الشهر: مارس 2021

  • أبو خليل القباني

     

    أبو خليل القباني
    أبو خليل القباني

    أحمد بن محمد آغا القباني (1833-1903) رائد الفنون في سورية ومؤسس المسرح الغنائي في الوطن العربي. لعب دوراً ريادياً في تأسيس المسرح الدمشقي خلال النصف الثاني من القرن العشرين وأثر كثيراً بالفن المصري من خلال سنوات عمله في القاهرة.

    البداية

    ولِد أحمد أبو خليل القباني في حيّ الشاغور بدمشق سنة 1833 وتلقى علوماً دينية في صغره وعند ختمه القرآن الكريم، زار مفتي دمشق الشّيخ محمود الحمزاوي دار القباني في حيّ مئذنة الشحم لتهنئة والده على هذا الإنجاز، مُتمنياً على القباني الفتى أن يسلك طريق العِلم أو أن يصبح تاجراً مثل مُعظم أفراد أسرته.

    ولكن ميوله الفنية كانت قد بدأت تظهر من خلال زياراته السريّة والمتكررة إلى مقهى العمارة، حيث كان يشاهد عروض “كراكوز وعيواظ” (خيال الظلّ) التي كانت رائجة في دمشق يومها، كونها وسيلة الترفيه الوحيدة المتاحة أمام الناس.

    عندما وصل هذا الخبر إلى مسامع شيوخه، غضبوا منه وطردوه من حلقات التدريس في الجامع الأموي، بحجة أنه قد أصبح من رواد المقاهي، وأن من يسلك هذا الطريق لا مكان له في عالم المساجد. وفي أحد الأيام، دخل والده إلى غرفته فوجده يمارس التمثيل أمام المرآة، أو “التشخيص” كما كان أهل الشّام يسمونها، فقام بطرده من المنزل وقطع المصروف عنه.(1)

    طريق الفن

    قرر القباني أن يمتهن التمثيل والغناء والتأليف المسرحي، ضارباً بعرض الحائط كل ما سيُقال عنه في مجتمع دمشق المحافظ. استأجر محلاً لوزن القبّان، وصار يصرف من عائداته على تطوير موهبته، وعرف من يومها بلقب “القباني،” عِلماً أن أفراد الأسرة من قبله كانوا يعرفون باسمهم الأصلي: آل أق بيق.(2)

    لقي دعماً من والي الشّام صبحي باشا، الذي كان قد حضر عروض المسرح الفرنسي في اسطنبول وأعجب بهذا الفن، فقرر أن يتبناه ويشجعه في دمشق عند تعيينه حاكماً عليها عام 1871. كانت أولى عروض القباني المدعومة من الوالي مسرحية قصيرة قُدمت في خان العصرونية ذلك العام، وانتقل مسرحه بعدها إلى سجن مهجور في محلّة القنوات، ثم إلى خان الجمرك، بين سوق الحرير وباب البريد.(3)

    القباني في زمن مدحت باشا

    بعد سبع سنوات، حصل القباني على دعم إضافي من الوالي مدحت باشا، فقام بتأسيس مسرح صيفي لفرقته، كان مقره في حيّ باب توما المسيحي، بعيداً عن رجال الدين.

    كانت جميع العروض المسرحية من تأليفه وتلحينه وتمثيله، حيث اعتمدت كثيراً في بداياتها على المسرح الأوروبي، ثم صار يقدم عروضاً أقرب إلى الحياة اليومية، مستوحاة من التراث العربي، تتخللها فقرات غنائية وعدد من الموشحات والأدوار. قدم كل الوصلات الغنائية بنفسه، ليكون مؤسس المسرح الغنائي (الميوزيكال) ليس فقط في دمشق بل في العالم العربي.

    وضع خلال مسيرته الفنية أكثر من ثمانين عملاً، ضاع معظمها بسبب أسفاره المتعددة. استعان بالطقوس الدينية، بما فيها من أناشيد وأدعية، وقام بنقلها من زوايا دمشق إلى خشبات مسارحها، لتكون عرضة لتأمل الجمهور ونقده، مما ضاعف من نقمة رجال الدين عليه، وكان على رأسهم الشّيخ سعيد الغبرا، أحد المُدرسين القدامى في الجامع الأموي.

