جميل بن عبد القادر مردم بك (1895 – 28 آذار 1960)، زعيم وطني سوري من دمشق وأحد الآباء المؤسسين للدولة السورية الحديثة، كان أحد مؤسسي الجمعية العربية الفتاة المعارضة للحكم العثماني، ومن قادة الكتلة الوطنية التي حاربت الانتداب الفرنسي. شارك في الثورة السورية الكبرى وفي مفاوضات باريس وكان أحد الموقعين على معاهدة عام 1936. سمّي رئيساً للوزراء في 21 كانون الأول 1936 وشهد عهده سلخ منطقة لواء إسكندرون عن سورية ورفض البرلمان الفرنسي التصديق على معاهدة عام 1936، ما أدى إلى استقالته من رئاسة الحكومة في 23 شباط 1939. عاد إلى الحكم وزيراً للخارجية في عهد الرئيس شكري القوتلي سنة 1943 وشارك في تأسيس جامعة الدول العربية وفي المفاوضات النهائية مع فرنسا التي أسفرت عن جلاء القوات الفرنسية في 17 نيسان 1946. وفي عهد الاستقلال شارك في تأسيس الحزب الوطني وكان حاكماً عرفياً على سورية في أثناء حرب فلسطين قبل اعتزاله العمل السياسي والانتقال للعيش في مصر. شَكّل جميل مردم بك خمس حكومات في حياته، كانت الأولى سنة 1936 والأخيرة سنة 1948، ويعد أحد الآباء المؤسسين للدولة السورية الحديثة.
البداية
ولِد جميل مردم بك بدمشق وهو سليل أُسرة سياسية عريقة، تعود أصولها إلى جدها الأكبر مصطفى لالا باشا فاتح قبرص في القرن السادس عشر. أمّا جدّه المباشر فهو عثمان مردم بك، الذي أسهم في إخماد فتنة عام 1860 بدمشق. كان عثمان مردم بك رجلاً مُقتدراً، يملك كامل قرية حوش المتبن في غوطة دمشق، وخان الزيت في سوق مدحت باشا، وكامل قرية خان الشيح، إضافة لأراضٍ زراعية واسعة في حوش الصالحية (منطقة بستان الرئيس اليوم).
الجمعية العربية الفتاة
دَرّس جميل مردم بك في مدارس دمشق والتحق بمعهد العلوم السياسية في باريس، حيث عمل مع مجموعة من الطلاب العرب على تأسيس الجمعية العربية الفتاة الرامية إلى تحرير سورية من الحكم العثماني. شارك في تنظيم المؤتمر العربي الأول في فرنسا سنة 1913 فحُكم عليه بالإعدام من قبل جمال باشا، قائد الجيش العثماني الرابع في سورية. وكان من المفترض أن يُشنَق في ساحة المرجة مع بقيّة شهداء 6 أيار 1916، لولا وجوده خارج سورية يومها.
في بلاط الملك فيصل
عاد إلى دمشق مع سقوط الحكم العثماني وعُيّن مترجماً خاصاً للأمير فيصل، حاكم سورية الجديد. وفي كانون الثاني 1919 سافر معه إلى فرنسا للمشاركة بمؤتمر السلم وكان حاضراً في مباحثاته مع جورج كليمنصو، رئيس وزراء فرنسا. وعند تتويج فيصل ملكاً على سورية في 8 آذار 1920 انتقل مردم بك إلى العمل في وزارة الخارجية وسمّي معاوناً للوزير الدكتور عبد الرحمن الشهبندر.
