ولد فائز الخوري في أسرة مسيحية أصلها من قرية الكفير الواقعة على سفح جبل حرمون. درس القانون في الجامعة الأميركية في بيروت ثمّ في معهد الحقوق في إسطنبول. سيق إلى الخدمة الإلزامية وخدم في جبهة القوقاز قبل أن يُلقى القبض عليه في 10 كانون الثاني 1916 بتهمة الانتماء إلى المنتدى الأدبي ومعارضة الدولة العثمانية. مثل أمام الديوان الحربي في مدينة عاليه، ولكن السلطات العثمانية أطلقت سراحه نظراً لصغر سنه، بوساطة شقيقه الذي كان يومها عضواً في مجلس المبعوثان العثماني.
دستور عام 1928
في مطلع عهد الانتداب الفرنسي، عُيّن فائز الخوري مستشاراً في محكمة النقض ومُدرّساً لمادة القانون الروماني في الجامعة السورية. انتسب إلى الكتلة الوطنية التي كان شقيقه فارس الخوري قد شارك في تأسيسها مع هاشم الأتاسي وفي سنة 1928 فاز بعضوية الجمعية التأسيسية المكلفة بصياغة أول دستور جمهوري في سورية. أسهم فائز الخوري إسهاماً كبيراً في صياغة مواد الدستور، والتي خلت من أي ذكر لنظام الانتداب الفرنسي ولم تنص على حقوق فرنسا في سورية. طالبت سلطة الانتداب بحذف المواد الإشكالية أو تعديلها ولكنّ الخوري ورفاقه رفضوا الاستجابة. صدر حينها قرار من المفوضية الفرنسية العليا بحلّ الجمعية التأسيسية وتعطيل الدستور إلى أجل غير مسمّى، ليُفرض سنة 1930 مع إضافة مادة صريحة حول الانتداب الفرنسي، دون الرجوع إلى المشرعين السوريين.
وزيراً للخارجية 1939-1943
وعندما وصلت الكتلة الوطنية إلى الحكم سنة 1936 انتُخب فائز الخوري نائباً عن دمشق في مجلس النواب، الذي ذهبت رئاسته إلى فارس الخوري. وفي السنة نفسها، انتُخب فائز الخوري نقيباً للمحامين. بعد ثلاث سنوات، سمّي وزيراً للخارجية والمالية في حكومة الرئيس لطفي الحفار يوم 23 شباط 1939، ولكن هذه الوزارة لم تستمر إلّا أسابيع قليلة وعند استقالتها في 5 نيسان 1939 عاد إلى عمله في الجامعة السورية وانتخب عميداً لكلية الحقوق.
بقي الخوري في واشنطن حتى سنة 1952، ولم تطله التسريحات التعسفية التي حصلت في دمشق ي مرحلة الانقلابات العسكرية. عيّنه رئيس الدولة اللواء فوزي سلو سفيراً في لندن سنة 1952، وبقي في منصبه لغاية تشرين الثاني 1956، عندما قطعت العلاقات الدبلوماسية بين سورية وبريطانيا بسبب العدوان الثلاثي على مصر. استُدعي فائز الخوري إلى دمشق واعتزل العمل السياسي عند قيام الوحدة السورية المصرية سنة 1958.
الوفاة
توفي فائز الخوري في دمشق عن عمر ناهز 65 عاماً يوم 27 حزيران 1959، وكتب فارس الخوري في يومياته معلّقاً بحزن: “موت فائز…واأسفاه.”
فارس بن يعقوب الخوري (20 تشرين الثاني 1877 – 2 كانون الثاني 1962)، زعيم وطني سوري وأحد الآباء المؤسسين للدولة السورية الحديثة، كان رئيساً لمجلس النواب في عهد الرئيس هاشم الأتاسي سنة 1936 ثم في عهد الرئيس شكري القوتلي. شكل ثلاث حكومات في عهد القوتلي وحكومة رابعة وأخيرة في عهد الأتاسي سنة 1954.
ولِد فارس الخوري في قرية الكفير على سفح جبل حرمون، ودَرس في مدارسها ثمّ في المدرسة الأميركية في صيدا. اعتنق جده لأبيه المذهب البروتستانتي بدلاً من الأرثوذوكسية المسيحية، وسار فارس الخوري على خطاه طوال حياته. أمّا جدّه لأمه بطرس عقيل الفاخوري، فقد قُتل في فتنة جبل لبنان التي امتدت نيرانها إلى قرى البقاع ودمشق سنة 1860.
وفي عام 1908، قرر فارس الخوري دراسة الحقوق بشكل شخصي ومُعمّق، عبر قراءة كتب القانون ومعاشرة كبار القضاة والمحامين، دون الانتساب إلى أي جامعة أو معهد. وقد برع في هذا المجال وفتح مكتباً للمحاماة مع المحامي أمين زيدان، شقيق الأديب جرجي زيدان. استطاع فارس الخوري أن يُصبح مرجعاً عالمياً في القانون الدولي، ليكون من الآباء المؤسسين لكلية الحقوق في الجامعة السورية، التي ظلّ يُدرّس فيها منذ أن كانت معهداً للحقوق سنة 1919 ولغاية عام 1940. كان يُوقع الشهادات الصادرة عنها مع أنه لا يحمل شهادة في القانون، ومُدّد زمن خدمته في الجامعة، بناء على طلب الطلاب، عِلماً أنه كان قد بلغ سن التقاعد منذ عام 1936.
رفض دخول الجيش السوري في مواجهة عسكرية مع الفرنسيين، وقال لزميله في الحكومة وزير الحربية يوسف العظمة: “هذه مغامرة قد تصيب وقد تفشل، واحتمالات فشلها أكثر بكثير من احتمالات صوابها، فهل يجوز لنا أن نعرض سلامة البلاد للخطر في عملية يائسة من هذا النوع؟” وعند وقوع المعركة في ميسلون يوم 24 تموز 1920، هُزم الجيش السوري الصغير وخلع الملك فيصل عن العرش، فهرب إلى قرية الكسوة بريف دمشق وفُرض الانتداب الفرنسي على سورية. وكان آخر قرار لفيصل قبل مغادرته الأراضي السورية إلى فلسطين تشكيل حكومة جديدة برئاسة علاء الدين الدروبي، سمّي فيها فارس الخوري مجدداً وزيراً للمالية.