    وزاد من حفيظتهم أن معظم أعمال القباني كانت تحكي عن الحب في علاقات خارجة عن المؤسسة الزوجية، الأمر الذي أعتبره رجال الدين مخلاً بالآداب العامة.(4)

    حاول القباني إقناعهم بالحوار، ولكنهم رفضوا الاستماع إليه، فعرض عليهم مشاركتهم بعائدات شباك التذاكر، وقدم لهم بطاقات مجانية لكي يشاهدوا ما كان يحتوي مسرحه من قيم وعبر أخلاقية، ولكنهم رفضوا التعاون معه. وحده المفتي محمود الحمزاوي، صديق أبيه، قبل الدعوة ولباها.(5)

    فرقة القباني

    استطاعت فرقة القباني، بالرغم من كل الضغوط المالية والاجتماعية، أن تستقطب أبناء كبرى العائلات الدمشقية إلى صفوفها، وكان على رأسهم الممثل الشاب عطا الأيوبي، الذي عرفه السوريون لاحقاً كأحد زعماء البلاد، والذي أصبح رئيساً للوزراء في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين.

    كما ضمّت فرقة القباني نقولا شاهين، أحد أبناء حيّ القيمرية الذي دخل سلك الشرطة لاحقاً وصار مديراُ لشرطة دمشق في زمن الانتداب الفرنسي.(6) كما ضمت داوود خوري، وهو ابن موظف رفيع في الحكومة، وصالح درويش، الذي صار من أشهر أطباء الأسنان في سورية.

    لم يكن بين أركان فرقته أي عنصر نسائي، نظراً لعدم دخول السيدات إلى عالم التمثيل، فكان القباني يطلب من الممثلين الذكور تقديم الأدوار النسائية، ولم يتردد أي منهم في ذلك، بالرغم من استهجان المجتمع ودعوات الإغلاق المتكررة التي ظهرت في خطب الجوامع، لأن الرجال صاروا، وبفضل القباني، “يتشبهون بالنساء.” كان هذا الأمر، دينياً، يُعتبر من الكبائر.

    المواجهة مع رجال الدين

    تداعى رجال الدين إلى تكفيره، وكانوا يرسلون الفتية والأشقياء لشتمه في حارات الشّام، يلاحقونه في الطرقات ويصرخون: “كافر…ماجن…زنديق!” ذهب الشيخ سعيد الغبرا إلى اسطنبول ووقف على أبواب الجامع، منتظراً خروج السلطان عبد الحميد الثاني. ثم خاطبه قائلاً: “أدركنا يا أمير المؤمنين. فإن الفسق والفجور قد تفشيا في الشّام!” قدم معروضاً للسلطان، باسم “الأئمة والعلماء،” أدى إلى إغلاق مسرح القباني بفرمان سلطاني.

    المرحلة المصرية

    لم يستسلم القباني فشدّ رحاله مع المغامرين من أعضاء فرقته متجهاً إلى مصر، حيث كانت الفنون وكان المسرح أكثر رواجاً وتقبلاً بين الناس. بواسطة تاجر حلبي مقيم في الإسكندرية إجتمع فور وصوله بالخديوي توفيق، الذي وضع مسرح الأوبرا الشهير في القاهرة تحت تصرفه بشكل مجاني، وقدم له قطعة أرض في ميدان العتبة الخضراء لكي يبني مسرحاً جديداً عليها.(7)

    ولإضفاء شرعية كاملة على عمله، ولكي لا يتعرض له أحد المشايخ المصريين، قام الخديوي توفيق بحضور عرض مسرحية “الحاكم بأمر الله،” برفقة رجالات الدولة المصرية.(8)

    لم يحميه هذا الدعم من شيوخ مصر، الذين هاجموه بقسوة كما هاجمه علماء الشّام من قبلهم، وشنت جريدة الزمان القاهرية حملة عنيفة ضده، جاء في إحدى مقالاتها:

    وقد رأينا أول أمس ما تقشعرُّ منه الأبدان إذ كان رجال حالقون لشواربهم ولحاهم يقفون موقف النساء. وسمعنا البعض يصرخ من اللوجات: يا قلبي يا روحي” وما أشبه ذلك من الألفاظ التي لا تقال في محفل أدبي. فكيف بالله يرجى الإصلاح من منبع الفساد وكيف يُؤمن الآداب من عملٍ ليس إلّا قلّة حياء؟ ويا ليت أصحابنا اقتصروا على ملابس النساء أو حركات الفاضلات النازلات في مقام التشخيص بل رأينا منهم من التهتك وخلع العذار والإفراط في الغنج وعدم المبالاة بالآداب ما ألجأنا أن نحرم حضور الناس لتشخيصهم. على أن هؤلاء المشخصين ليسوا بمصريين بل هم بعض المطرودين من سورية.(9)

    ذات يوم وخلال تواجد القباني مع فرقته في مدينة المينا، قام مجهولون بحرق مسرحه، وعند محاولته استئجار موقع جديد، رفض المصريون التعاون معه، لأنه شامي، وكان ذلك بتحريض من نجوم مصر الذين بدؤوا يغارون من نجاحاته المتكررة ويرغبون بإقصائه عن أرض مصر. فشد الرحال عائداً إلى دمشق 1900.