مردم بك والثورة السورية الكبرى
بعد سقوط الحكم الملكي وفرض الانتداب الفرنسي على سورية سنة 1920 انضم جميل مردم بك إلى صفوف الحركة الوطنية التي كان يقودها الشهبندر، وفي سنة 1925 عمل معه على تأسيس حزب الشعب، أول حزب سياسي ظهر في مرحلة الانتداب. أشهِر حزب الشعب في 5 حزيران 1925 وانتُخب مردم بك عضواً في لجنته التنفيذية، ولكن قراراً بحلّه صدر في نهاية شهر تموز بعد انضمام الشهبندر إلى الثورة السورية الكبرى. عَمل جميل مردم بك مع الشهبندر وقادة حزب الشعب على نقل الثورة من جبل الدروز إلى دمشق، واشترى السلاح وهرّبه إلى ثوار الغوطة. أمرت فرنسا باعتقاله في سجن أرواد، ومن بعدها نفته إلى يافا ليكون بعيداً عن الحركة الوطنية حتى انحسار الثورة والقضاء عليها منتصف عام 1927.
مع الكتلة الوطنية
وفي سنة 1932 انضم جميل مردم بك إلى الكتلة الوطنية التي أسسها هاشم الأتاسي لمحاربة الانتداب بطرق سياسية، رافعاً شعار “التعاون المُشرف” مع فرنسا لأجل تحقيق الاستقلال التام وغير المشروط. ولدت الكتلة بعد فشل الثورة السورية الكبرى وعلى الفور ظهر خلاف شديد في صفوف الوطنيين، بين المنادين باستمرار النضال المسلّح، الممثلين بالشهبندر وسلطان باشا الأطرش، والمُطالبين بإلقاء السلاح، المُمثلين بجميل مردم بك ورفاقه.
وزيراً في حكومة حقي العظم
وفي المؤتمر الكبير المنعقد في حمص يومي 3-4 تشرين الثاني 1932 انتُخب جميل مردم بك عضواً في مجلس الكتلة الوطنية الدائم، مع كل من شكري القوتلي وسعد الله الجابري، ممثلين عن جيل الشباب في الحركة الوطنية. دعاه حقي العظم للمشاركة في حكومته الثانية في 15 حزيران 1932، وسمّي مردم بك وزيراً للمالية والزراعة بالوكالة. غضب شيوخ الكتلة وطالبوه بالاستقالة، وعدّوا وجوده في حكومة العظم يعطي الوزارة ورئيسها شرعية وطنية لا يستحقونها نظراً لقرب العظم من فرنسا.
حاول مردم بك تسويغ موقفه قائلاً إن وجود زعيم وطني واحد في هذه الحكومة أفضل من خلوّها بالكامل من أية شخصية وطنية. جاء إبراهيم هنانو غاضباً من حلب وتوجه إلى دار شقيقة جميل مردم بك بدمشق وأمر بحضوره فوراً من السراي الكبير. وعندما وصل مردم بك مستفسراً سبب هذا الاستدعاء، وجد هنانو جالساً خلف طاولة عليها كتاب استقالة ومُسدس. طلب إليه هنانو أن يختار: إما الاستقالة أو الموت. فضّل مردم بك الاستقالة في 19 نيسان 1933 وفور مغادرته الحكم قام بزيارة السعودية للاجتماع مع الملك عبد العزيز آل سعود، مذكراً خصومه وأصدقاءه معاً أن له علاقات واسعة في الوطن العربي، ما يجعل الاستغناء عنه محالاً بالنسبة لشيوخ الكتلة الوطنية.
الإضراب الستيني
توفي إبراهيم هنانو في 21 تشرين الثاني 1935 واندلعت مواجهات عنيفة بين الكتلة الوطنية ورجال الشرطة في أثناء جنازته، أدت إلى اعتقال سعد الله الجابري في حلب وفخري البارودي بدمشق. ردت الكتلة بإطلاق إضراب عام في المدن السورية كافة، استمر ستين يوماً، وقد تولّى مردم بك الإعلان عنه رسميّاَ من على منبر الجامع الأموي يوم 21 كانون الثاني 1936. اعتُقل فوراً ونُفي إلى بلدة إعزاز على الحدود السورية – التركية، قبل أن يطلق سراحه عند توصل هاشم الأتاسي إلى اتفاق مع الفرنسيين، يقضي بإنهاء الإضراب الستيني مقابل سفر وفد رفيع من الكتلة الوطنية إلى فرنسا للتفاوض على مستقبل سورية.