عشية احتلال دمشق
دخل المندوب السامي الفرنسي هنري غورو مدينة دمشق مُحتلاً وأقامت له الحكومة السورية حفل استقبال في القصر الملكي في منطقة المهاجرين. امتدح غورو منظر دمشق ثم نظر إلى القاعة وتحدث مع الوزراء بطريقة استفزازية قائلاً: “هذا كان قصر الملك فيصل أليس كذلك؟” صمت الجميع، فأجابه الخوري: “نعم يا عطوفة الجنرال … كان قصراً للملك فيصل وقبله سكنه جمال باشا وناظم باشا. ذهبوا جميعاً دون عودة، وبقينا نحن … وبقي القصر.”
مشروع مياه عين الفيجة
سقطت حكومة الدروبي بعد مقتل رئيسها في 21 آب 1920 وفضّل الخوري عدم المشاركة في الحكومة التي تلتها. عاد إلى عمله في كلية الحقوق ورئاسة نقابة المحامين التي كان قد تَوَلَّاها بداية ذلك العام. وعمل مع صديقه لطفي الحفار، نائب رئيس غرفة تجارة دمشق، على تأسيس مشروع عين الفيجة، لجر مياه الفيجة من وادي بردى إلى العاصمة.
أنشأ الخوري والحفار شركة أهلية مساهمة لتنفيذ المشروع، وعرضوا الفكرة على غرفة تجارة دمشق فتبنتها على الفور. كان هدفها نقل مياه نبع عين الفيجة على أهالي مدينة دمشق وتوزيعها مقابل مبلغ من المال يدفعونه سنوياً عن كميات المياه التي يطلبون الاشتراك بها، شرط أن تكون مرتبطة بالملك، لا يجوز التنازل عنها أو بيعها إلا مع بيع العقار، وتُسجَّل ملكية المياه في الصحيفة العقارية لجميع دور دمشق. تأخر تنفيذ المشروع حتى سنة 1932، بسبب اندلاع الثورة السورية الكبرى، وفي حفل التدشين خطب الخوري قائلاً: “أَجَلْ. إنَّ أمّتنا فقيرة بالمال ولكنّها غنيّة بالإيمان الوطني، ومتى كان للأمّة إيمانها فإنها تكون قادرة على صنع المعجزات.”
ولكن حزب الشعب لم يستمر طويلاً، وحُلّ بعد أسابيع قليلة بسبب دعم قادته للثورة السورية الكبرى التي انطلقت في تموز 1925. هَرب الشهبندر إلى جبل الدروز للمشاركة في الأعمال القتالية، وأُلقي القبض على فارس الخوري يوم 26 آب 1925 بتهمة العمل مع ثوار الغوطة. نُفي إلى سحن أرواد وبقي فيه 76 يوماً، وبعد أشهر من خروجه، اختير ليكون وزيراً للمعارف في حكومة الداماد أحمد نامي يوم 6 أيار 1926. هدفت حكومة الداماد لإرضاء أوسع شريحة ممكنة من السوريين، بعد قصف الفرنسيين للعاصمة دمشق في 18 تشرين الأول 1925، وضمّت عدداً من الشخصيات المحترمة المحسوبة على التيار الوطني، مثل لطفي الحفار، الذي سمّي وزيراً للتجارة، وحسني البرازي، الذي عُيّن وزيراً للداخلية.
وافق الخوري ورفاقه على المشاركة في حكومة الداماد شرط أن توقف فرنسا حملتها العسكرية في غوطة دمشق وتُصدر عفواً عن المُعتقلين والمُبعدين لأسباب سياسية. وطالب باستعادة الحياة النيابية، مع دستور جديد ووعد ملزم من فرنسا بتسهيل انضمام سورية إلى عصبة الأمم. ولكن كل هذه الوعود لم تُنفذ واعتقلت فرنسا الوزراء الوطنيين الثلاثة يوم 12 حزيران 1926 بتهمة التخابر السري مع ثوار الغوطة. نفي الخوري مع رفاقه إلى مدينة الحسكة ثُمَّ إلى لبنان، حيث بقوا قيد الإقامة الجبرية حتى عام 1928.
تأسيس الكتلة الوطنية
فور خروجه من المُعتقل انضم فارس الخوري إلى صفوف الكتلة الوطنية التي كان قد أسسها صديقه الرئيس هاشم الأتاسي عام 1927. سعت الكتلة إلى توحيد صفوف الحركة الوطنية ومحاربة الانتداب الفرنسي بطرق سياسية سلمية وقانونية بعيداً عن السلاح، ورأت أن الثورة السورية الكبرى قد فشلت في تحقيق أي من أهدافها. وفي 3-4 تشرين الثاني 1932 عقد الوطنيون مؤتمراً عاماً في مدينة حمص، انتُخب فيه فارس عميداً للكتلة الوطنية. ولكنّه حُرم من المشاركة في أولى معاركها السياسية، يوم ترشح قادتها لعضوية الجمعية التأسيسية المكلفة بصياغة دستور جمهوري للبلاد سنة 1928. وقد جاء الحرمان من قبل سلطة الانتداب لأن الخوري كان ممثلاً عن الأقلية البروتستانتية المسيحية التي لا يستوفي حجمها شروط التمثيل في الهيئات الوطنية المنتخبة.
معمل الإسمنت
في سنة 1930، أسس فارس الخوري مصنعاً للإسمنت في منطقة دمر، كان الهدف منه إيجاد مصادر دخل ثابت للكتلة الوطنية، لتحريرها من الاعتماد على اشتراكات الأعضاء وتبرعاتهم في تمويل نشاطاتها. طلب إلى رفاقه شراء أسهم في معمل الإسمنت، تخصص نصف عائداتها لتمويل مشروعات الكتلة. حُدد رأس مال المعمل بقيمة 144 ألف ليرة عُثمانية ذهبية، وُزّعت على أربعة وعشرين ألف مساهم، كانت حصة الأسد منها لأعضاء الكتلة، وستة آلاف يتيم مُلّكوا أسهماً في المعمل. وبعد عام واحد وصل إنتاج المعمل إلى ثلاثين ألف طن من الإسمنت، ومع نهاية عام 1936 ارتفع الإنتاج إلى خمسة وستين ألف طن وصار معمل الإسمنت يلبي %60 من حاجة السوق المحلية.
