدري. من الكسوة انتقلوا إلى مدينة درعا جنوب البلاد، ومنها أصدر الملك آخر مراسيمه في 26 تموز 1920، بتعيين علاء الدين الدروبي رئيساً للحكومة. في اليوم نفسه أسقطت الطائرات الحربية الفرنسية منشورات فوق مدينة درعا، تطالب الأهالي بعدم تقديم أية مساعدة للملك المخلوع، مهددين بشن ضربات عسكرية إن بقي فيصل في ديارهم.
غادر الملك فيصل الأراضي السورية في 1 آب 1920، متوجهاً إلى حيفا حيث نزل في فندق نصّار مع ما تبقى من حاشيته. طلب إلى ساطع الحصري السفر إلى تركيا على أمل المحصول على دعم سياسي أو عسكري من كمال أتاتورك، وإلى مستشاره السياسي نوري السعيد البقاء في دمشق لمفاوضة الفرنسيين. كما كتب رسالة إلى أبيه شارحاً الطريقة المهينة اتي تم فيها إقصائه عن عرش سورية، وطلب إليه مخاطبة الحكومة البريطانية والتوسّل إليها لإعادته إلى دمشق. رد الجنرال إدموند ألنبي بأنه لن يتدخل لأجله وطلب إلى فيصل العودة إلى مملكة الحجاز، ولكن الأخير رفض بشدة وعندما سمع أن رئيس وزراء بريطانيا لويد جورج ينوي الذهاب إلى سويسرا لحضور اجتماع في عصبة الأمم، قرر الالتحاق به وشرح موقفه بشكل شخصي. سافر إلى مصر، ومنها إلى مدينة نابولي الإيطالية، مستدخماً جواز سفر ديبلوماسي قدمه إليه والده من مملكة الحجاز.
وفي 25 آب 1920 انتقل إلى روما وبعدها إلى ميلانو، حيث وصلته رسالة من لندن تقول أن لويد جورج لن يتمكن من مقابلته. طُلب إليه البقاء في إيطاليا حتى إشعاراً آخر، وفي 21 تشرين الأول، أبرق إلى اللورد جورج كرزون، وزير خارجية بريطانيا، مطالباً السماح له بالمجيء إلى لندن لمقابلة الملك جورج الخامس. تدخل لأجله صديقة القديم لورانس، وكتب مجموعة مقالات في الصحف البريطانية واصفاً فيصل بصديق بريطانيا الوفي والقديم، ناصحاً الحكومة البريطانية بعدم التخلي عنه. في 1 تشرين الثاني 1920 وبعد طول انتظار، وصلته دعوة رسمية من قصر بكينغهام، وحدد موعد لقائه بملك بريطانيا. وفي 9 كانون الأول 1920، عُرض عليه رسمياً من قبل الإنكليز فكرة توليه عرش العراق.
ملكاً على العراق
بعد التشاور مع أبيه وشقيقه الأمير الأمير عبد الله (الموعود بعرش العراق بحسب مراسلات الحسين – مكماهون)، وافق فيصل على العرض البريطاني وتوجه إلى العراق على متن الباخرة الحربية البريطانية نورث بروك في 12 حزيران 1921. وصلت سفينته ميناء البصرة يوم 23 حزيران 1921، حيث استقبل استقبالاً رسمياً حافلاً، وسافر بعدها إلى الحلة وزار الكوفةوالنجفوكربلاء، ثم وصل بغداد في 29 حزيران وكان في استقباله السير بيرسي كوكس، المندوب السامي البريطاني في العراق، معه الجنرال هولدن قائد القوات البريطانية، ورئيس الوزراء العراقي عبد الرحمن النقيب. في 16 تموز 1921، أذاع بيرسي كوكس قرار مجلس الوزراء العراقي بمناداة الأمير فيصل ملكاً على العراق في ظلّ حكومة دستورية نيابية، للمرة الثانية في حياته، توّج فيصل ملكاً يوم 23 آب 1921، في ساحة ساعة القشلةببغداد. عقد معاهدة مع بريطانيا سنة 1930، نصّت على استقلال العراق عن التاج البريطاني وإنهاء حالة الانتداب، وفي تشرين الأول 1932، دخلت بلاده في عصبة الأمم.
لحق به عدد كبير من مؤيديه السوريين، مثل ساطع الحصري الذي كلّف بتأليف المناهج العراقية، وصبحي العمري الذي كان أحد مؤسسي الجيش العراقي، بينما بقي تحسين قدري مرافقاً شخصياً للملك وسمّي شقيقه أحمد قدري قتصلاً عاماً في باريس. ظلّ حلم العودة إلى سورية يراوده وفي أيلول 1931، سافر فيصل إلى باريس واقترح على الحكومة الفرنسية استعادة عرش الأسرة الهاشمية في سورية، ضمن وحدة عراقية – سورية تتنقل بموجبها العاصمة كل ستة أشهر بين بغداد ودمشق، مقترحاً أن تكون رئاسة الوزارة لشخصية سورية، ورئاسة البرلمان للعراقيين. لم توافق فرنسا على العرض وفي سنة 1932 أسست النظام الجمهوري في سورية وانتُخب محمد علي العابد أول رئيساً للجمهورية.
كما جمع الصحفي السوري سامي الشمعة أوراق فيصل إلى مؤتمر الصلح ومراسلاته مع الإنكليز، وقام المؤرخ والسياسي العراقي علي علاوي بوضع كتاب مرجعي عن حياة الملك فيصل، صدر عن جامعة ييل الأمريكية سنة 2014. وفي سنة 1996 جسّد الفنان عبد الحكيم قطيفان شخصية الملك فيصل في الجزء الأول من المسلسل السوري أخوة التراب.