مفاوضات باريس عام 1936
سافر أعضاء الوفد إلى باريس في 26 آذار 1936 وكان الوفد مؤلفاً من هاشم الأتاسي (رئيساً) وعضوية جميل مردم بك وسعد الله الجابري وفارس الخوري. وفي 9 أيلول 1936 وُقّعت معاهدة عام 1936 في مقر وزارة الخارجية الفرنسية في باريس، بحضور رئيس الوزراء الفرنسي ليون بلوم. نصّت المعاهدة على توسيع صلاحيات الحكومة السورية واستعادة حقائب الدفاع والخارجية الملغاة منذ سنة 1920، مع ضمان وحدة الأراضي السورية وإنهاء الحكم الذاتي القائم في جبل الدروز ودولة جبل العلويين منذ بدأ الانتداب الفرنسي. وسمحت فرنسا بأن يكون للسوريين جيش وطني بدلاً من الجيش الفيصلي الذي وحُلّ إبان معركة ميسلون سنة 1920، شرط أن أن تتكفّل باريس بتدريبه وتسليحه.
وقد ضمنت معاهدة عام 1936 قاعدتين عسكريتين دائمتين للقوات الفرنسية على الساحل السوري، مع تسهيلات عبور البضائع والصادرات الفرنسية. ووافق الطرفان على اتفاقية دفاع مشترك بينهما، تعطي الجيش الفرنسي حق الانتفاع من البر والجو والبحر في سورية في حال نشوب حرب عالمية جديدة في أوروبا.
رئيساً للحكومة (21 كانون الأول 1936 – 23 شباط 1939)
عاد وفد الكتلة الوطنية من باريس واستقال رئيس الجمهورية محمد علي العابد من منصبه، فاتحاً المجال أمام إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، تماشياً مع روح المعاهدة. فازت الكتلة بغالبية مقاعد المجلس النيابي وانتُخب هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية وفارس الخوري رئيساً لمجلس النواب. كُلف جميل مردم بك بتشكيل حكومته الأولى يوم 21 كانون الأول 1936، وذهبت كل حقائبها إلى رفاقه في الكتلة الوطنية. عُيّن سعد الله الجابري في وزارة الخارجية المستحدثة، إضافة لمنصبه وزيراً للداخلية، وسمّي شكري القوتلي وزيراً للدفاع، إضافة إلى منصبه وزيراً للمالية.
فور توليه الحكم، أرسل جميل مردم بك معاهدة عام 1936 إلى المجلس النيابي الذي صادق عليها بالإجماع. ولكنّ البرلمان الفرنسي لم يتعامل بالمثل وردّ المعاهدة بسبب حملة ممنهجة أقيمت ضدها في الصحف الفرنسية الكبرى ومن قبل معظم المؤسسات الاقتصادية الفرنسية التي كان لها وجود في سورية والشرق الأوسط. جميعهم طالبوا البرلمان الفرنسي برفض المعاهدة، إمّا خوفاً من تمادي النفوذ البريطاني في المنطقة، أو تحسباً لأي حرب مقبلة في أوروبا. وقال آخرون إن الجمهورية الفرنسية عليها ألا تنسحب من سورية صوناً لحقوق الأقليات ومنعاً لانتشار الشعور القومي في مُستعمراتها في شمال أفريقيا، وذلك لضمان خطوط التجارة والاتصالات مع شرق آسيا.
في حزيران 1937 استقالة حكومة ليون بلوم وعاد إدوار دالادير إلى الحكم في فرنسا، رافعاً شعار “التمسّك بالإمبراطورية الفرنسية.” في تشرين الثاني 1937، سافر جميل مردم بك إلى باريس ووقّع على ملاحق إضافية للمعاهدة، منها إعطاء فرنسا حق التنقيب عن النفط في المنطقة الشرقية وإلحاق مستشارين فرنسيين دائمين بالدولة السورية.