الإضراب الستيني
وفي تشرين الثاني 1935 شارك فارس الخوري في جنازة رفيقه في الكتلة إبراهيم هنانو، حيث رفعت شعارات مناهضة للانتداب ومطالبة باستقالة رئيس الجمهورية محمد علي العابد ورئيس حكومته تاج الدين الحسني. حصلت مواجهات دامية في حلب بين شباب الكتلة وقوى الأمن، أدت إلى اعتقال العشرات. وفي كانون الثاني 1936 اعتقل نائب دمشق فخري البارودي وردت الكتلة بإطلاق الإضراب الستيني في كل المدن السورية، احتجاجاً على اعتقال البارودي. نُفي جميل مردم بك إلى بلدة إعزاز على الحدود السورية – التركية وطُرد فارس الخوري من كلية الحقوق في الجامعة السورية لدورهما في الإضراب الستيني، ولم تهدأ الأوضاع حتى توصل هاشم الأتاسي إلى اتفاق مع سلطة الانتداب يقضي بإنهاء الإضراب مقابل إطلاق سراح المعتقلين وسفر وفد من الكتلة إلى فرنسا لمناقشة مستقبل سورية.
معاهدة عام 1936
سافر وفد رفيع من قادة الكتلة الوطنية إلى باريس، برئاسة هاشم الأتاسي وعضوية كل من فارس الخوري وسعد الله الجابريوجميل مردم بك. أدار هؤلاء مفاوضات شاقة مع حكومة الرئيس ليون بلوم، كانت نتيجتها التوقيع على معاهدة في باريس يوم 9 أيلول 1936، تعطي الدولة السورية استقلالاً تدريجياً ومشروطاً بمنح فرنسا حزمة من الامتيازات السياسية والاقتصادية والعسكرية. وافق الخوري ورفاقه على إعطاء فرنسا حق الانتفاع من المطارات السورية والمرافق، في حال نشوب حرب عالمية جديدة في أوروبا، وأعطتهم فرنسا بالمقابل حق إنشاء وزارة للخارجية وأخرى للدفاع، مع توسيع صلاحيات الحكومة السورية وإنهاء استقلالية جبل العلويين وجبل الدروز. وقد وصف فارس الخوري معاهدة عام 1936 بأنها “معجزة القرن العشرين.”
رئيساً لمجلس النواب 1936-1939
عاد وفد الكتلة إلى دمشق واستُقبل استقبالاً حافلاً، وعلى الفور قدّم محمد علي العابد استقالته من رئاسة الجمهورية، فاتحاً الباب أمام إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مُبكرة. شاركت الكتلة الوطنية في هذه الانتخابات على أوسع نطاق وانتخب بموجبها فارس الخوري رئيساً لمجلس النواب. وفي أول جلسة عقدت برئاسته وانتُخب هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية يوم 21 كانون الأول 1936. وعند طرح المعاهدة على المجلس النيابي أقرّت بالإجماع. ولكنّ البرلمان الفرنسي رفض التصديق عليها، خوفاً من تراجع نفوذ فرنسا في الشرق الأوسط، ما وضع الخوري ورفاقه في موقف حرج للغاية. وشُنّت حملة عنيفة ضد المعاهدة، قادها الدكتور عبد الرحمن الشهبندر الذي رأى أن فيها الكثير من التنازلات المجحفة بحق الشعب السوري.
تناوب الخوري مع سعد الله الجابري على رئاسة الوزراء والمجلس النيابي طوال سنوات حكم الرئيس شكري القوتلي، وفي 14 تشرين الأول 1945، سمّي رئيساً للحكومة. شكّل حكومة مُصغرة مؤلفة من أربعة وزراء، تسلّم فيها حقيبتي المعارف والداخلية بنفسه، إضافة طبعاً لرئاسة الحكومة، وعيّن زميله جميل مردم بك وزيراً للخارجية والدفاع والاقتصاد الوطني. وجاء بالدكتور عبد الرحمن كيالي إلى وزارة العدل وكلّف خالد العظم بحقيبة المالية، وهو أحد طلاب الخوري السابقين في كلية الحقوق، وكان قد اختاره قبل سنوات ليكون مديراً لمعمل الإسمنت.
بقي فارس الخوري في الولايات المتحدة طوال حرب فلسطين ولم يعد إلى سورية إلا بعد انتهاء دورة بلاده في مجلس الأمن في 13 كانون الثاني 1949. خرجت وفود شعبية ورسمية لاستقباله بعد طول غياب، كان في مقدمتها رئيس الجمهورية شكري القوتلي، وبعد ثلاثة أيام عاد الخوري لممارسة عمله في المجلس النيابي الذي كان قد أعيد انتخابه رئيساً له في 27 أيلول 1947.
الخوري وحسني الزعيم
وفي 29 آذار 1949 وقع انقلاب عسكري بدمشق، قاده حسني الزعيم ضد الرئيس شكري القوتلي. أمر الزعيم بحلّ جميع الأحزاب وفي 1 نيسان 1949، وأغلق أبواب المجلس النيابي وفرض الأحكام العرفية. حاول النواب عقد جلسة استثنائية في مبنى المجلس ولكنّ رجال الزعيم منعوهم من ذلك فتوجهوا إلى منزل الخوري للاجتماع والتباحث في كيفية التعامل مع قائد الانقلاب. قال لهم الخوري: “لقد اندلعت النيران في البيت، إنّ الواجب والعقل والضمير يفرض علينا أن نتعاون لإخماد النيران أو حصرها قبل أن يشتد لهيبها فتأتي على الأخضر واليابس.”
في الأيام الأولى من الانقلاب زاره الصحفي اللبناني غسان تويني ووصف أمامه الوضع الراهن في سورية بأنه “غير شرعي.” ردّ الخوري بهدوء: “صحيح ولكن الانقلاب نجح. اسأل أباك ما معنى أن ينجح انقلاب!” ذهب فارس الخوري بعدها إلى مستشفى يوسف العظمة العسكري في منطقة المزة، حيث كان الرئيس القوتلي قيد الاعتقال، وقام بوساطة لإقناعه بالاستقالة تجنباً لتفاقم الأزمة الدستورية. وعندما عرض عليه حسني الزعيم تولّي الحكم في عهده، أجابه الخوري: “أنا لا أعمل مع العسكر. سامحك الله، لقد فتحت باباً على سورية من الصعب على التاريخ أن يرده!”
رئيساً للوزراء عام 1954
غاب فارس الخوري عن أي منصب داخل سورية طوال سنوات حكم العسكر، التي بدأت مع حسني الزعيم سنة 1949 وانتهت مع أديب الشيشكلي عام 1954. وكانت حجته الدائمة للابتعاد عن مسرح الأحداث انشغاله في جلسات الأمم المتحدة وفي عضوية لجنة القانون الدولي والجمعية الحقوقية الأمريكية التي كان قد انتُخب عضواً فيها منذ عام 1947.
كانت سورية يومها تعيش حالة استقطاب رهيب بين المعسكرين الغربيوالشرقي، وكان كل طرف يحاول جذب حكّامها الجدد إلى طرفه في الحرب الباردة المشتعلة بين الولايات المتحدةوالاتحاد السوفياتي. رفض الخوري دخول بلاده في حلف بغداد، قيد الطرح يومها والذي كان معادياً للشيوعية، رافعاً شعار “حياد سورية” في النزاعات الدولية والإقليمية.
ولكنّه وفي المقابل رفض إدانة العراق والوقوف في المعسكر المعادي له، الذي كان يقوده الرئيس المصري جمال عبد الناصر. وفي 22 كانون الثاني 1955، توجه الخوري إلى القاهرة لحضور مؤتمر رؤساء الوزراء العرب الذي دعت إليه الحكومة المصرية. حصل خلاف شديد يومها بين الخوري وعبد الناصر عند رفضه بيان المؤتمر الختامي بسبب هجومه على العراق ورئيس وزرائه نوري السعيد، وقال إن سورية لا تقبل أن تُملي عليها مصر سياستها الخارجية.
شنّ حزب البعث حملة عنيفة على فارس الخوري، ورأى أن موقفه الداعم لنوري السعيد يضر بالعلاقات السورية – المصرية. نظّم الحزب مظاهرات حاشدة أمام مبنى البرلمان السوري، طالبت باستقالة حكومة الخوري. فما كان أمام الرئيس إلّا الاستجابة والاستقالة في 7 شباط 1955. وقد بقي في منصبه لغاية تشكيل حكومة جديدة في 13 شباط 1955.
فارس الخوري وعبد الناصر
مع ذلك لم يعترض فارس الخوري على قيام جمهورية الوحدة مع مصر في 22 شباط 1958 ولكنه قال لحفيدته الأديبة كوليت خوري: “الوحدة لا تُسلق!” وكان ذلك في إشارة إلى الطريقة السريعة التي قامت بها الوحدة على يد مجموعة من الضباط السوريين الذين توجهوا إلى مصر للمطالبة بها، دون أي قيد أو شرط، ودون أخذ موافقة رئيس الجمهورية شكري القوتلي أو إعلام وزير الدفاع خالد العظم. اعتزل الخوري الحياة السياسية في زمن الجمهورية العربية المتحدة وعندما وقع انقلاب الانفصال في 28 أيلول 1961، سارع لتأييده عبر نشر بيان في الصحف السورية يوم 6 تشرين الأول 1961. كان فارس الخوري يومها نزيلاً في مستشفى السادات مُقابل قصر الضيافة، وجاء في كلمته:
وأنا هنا على فراش في هذا المستشفى وقد هممت أكثر من مرة بأن أنهض للرد عليه (أي عبد الناصر)، قمت من الفراش لأخطب ولكن أحد المصريين وقد كان في المشفى طلب إليّ أن أصرف النظر عن ذلك، وكان جاداً في كلامه وكنت جاداً في تنفيذ هذه الرغبة. فقلت له: ألست حراً في أن أخطب؟ لن يستطيع أحد أن يمنعني من ذلك!” فقال: أنا هنا للمراقبة وأمنعك منالإتيان بأي حركة لإلقاء خطاب.” فهل رأيتم مثل هذا الحال؟ يقف موظف نكرة ليمنع فارس الخوري من الكلام والتعبير عن رأيه، فأين هي الحرية وهل بلغت الأمور حداً أن تسكتوا شخصاً مثلي؟
بعدها بأيام استقبل فارس الخوري الصحفي البريطاني باتريك سيل في داره، الذي كان يُحضر لكتابه الأول الصراع على سورية. قال له الخوري: “حصلت الوحدة في لحظة طائشة. مع أني لم أُوافق على الطريقة التي تمت بها، ولكني لم أعارضها بشكل علني لأنني ظننت أنها الطريقة الوحيدة المتاحة يومها للتخلص من التمادي الشيوعي في سورية.”
بعد أيام من وفاته، نُشرت حلقات من مُذكّراته في مجلّة المضحك المبكي، وقدّم لها رئيس التحرير حبيب كحالة قائلاً: “إذا كانت قيمة المُذكّرات السياسيّة تُقاس بقيمة أصحابها فإن مُذكّرات المغفور له أستاذنا الكبير فارس الخوري تُعد أثمن مُذكّرات في البلاد العربية.” وبعد سنوات طويلة جمعت حفيدته كوليت خوري أوراقه في كتاب صدر الجزء الأول منه سنة 1989 والثاني عام 1997 والثالث سنة 2015.