لم تنجح تنازلاته في إقناع المشرعين الفرنسيين بالعدول عن موقفهم الرافض للمعاهدة، وفي آب 1937 عاد مردم بك إلى باريس وبقي فيها ثلاثة أشهر متواصلة، وقّع فيها على تنازلات إضافية مثل صون مكانة اللغة الفرنسية في المناهج التربوية السورية. وقد وصل به الأمر إلى حد اقتراح إلغاء المعاهدة بشكل كامل والعودة إلى حكم فرنسي مباشر، شرط أن يُضم لبنان إلى سورية، ولكن هذا العرض قوبل بالرفض من قبل الحكومة الفرنسية والبرلمان الفرنسي معاً.
معارضة الشهبندر
بموجب العفو العام الذي صدر في بداية عهد الكتلة الوطنية عاد عبد الرحمن الشهبندر إلى سورية بعد منفى دام قرابة الاثنتي عشرة سنة، وفور وصوله دمشق فتح نيرانه على معاهدة عام 1936 ورأى أنها لم تُلبّي المطالب الوطنية السورية وأنها أعطت فرنسا الكثير من التنازلات غير المسوّغة. انزعج مردم بك من هذا النقد اللاذع، وغاب هو وكل رجالات حكمه عن جميع المناسبات التي أُقيمت احتفالاً بعودة الشهبندر إلى سورية.
في أحاديثه الصحفية وخُطبه الجماهيرية وجّه الشهبندر لوماً شديداً إلى الحكومة المردمية، وقال إنها جاءت إلى الحكم على دماء شهداء الثورة السورية الكبرى. وفي إحدى المناسبات قال الشهبندر: إنّ هذه المعاهدة كلها سُموم ويحاول السيد جميل مردم بك تبليعها أبناء سورية وطليها بالعسل، ولكن أبناء البلاد سيطحنون جرعة المعسول بالعقل ليروا السموم المدسوسة فيه.”
ردّاً على الشهبندر وحملته رَفض مردم بك إعطاؤه ترخيصاً لممارسة العمل السياسي وأمر بوضعه تحت الإقامة الجبرية في داره. واعتقل عدداً من مُناصريه بتهمة عقد اجتماعات سياسية غير مرخصة في حيّ الميدان، جرى فيها “التحريض على الدولة ونظامها الجمهوري.”
سلخ لواء اسكندرون
ومن أخطر التحديات التي واجهت جميل مردم بك كانت قضية لواء إسكندرون، الذي سُلخ عن سورية وضُمّ إلى أراضي تركيا على مراحل، ضماناً لحيادها في الحرب العالمية المقبلة. عجز مردم بك عن حماية اللواء، ما فجّر هجوماً عنيفاً ضده من قبل الشهبندر وغيره من السياسيين السوريين. وقد زاد من نقمة خصومه عليه أنه توقف في أنقرة عند عودته من فرنسا في إحدى المرات وقضى ليلة في ضيافة الرئيس التركي كمال أتاتورك. انتشرت إشاعة في الأوساط السياسية يومها أن جميل مردم بك “باع اللواء” إلى تركيا وقد تبنتها الصحافة الموالية للشهبندر وروّجت لها.
مشاكل داخلية
داخلياً حصل خلاف بين جميل مردم بك ووزير المالية شكري القوتلي، كان سببه إصرار رئيس الحكومة على تجديد اتفاق مصرف سورية ولبنان القائم منذ سنة 1922، على الرغم من معارضة وزير المالية. انتظر مردم بك سفر القوتلي إلى السعودية للقيام بمناسك الحج وجدّد الاتفاق في غيابه، ما أدى إلى استقالة القوتلي غضباً في 27 آذار 1938.