أطلقت الحكومة السورية اسم فارس الخوري على شارع كبير وسط مدينة دمشق وصدرت عنه عدّة دراسات وأبحاث، أشهرها كتاب فارس الخوري: حياته وعصره للدكتور جورج حداد، أستاذ التاريخ في الجامعة السورية وحنّا خبّاز، صديق الخوري منذ أيام الدراسة. صدر هذا الكتاب سنة 1952 وأعيدت طباعته في عام 2014، أمّا الكتاب الثاني، فارس الخوري وأيام لا تنسى، فقد صدر في بيروت سنة 1965 وكان من تأليف محمّد الفرحاني.
أسرة فارس الخوري
تزوج فارس الخوري من السيدة الفلسطينية أسماء عيد، التي لعبت دوراً بارزاً في حياته السياسية والأسرية، وله منها ابن واحد هو النائب والوزير سهيل الخوري. وقد تزوج الخوري من شقيقة الصحفي حبيب كحالة وهو والد الأديبة السورية كوليت خوري
المناصب
وزيراً للمالية (1 تشرين الأول 1918 – 6 أيلول 1920)
وبعد سقوط الحكم العثماني سنة 1918، عاد إلى دمشق وبايع الأمير فيصل بن الحسين حاكماً عربياً على سورية، وقام الأخير بتعيينه متصرفاً على حماة ثمّ مديراً عاماً للمطبوعات الحكومية. كلفه الأمير فيصل بتعريب مناهج الحقوق وعند إعادة افتتاح “معهد الحقوق العثماني” وتغير اسمه إلى “معهد الحقوق العربي” أصبح العظم مدرساً فيه ثم عميداً.
وعند انتهاء ولاية رضا سعيد في رئاسة الجامعة سنة 1936 انتخب عبد القادر العظم لخلافته. وفي سنة 1941 سمّي رئيساً لمجلس الشورى في عهد رئيس الحكومة خالد لعظم، وهو أحد طلابه القدامى في كلية الحقوق. وبعد جلاء الفرنسيين عن سورية سنة 1946 نقل العظم إلى شركة حصر التبغ والتنباك، مفوضاً باسم الحكومة السورية، وظلّ في هذا المنصب حتى إحالته على المعاش عام 1949.
الوفاة
تفرغ بعدها عبد القادر العظم لكتابة مذكراته وتوفي في دمشق عن عمر ناهز 73 عاماً سنة 1960.
مؤلفاته
وضع عبد القادر العظم عدداً من المؤلفات القيّمة في حياته، كان أبرزها كتاب عِلم الاقتصاد الذي صدر بثلاثة أجزاء عن مطبعة الجامعة السورية في الفترة ما بين 1931-1940. كما وضع كتاباً مرجعياً بعنوان الأسرة العظمية وفي سنة 1951 صدرت مذكراته بدمشق.
وفي عام 1905، طُلب إلى عطا البكري المشاركة في جرّ مياه نبع عين الفيجة من وادي بردى إلى مدينة دمشق. اجتمع البكري مع الوالي العثماني ناظم باشا الذي قال إن الخزانة خالية وليس فيها إلّا ثلاثة آلاف ذهبة، وهو مبلغ ضئيل لا يكفي لتنفيذ المشروع الذي بلغت قيمته أربعين ألف ذهبة. قرر ناظم باشا إشراك الأعيان في جمع المبلغ المطلوب، واقترح أحدهم فرض ضريبة على الخبز، تيمناً بالسلطان عبد الحميد الذي كان قد فرض ضريبة على اللحوم والمسالخ لتأمين نفقات إنشاء معهد الطب العثماني في دمشق قبل سنتين. ولكن البكري عارض هذه الفكرة بشدة وقال: “أتريدون أن يدفعها الفقراء؟ اجعلوها على الكاز لأن الفقير يشعل ضوءاً واحداً والغني يشعل أضواءً كثيرةً، فيكون أخذها من جيوب الأغنياء.” أُعجب ناظم باشا بالفكرة وتبناها على الفور.
عثمان الشرباتي (1878 – 22 كانون الثاني 1950)، صناعي سوري من دمشق وأحد أبرز مموليّ الحركة الوطنية المناهضة للانتداب الفرنسي.
البداية
ولِد عثمان الشرباتي في حيّ الصالحية بدمشق ودَرس القرآن الكريم فيه كتّابه. بدأ عمله في سوق البزورية مع التاجر رشدي الركابي السكري واستطاع أن يجمع رأس مال جيد مكنه من تأسيس مصنعاً للتبغ في منطقة البرامكة سنة 1921. أنتج مصنع الشرباتي عدة أصناف من الدخان، مثل إكسترا، جوكي كلوب، وسجائر “خانم” المُخصصة للنساء، قبل إضافة ماركة “بافرا” لذوي الدخل المحدود. عَمِل في استيراد الحديد وتصدير الفواكه من غوطة دمشق إلى بلدان الوطن العربي كافة. أصبح راعياً لأهالي الصالحية وفتح لهم فرناً وداراً للأيتام، وحمام سوق خصصت فيه أيام محددة للفقراء والمحتجين.
العمل السياسي
رفض الانضمام إلى أي حزب سياسي وكان على مسافة واحدة من الكتلة الوطنيةوحزب الشعب، على الرغم من صداقته المتينة مع رئيسه الدكتور عبد الرحمن الشهبندر. وفي نيسان 1922 تعاون مع الشهبندر على ترتيب زيارة الدبلوماسي الأمريكي شارل كراين إلى دمشق، للوقوف على أوضاع الشعب السوري ومعاناته تحت الحكم الفرنسي. وعند اندلاع الثورة السورية الكبرى عام 1925 عقد اجتماعاً سرياً في داره مع الشهبندر، تقرر فيه نقل المعارك من جبل الدروز إلى مدينة دمشق وريفها. شارك بتهريب المؤن والسلاح إلى الغوطة الشرقية وفي 1 أيلول 1925 أمرت سلطات الانتداب باعتقاله في سجن أرواد.
السنوات الأخيرة
اعتزل عثمان الشرباتي العمل السياسي بشكل جزئي إبان اغتيال الشهبندر سنة 1940 وغاب عن المشهد بشكل تام بعد جلاء القوات الفرنسية عن سورية يوم 17 نيسان 1946. ذهبت زعامة الأُسرة من بعده – سياسياً واقتصادياً – إلى نجله أحمد الشرباتي، الذي انتخب نائباً عن دمشق وتسلّم حقائب وزارية في عهد الرئيس شكري القوتلي، منها المعارف والدفاع والاقتصاد الوطني.
الوفاة
توفي عثمان الشرباتي في دمشق عن عمر ناهز 72 عاماً يوم 22 كانون الثاني 1950 ونعته صحيفة ألف باء بالقول: “غاب فقيد دمشق الذي كان ركناً من أركان الوطنية والصناعة في سورية.”
عبد الوهاب القنواتي (1891 – 8 حزيران 1971)، صيدلاني سوري من دمشق، أسس أول معمل أدوية في سورية سنة 1923 وكان أحد مؤسسي قسم الصيدلة في الجامعة السورية.
البداية
ولِد عبد الوهاب القنواتي في حيّ القنوات وكان والده تاجراً معروفاً. دَرس في المدرسة الكاملية في سوق البزورية وعُيّن مُدرساً فيها قبل أن ينتقل إلى المدرسة العازارية، وتخرج من معهد الطب العثماني بدمشق، حاملاً شهادة في الصيدلة سنة 1911.
مرحلة التمثيل
وفي مطلع شبابه كان القنواتي مولعاً بالتمثيل وانضم إلى فرقة مسرحية يقودها الفنان الشاب أحمد عبيد سنة 1915. قدموا عروضاً عالمية على مسرح القوتلي في محلّة السنجقدار، كانت جميعها من تأليف أحمد عبيد، ولكن تجربتهم الفنية لم تستمر بسبب تقدم الفنانين الهواة في السن ودخولهم معترك الحياة، ما فرق شملهم وأبعدهم عن عالم المسرح.
في معهد الطب العربي
ومع بداية الحرب العالمية الأولى التحق عبد الوهاب القنواتي بالجيش العثماني وعُين في المستشفى العسكري في مدينة زحلة. نقل لاحقاً إلى بيروت لتدريس مادة الصيدلة في الجامعة اليسوعية. ومع نهاية الحرب سنة 1918 عاد إلى دمشق وسمّي مدرساً في معهد الطب العربي. شارك في تعريب الكتب الطبية وفي سنة 1923 عُيّن مدرساً في الجامعة السورية عند تأسيسها. كلفه رئيس الجامعة الدكتور رضا سعيد بتأسيس مخبري الكيمياء والصيدلة، وأسند إليه تدريس مادة الكيمياء العامة، ومادة أشباه المعادن، وتحليل الأملاح، وفنّ الصيدلة وعلم النبات.
دوره في مشروع مياه عين الفيجة
بدأ عبد الوهاب القنواتي في عام 1921 بدراسة مياه مدينة دمشق وتحليلها. قام بنشر نتائج دراساته وأثبت جودة مياه عين الفيجةوبقينوهريرة. وكان في عداد مؤسسي جمعية مياه عين الفيجة (مؤسسة مياه عين الفيجة اليوم) مع لطفي الحفار، نائب رئيس غرفة تجارة دمشق، وانتخب عضواً في مجلس مصلحة المياه.
أول معمل للأدوية في سورية
وفي سنة 1923 أنشأ عبد الوهاب القنواتي، بالتعاون مع إخوته، أول معمل صغير لصناعة الأدوية في سورية، وبعدها بست سنوات، أسس أول شركة مساهمة لصناعة الدواء، مع عدد من الأطباء والصيادلة المتخصصين.
القنواتي في الجامعة السورية
سافر القنواتي إلى فرنسا لإكمال دراسته العليا في جامعة السوربون، والتحق بمؤسسة باستور للتخصص في الكيمياء الحيوية. عمل في مخابر مستشفى كوشان وفي مخابر بلدية باريس، حيث دراسة تحليل المواد الغذائية. وجال على مخابر دائرة شرطة باريس للتعمق في تحليل الأحشاء وكشف السموم في البشر والأغذية ومياه الشرب.
وحينما عاد إلى دمشق عام 1925 تولّى تدريس الكيمياء العامة والمعدنية، وتابع عمله في مخبر الجامعة السورية. وفي عام 1939، أوفدته الجامعة مجدداً إلى فرنسا، حيث عمل في مستشفى الشفقة لتعميق معارفه في التحاليل الحيوية والفيزيولوجية والمرضية. وسمّي بعد عودته إلى سورية أستاذاً للكيمياء الحيوية الفيزيولوجية والمرضية والتحليلية حتى إحالته إلى التقاعد عام 1949.
مؤلفاته
ألف عبد الوهاب القنواتي عدة كتب علمية، كان أهمها:
في الكيمياء العامة
في أشباه المعادن
في المعادن
في التحاليل الطبية
في الكيمياء الطبية والمرضية
الوفاة
توفي عبد الوهاب القنواتي في دمشق عن عمر ناهز 80 عاماً يوم 8 حزيران 1971.
عبد الوهاب بن عبد الله شوقي أبو سعود (1897-1951)، فنان فلسطيني برع في التمثيل والإخراج والرسم وكان أحد رواد المسرح في سورية. بدأ مسيرته الفنية في عهد الملك فيصل الأول يوم لعب دور جمال باشا في مسرحية من تأليف الروائي معروف الأرناؤوط سنة 1919 ويعود له الفضل في وضع أول منهاج علمي لتعليم الرسم في المدارس الإعدادية في سورية.
البداية
ولِد عبد الوهاب أبو سعود في نابلس وكان والده ضابطاً في الجيش العثماني. دَرس في مدارس صيداوبيروت وسافر إلى مصر للالتحاق بجامعة الأزهر، تلبية لرغبة أبيه. وفي القاهرة تعرف على عالم المسرح، واحتضنه النجم اللبناني جورج أبيض وعلّمه أصول التمثيل والغناء والعزف على العود. عمل أبو سعود ممثلاً في فرقته، عاد بعدها إلى دمشق ليؤسس مع أصدقائه فرقة مسرحية على غرار فرقة جورج أبيض، كانت أولى عروضها مسرحية “شهداء الغرام” على مسرح قصر البلور سنة 1914، وكانت من تأليفه وبطولته.