وفي نهاية عهد الحكومة المردمية ظهرت قضية قانون تنظيم الأحوال الشخصية في سورية، الذي سمح لأي مواطن سوري بلغ سن الرشد أن يختار دينه وأن يتنقل بحرية من طائفة إلى أخرى، أو من دين إلى دين، دون إعلام مجلس الملّة أو الكنيسة أو دار الإفتاء. وسمح القانون لأي امرأة مسلمة أن تتزوج من مسيحي. كان جميل مردم بك، المعروف بتوجهاته العلمانية منذ أن كان طالباً جامعياً في باريس، ميّالاً للمصادقة على القانون الفرنسي ولكنّه أدرك سريعاً استحالة هذا الأمر وتراجع عنه تحت ضغط هائل من الشارع الديني وتهديد مباشر من الشيخ كامل القصّاب. وفي 14 حزيران 1938 تعرض جميل مردم بك إلى محاولة اغتيال وهو في طريقه إلى افتتاح مرفأ بيروت، قيل إنها كانت من تدبير كامل القصّاب ورفاقه.
بعد إعطاء موافقته الأولية على قانون الأحوال الشخصية تنصّل منه جميل مردم بك وأعطى أمراً معاكساً للمحاكم السورية بعدم تطبيقه إلا بعد أخذ موافقة مجلس النواب. وفي 23 شباط 1939 استقال مردم بك من منصبه بحجة قانون الأحوال الشخصية، ولكن السبب الحقيقي كان أبعد من ذلك بكثير، ويعود إلى فشله في تمرير معاهدة عام 1936 ومنع سلخ لواء إسكندرون. قبل مغادرته السراي الكبير شكّل مردم بك لجنة لإعادة دراسة قانون الأحوال الشخصية، قررت طيّه إلى أجل غير مُسمّى.
اغتيال الشهبندر
وفي 6 حزيران 1940، اغتيل عبد الرحمن الشهبندر في عيادته الطبية بدمشق، ووجهت أصابع الاتهام إلى جميل مردم بك ورفاقه في الكتلة، سعد الله الجابري ولطفي الحفار. كان هذا الاتهام السريع ناتجاً عن الخصومة التاريخية بينهم وبين الشهبندر وقبل ساعات قليلة من صدور مذكرة الاعتقال، هرب ثلاثتهم إلى العراق. جرت محاكمتهم غيابياً بدمشق بتهمة التحريض على القتل وأفاد أحد الجناة بأن جميل مردم بك هو الذي مول عملية الاغتيال وخطط لها عن طريق مدير مكتبه عاصم النائلي. ولكن المحكمة المختصة بقضية الشهبندر أصدرت حكماً ببراءة مردم بك والجابري والحفار، فعادوا إلى دمشق بعد إسقاط جميع التهم الموجهة إليهم.
وزيراً للخارجية (1943-1945)
عاد جميل مردم بك إلى نشاطه السياسي ورشح نفسه في انتخابات عام 1943، ليفوز مجدداً بالنيابة عن دمشق. وفي 17 آب 1943 انتخب زميله شكري القوتلي رئيساً للجمهورية وعُيّن مردم بك سفيراً في مصر للإشراف على تأسيس جامعة الدول العربية. سمّي بعدها وزيراً للخارجية في حكومة سعد الله الجابري وفي 14 تشرين الأول 1944، تسلّم حقائب الاقتصاد والدفاع في حكومة الرئيس فارس الخوري، إضافة إلى حقيبة الخارجية. وعند سفر الخوري إلى الولايات المتحدة للمشاركة في تأسيس منظمة الأمم المتحدة في نيسان 1945، ناب عنه جميل مردم بك في رئاسة الحكومة.
قصف دمشق في 29 أيار 1945
وفي 29 أيار 1945، دعا رئيس مجلس النواب سعد الله الجابري إلى جلسة برلمانية للاستماع إلى شرح مفصل من جميل مردم بك حول آخر التطورات المتعلقة بالمفاوضات مع فرنسا. حضر مردم بك إلى مجلس النواب، فوجد عدداً كبيراً من الجنود السنغال، وهم عناصر جيش الشرق الفرنسي في سورية، محيطين بالبناء ومنتشرين في جادة الصالحية وشارع العابد. علِم أن الجلسة قد أجّلت بسبب عدم توفر نصاب قانوني، فاستأذن وعاد إلى مكتبه في السراي الحكومي، مستعملاً الباب الخلفي لمبنى البرلمان. بعد دقائق بدأ القصف الفرنسي على مجلس النواب، اقتحمه الجنود بنية اعتقال مردم بك والجابري، الذي كان قد غادر المبنى من الباب الخلفي نفسه. وعندما لم يجدوهما أحرقوا المبنى وصادروا أوراق رئيسه. ثم توجهت نيران المدافع إلى السراي، بعد وصول مردم بك إليه.