ترك أبو سعود وزارة المعارف وعمل في مؤسسة البرق والبريد قبل أن ينفك عن العمل الحكومي ويتفرغ للرسم وتمثيل. أسس نادي الكشاف الرياضي مع توفيق العطريووصفي المالح، من المحافظة على فرقة عبد الوهاب أبو سعود المسرحية التي ظهر فيها الفنان تيسير السعدي. وفي سنة 1933 شارك في تأسيس نادي التمثيل والألحان. وفي هذه الأثناء بدأت تظهر موهبته كرسام وكانت رسوماته تنشر في مجلّة المضحك المبكي. أرسلته الحكومة السورية إلى فرنسا لدراسة الرسم في أكاديمية الفنون الجميلة حيث تخصص بالزخارف الإسلامية وتخرج سنة 1937.
قدّم عبد الوهاب أبو سعود عدداً كبيمممراً من المسرحيات، لم يبقى منها أي أثر مصور أو مُسجل، وتوفي بعد حضوره عرضاً فنياً لمجموعة من طلابه في الكنيسة الإنجيلية ببلودان سنة 1951.
ولِد عبد المحسن الأسطواني في أُسرة عريقة اشتهر رجالها بالعِلم وتبوَّؤُوا أرفع المناصب الدينية. دَرَس على يد علماء دمشق ومنهم والده الشّيخ عبد القادر الأسطواني والشّيخ سليم العطار، مُدرّس البخاري في جامع سليمان باشا. كان مقرباً من مفتي دمشق الشّيخ محمود الحمزاوي الذي عينه أميناً للفتوى قبل وففاته بأسابيع سنة 1886.
أمين فتوى دمشق
حافظ الشيخ الأسطواني على منصبه على الرغم من كل التغيرات السياسية التي عصفت من حوله ومنها الانقلاب على السلطان عبد الحميد الثاني وتنحيته عن العرش في نيسان 1909 وصولاً لاندلاعالحرب العالمية الأولى سنة 1914. انتُخب نائباً عن دمشق في مجلس المبعوثان في إسطنبول وبعد سقوط الحكم العثماني في سورية نهاية شهر أيلول من العام 1918، بايع الأمير فيصل حاكماً عربياً على البلاد. عينه الأخير نائباً لرئيس مجلس الشورى عبد القادر مؤيد العظم وفي عهده كان أحد مؤسسي الحزب السوري الوطني مع أمير الحج عبد الرحمن باشا اليوسف. نادى الحزب باستقلال سورية ووحدة أراضيها، ودعا إلى نظام ملكي دستوري، تكون السلطة العليا فيه لمجلس نيابي مُنتخب. أفتى بمبايعة فيصل الأول ملكاً على سورية – بناء على مقررات المؤتمر السوري العام – وحضر حفل تنصيبه في دار البلدية وسط ساحة المرجة في يوم 8 آذار 1920.
وفي عام 1928، عُيّن الشيخ الأسطواني قاضياً شرعياً في دمشق ثم رئيساً لمحكمة التمييز الشرعية. تزامن هذا التكليف مع محاولة فرنسا تمرير قانون جديد للأحوال الشخصية في سورية، ينص على تحويل كل قضاياه من المحاكم الشرعية إلى المحاكم المدنية، إلّا فيما يتعلق بأمور الزواج والطلاق. اعترض الأسطواني على هذا القرار وحاربه بشدة، لأنه سمح لأي مواطن سوري بلغ سن الرشد أن يختار دينه وأن يتنقل بحرية من طائفة إلى أخرى، أو من دين إلى دين، دون إعلام مجلس الملّة أو الطائفة أو الكنيسة. وسمح القانون لأي امرأة مسلمة أن تتزوج من مسيحي أو يهودي دون أن ينطق الشهادتين، ما أثار حفيظة الأسطواني علماء الشّام كافة.
بسبب الغليان الشعبي الذي أثاره الأسطواني، ظلّ قانون الأحوال الشخصية معلّقاً حتى نهاية عام 1938، عندما قبل به رئيس الحكومة جميل مردم بك. ثار الأسطواني وحشد من أعوانه ومريديه وطالبوا بإسقاط الحكومة المردمية، مهددين بعصيان مدني لو أصر مردم بك على موقفه. شُكّلت لجنة لإعادة النظر في القانون، مؤلفة من عبد المحسن الأسطواني والشّيخ كامل القصّاب ورئيس محكمة التمييز مصطفى برمدا والقاضي حنا مالك، وقرروا مجتمعين طيّ القرار إلى أجل غير مسمى.
موقفه من العدوان الفرنسي عام 1945
كان لعبد المحسن الأسطواني موقف لافت في أثناء العدوان الفرنسي على مدينة دمشق يوم 29 أيار 1945، عندما دخل إلى الجامع الأموي ووجد المصلين يدعون على فرنسا فصاح بهم غاضباً: “المساجد للمُقعدين فقط، فليحمل كل واحد منكم سلاحه.”
شاعراً في عهد الاستقلال
حافظ عبد المحسن الأسطواني على منصبه في محكمة التمييز حتى نهاية حياته، لأن قانون التقاعد في سورية لم يكن ينطبق لا على علماء الدين أو على أئمة المساجد. وظلّ يخطب في جامع البزورية ويُقيم مجلس عِلم في داره، عُرف باسم “مجلس الشيوخ،” وكان بضمّ العديد من السياسيين والعلماء. وكان يُنظم الشّعر التعليمي في أحكام المساجد وأبواب الوتر والنوافل وقضاء الفوائت وسجود السهو والمسائل الفقهية التي كان يغلب عليها الجانب التحليلي العقلي. التزم في نظمه الأوزان الموروثة، مع ميله إلى التنويع في قوافيه، حيث جعل لكل بيت قافية.