بقي مردم بك صادماً حتى قدوم الليل وغادر دار الحكومة تحت جنح الظلام متجهاً إلى قصر الرئيس خالد العظم في سوق ساروجا، الذي فتح أبوابه أمام الضيوف الهاربين من النيران الفرنسية، من وزراء ونواب وعناصر من الشرطة والدرك. وعندما عرف الفرنسيون مكان وجوده قصفوا ساروجا من الجو، مخلفين دماراً كبيراً في أبنيته التاريخية.
بعث مردم بك برسائل إلى دول الجوار مناشداً دعم العرب لمواجهة العدوان، وسافر سعد الله الجابري إلى القاهرة للاحتجاج أمام مجلس جامعة الدول العربية. وفي 1 حزيران 1945، صدر إنذار عن رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل، طالب بوقف العدوان الفرنسي وبدء انسحاب الفرنسيين عن سورية. قاد جميل مردم بك المفاوضات النهائية مع فرنسا لتسلّم المصالح المشتركة من سلطة الانتداب، من مطارات مدنية وعسكرية وثكنات ومؤسسات اقتصادية كمصلحة التبغ وشركة الكهرباء. وفي 17 نيسان 1946، احتفلت سورية بجلاء القوات الفرنسية عن أراضيها وشارك جميل مردم بك بالعيد الوطني كأحد الآباء المؤسسين للدولة السورية الحديثة.
الحكومة المردمية الثالثة (28 كانون الأول 1946 – 6 تشرين الأول 1947)
وفي مطلع عهد الاستقلال، عاد مردم بك إلى صدارة المشهد السياسي عبر مشاركته في تأسيس الحزب الوطني، وهو الحزب السياسي الذي أنشئ على أنقاض الكتلة الوطنية، وكان برئاسة سعد الله الجابري. وفي كانون الأول 1946 كلفه القوتلي بتشكيل حكومة جديدة إثر مرض الجابري، الذي توفي بعدها بأشهر قليلة. عُدّل الدستور السوري للسماح للقوتلي بولاية رئاسية جديدة، ما أثار حفيظة الطبقة السياسية في حلب وساهم في ولادة حزب الشعب المناهض للحزب الوطني. حاول مردم بك استيعاب قادة حزب الشعب وعرض عليهم المشاركة في حكومته الرابعة ولكنهم رفضوا.
وقد شهدت هذه الحكومة صدور قرار تقسيم فلسطين وإنشاء جيش الإنقاذ قبل الإعلان عن ولادة دولة إسرائيل في 14 أيار 1948 ودخول الجيش السوري إلى ميدان المعركة، بعد تسمية مردم بك حاكماً عرفياً على سورية. وكان مردم بك أول من أقرّ التجنيد الإجباري نهاية العام 1946، تحسباً لدخول سورية الحرب الفلسطينية، وعند استقالة وزير الدفاع أحمد الشرباتي من منصبه في 25 أيار 1948، تسلّم حقيبة الدفاع بنفسه لغاية خروجه من الحكم نهاية ذلك العام.
الحكومة المردمية الخامسة والأخيرة (22 آب 1948 – 16 كانون الأول 1948)
عدّل مردم بك حكومته يوم 22 آب 1948، مستحدثاً منصب نائب رئيس الوزراء، الذي ذهب إلى صديقه القديم لطفي الحفار، أحد أركان الحزب الوطني. وجهت اتهامات إلى الحكومة المردمية الخامسة بالتقصير في حرب فلسطين وعدم تسليح الجيش للقيام بمهامه. اصطدم مردم بك ببعض الضباط، وبناء على الأحكام العرفية، عطّل عدد من الصحف اليومية وأمر باعتقال بعض المعارضين والمحرضين ضده، وفي مقدمتهم ميشيل عفلق، مؤسس حزب البعث.
أدت هذه التصرفات إلى استقالة نائب رئيس الحكومة لطفي الحفار ووزير الداخلية صبري العسلي من مناصبهم في 9 تشرين الثاني 1948، وتبعهم بعد عشرة أيام وزير المالية وهبي الحريري، ما أفقد الحكومة نصابها الدستوري. وفي 16 كانون الأول 1948، قدم جميل مردم بك استقالة حكومته إلى رئيس الجمهورية شكري القوتلي، معلناً اعتزاله العمل السياسي نظراً لهزيمة الجيوش العربية، ورأى أنه يتحمل جزءاً من مسؤولية ما حدث في فلسطين.
السنوات الأخيرة
عاش جميل مردم بك سنواته الأخيرة في القاهرة حيث تعرف على الرئيس جمال عبد الناصر. حاول عبد الناصر إقناعه بالعودة إلى سورية والترشح لرئاسة الجمهورية سنة 1955، ولكنه رفض ونشر تصريحاً في الصحف السورية والمصرية مشدداً على اعتزاله العمل السياسي بشكل قاطع ونهائي. وكان آخر ظهور له في شباط 1958، عندما دُعي إلى حضور مراسيم توقيع ميثاق الجمهورية العربية المتحدة في القاهرة، حيث وقف خلف عبد الناصر وصديقه القديم الرئيس شكري القوتلي.
الوفاة
توفي جميل مردم بك في القاهرة عن عمر ناهز 65 عاماً يوم 28 آذار 1960، وأعيد جثمانه إلى دمشق حيث ووري الثرى في مدافن الأُسرة المردمية.
أوراق جميل مردم بك
ترك جميل مردم بك مجموعة من الأوراق والمُذكّرات، نشرت ابنته الوحيدة سلمى مردم بك بعضاً منها في كتاب أوراق جميل مردم بك الصادر سنة 1994. تُرجم الكتاب إلى اللغة الإنجليزية، وتقدمت به سلمى مردم بك لنيل شهادة الماجستير من جامعة أوكسفورد، ولكنها رحلت سنة 1996 قبل نشر بقية المذكرات والأوراق.
المناصب
وزيراً للمالية (15 حزيران 1932 – 19 نيسان 1933)
- سبقه في المنصب: توفيق شامية
- خلفه في المنصب: شاكر نعمت الشيباني
وزيراً للزراعة بالوكالة (15 حزيران 1932 – 19 نيسان 1933)
- سبقه في المنصب: بديع مؤيد العظم
- خلفه في المنصب: يحيى الأطه لي
رئيساً للحكومة السورية (21 كانون الأول 1936 – 23 شباط 1939)
- سبقه في المنصب: عطا الأيوبي
- خلفه في المنصب: لطفي الحفار
وزيراً للخارجية (19 آب 1943 – 24 آب 1945)
- سبقه في المنصب: نعيم أنطاكي
- خلفه في المنصب: ميخائيل إليان
وزيراً للدفاع (14 تشرين الثاني 1944 – 7 نيسان 1945)
- سبقه في المنصب: نصوحي البخاري
- خلفه في المنصب: لا يوجد
وزيراً للاقتصاد (14 تشرين الثاني 1944 – 7 نيسان 1945)
- سبقه في المنصب: لا يوجد
- خلفه في المنصب: أحمد الشرباتي
رئيساً للحكومة السورية (28 كانون الأول 1946 – 16 كانون الأول 1948)
- سبقه في المنصب: سعد الله الجابري
- خلفه في المنصب: خالد العظم
وزيراً للدفاع (25 أيار– 16 كانون الأول 1948)
- سبقه في المنصب: أحمد الشرباتي
- خلفه في المنصب: خالد العظم
حاكم سورية العرفي (25 أيار – 16 كانون الأول 1948
- سبقه في المنصب: لا يوجد
- خلفه في المنصب: لا يوجد