عبد الله بن فكري الخاني (1922 – 7 كانون الأول 2020)، قاضٍ سوري ورجل دولة، عمل مع معظم رؤساء سورية من شكري القوتلي إلى حافظ الأسد، وتولّى الأمانة العامة للرئاسة السورية في مرحلة الخمسينيات وشارك في مفاوضات الوحدة مع مصر سنة 1958. انتقل للعمل في وزارة الخارجية السورية وسمّي سفيراً في عدة دول ثم معاوناً للوزير الخارجية، قبل تكليفه بتأسيس وزارة السياحة وتعيينه أول وزير فيها سنة 1972. أنتُخب سنة 1980 عضواً في محكمة العدل الدولية وفي سنواته الأخيرة شغل منصب كبير حكماء مؤسسة تاريخ دمشق وكان أحد الآباء المؤسسين لجمعية أصدقاء دمشق سنة 1976 وعضواً مؤسساً في مجلس أمناء مؤسسة خالد العصيمي للحوار والاعتدال في مدينة جنيف السويسرية.
نظراً لضلوعه باللغتين الفرنسية والإنجليزية، كلفه القوتلي بمتابعة مباحثات الأمم المتحدة حول القضية الفلسطينية. ولدت علاقة متينة بين الخاني والقوتلي، الذي قدّر تفانيه بالعمل وصار يعتمد عليه في إدارة شؤون القصر الجمهوري، وتحديداً كل ما يتعلق بشؤون المكتب الصحفي. وبعد الإطاحة بالرئيس القوتلي في 29 آذار 1949، صدر أمر من حسني الزعيم – مهندس الانقلاب الأول – بإغلاق القصر الجمهوري وصرف كل موظفيه القدامى.
عاد الخاني إلى عمله بعد سقوط حكم الزعيم وإعدامه في 14 آب 1949، ليعمل مع الرئيس هاشم الأتاسي أولاً ومن ثم مع الرئيس أديب الشيشكلي الذي وصل إلى سدة الحكم في حزيران 1953. أرسله الشيشكلي إلى فرنسا لدراسة نظام البروتوكول في قصر الإليزيه، وبعدها إلى لندن لدراسة أنظمة التشريفات في قصر بكنغهام. وعند عودته إلى دمشق، سمّي مديراً للبروتوكول ثم أميناً عاماً بالوكالة للقصر الجمهوري سنة 1955، وذلك بعد عودة الأتاسي إلى الحكم إبان استقالة الشيشكلي من منصبه. وعند إعادة انتخاب شكري القوتلي رئيساً للجمهورية وتسلمه الحكم في أيلول 1955، نظّم الخاني عملية انتقال السلطات بينه وبين الأتاسي، وهي المرة الأولى والأخيرة التي يتم فيها تداول السلطة في سورية على هذا الشكل الديمقراطي.
انتُخب عبد الله الخاني عضواً في محكمة العدل الدولية في كانون الثاني 1980 وبعدها بعشر سنوات، انتخب في الهيئة الدولية للتحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس، وفي مجلس التحكيم الدولي في مجال الرياضة. أصبح الخاني حكماً في الألعاب الأولمبية، ومنها ألعاب مدينة أتلانتا الأميركية سنة 1996. وفي عام 1993، أصبح عضواً في المركز الدولي للتحكيم التجاري في البحرين، وفي المحكمة الدستورية لاتحاد البوسنة والهرسك من عام 1993 ولغاية 1999، حيث تعاون مع خبراء دوليين في تدريب الفريق المكلف بوضع دستور سراييفو.
نشط الخاني في سنوات التقاعد في جمعية أصدقاء دمشق، التي شارك في تأسيسها سنة 1976، وفي مؤسسة خالد العصيمي للحوار والاعتدال في جنيف، التي شارك أيضاً في تأسيسها سنة 1991. آخر نشاط سياسية له كان في اللجنة التحضيرية للحوار الوطني التي عُقدت برئاسة وزير الخارجية فاروق الشرع في منتجع صحارى القريب من دمشق في 10 تموز 2011. وفي كانون الأول 2017 شارك في إطلاق مؤسسة تاريخ دمشق وانتُخب رئيساً لمجلس حكمائها، قبل وفاته عن عمر ناهز 98 عاماً في 7 كانون الأول 2020. نعته محكمة العدل الدولية في لاهاي ورفعت صوره في قاعتها الرئيسية، مع الوقوف دقيقة صمت حداداً على روحه. وقبل وفاته بسنوات قليلة، أعطى حديثاً صحفياً لجريدة الوطن السورية، ختمه بالقول: “لم يبق سوى القارة المتجمدة لم أزرها، وما من بلد أعظم من دمشق.”
عبد الكريم بن عثمان العائدي (1909-1970)، سياسي سوري من دمشق تسلّم قيادة الشرطة السورية في عهد الرئيس شكري القوتلي قبل تعيينه محافظاً في مدينة حماة ثم في دير الزور سنة 1951. كان أحد مؤسسي عصبة العمل القومي في لبنان سورية ورئيساً لتحرير جريدة العمل القومي حتى سنة 1939.
هرب العائدي إلى بغداد وحلّ ضيفاً على الحكومة العراقية حتى عام 1940، وعند انتخاب شكري القوتلي رئيساً للجمهورية في صيف عام 1943، عُيّن قائم مقام بلدة دوما في ريف دمشق، ثم رئيساً للشرطة السورية وقائداً للدرك في نيسان 1946. وفي عهد الاستقلال عينه الرئيس القوتلي محافظاً في مدينة حماة حتى آذار 1949، يوم إعفائه بشكل تعسفي بعد رفضه الاعتراف بشرعية انقلاب حسني الزعيم على الرئيس القوتلي. وبعد أيام معدودة من انتهاء عمله، اعتقل العائدي بأمر من الزعيم وزجّ في سجن المزة العسكري لغاية منتصف شهر آب 1949. بعد سقوط الزعيم ومقتله، سمّي العائدي مديراً لمكتب العشائر السورية ومن ثمّ محافظاً في مدينة دير الزور سنة 1951. وبعدها أصبح ممثل سورية إلى مكتب مقاطعة إسرائيل التابع لجامعة الدول العربية، حيث عمل حتى قيام الوحدة مع مصر سنة 1958. وفي مرحلة الانفصال، كُلفته جامعة الدول العربية بالإشراف على نقل الموظفين المصريين من سورية إلى مصر.
الوفاة
توفي عبد الكريم العائدي بدمشق عن عمر ناهز 61 عاماً سنة 1970.