    زيارة الولايات المتحدة الأميركية

    قبل توجهه إلى دمشق، سافر إلى مدينة شيكاغو في الولايات المتحدة سنة 1893 لحضور المعرض العالمي المقام هناك، وبقي فيها مدة ستة أشهر. وفي أمريكا تعلم القباني الكثير، فكان التسجيل الصوتي قد طرح للعوام واستطاع القباني أن يستمع لنفسه، ليعيد ويكرر ويطور نبرات صوته واداءه.

    رُتّب بعدها لقاء وديّاً بينه وبين السلطان عبد الحميد الثاني، الذي أدرك أنه ظلم القباني في الماضي، فامر الوالي ومجلس الولاية بعدم التعرض له بتاتاً، وكان هذا بترتيب من مستشار السلطان الدمشقي أحمد عزت العابد.

    السنوات الأخيرة

    أدى عروضه الآخيرة بدمشق في منزل صديقه ابراهيم نقاش، يوم زفاف ابنه الوحيد في 10 حزيران 1901. وحينما دخلت صبية تحمل الخمور للضيوف، واستثنت القباني، نظراً للفته البيضاء الكبيرة. فقال لها مبتسماً: “يا فتنة للناظرين، لماذا لم تقدمي لي الشراب أسوة بالخاضرين؟(10) أجابت: “لأنك مُسلم والخمر محرم عندكم.” هنا مسك بعوده وأعطى إشارة للعازفين، وردّ عليها غناءً بالقول:

    رب ساق قام يسعى        صاد قلبي بالذوائب

    قلت ناوليني الحميا          قال كلا أنت تائب

    قلت لما تبّت عنها            كان هذا الحسن غائب.

    لم يستمر مسرح القباني في دمشق إلّا سنة وأحد عشر شهراً، وكان عمر فترته في مصر أطول بكثير، وصل إلى 17 عاماً من العطاء، كان يقدم فيها أربعة أعمال في السنة الواحدة. مع ذلك، استطاع أن يُشرع مهنة التمثيل في مدينته، بالرغم من كل المضايقات، محدثاً زلزالاً في المجتمع الدمشقي.

    الوفاة

    توفي أبو خليل القباني في دمشق  إثر اصابته بمرض الطاعون في 15 كانون الثاني سنة 1903.

    تكريم القباني وتخليد ذكره

    في محاولة لإحياء عمل من أعمال أبو خليل القباني ووضعه ضمن رؤية معاصرة، اختار الكاتب سعد الله ونوس مسرحيتي “هارون الرشيد مع غانم بن أيوب وقوت القلوب” لتكونا جزءً من عمل وضعه سنة 1973 بعنوان “سهرة مع أبي خليل القباني.”

    وفي سنة 2010 اُنتخ مسلسل تلفزيوني عن سيرة حياته، كتبه خيري الذهبي وأخرجته إيناس حقي، لعب فيه الفنان باسل خياط شخصية أبو خليل. وقد جسد الشخصية أيضاً الفنان أسامة الروماني في إحدى احتفاليات دمشق المسرحية. كما غنى المطرب صباح فخري أشهر ألحان وكلمات القباني في “صيد العصاري” و”يا مال الشّام.”

    وقد اُطلق اسم القباني على أحد أشهر مسارح دمشق، وعلى شارع في مدينة الاسكندرية القديمة، وصدرت عنه عدة كتب ودراسات منها “رائد المسرح العربيلعبد الفتاح قلعة جي (دمشق 2000)، و”رائد المسرح الغنائي العربي لعادل أبو شنب (دمشق 2005) و”أبو خليل القباني: ريادة التجاوز” لمحمد بري العواني (دمشق 2010).

    وفي سنة 2018 صدر كتابان قيمان عن القباني، للباحث والروائي تيسير خلف، الأول بعنوان “وقائع مسرح أبي خليل القباني في دمشق” والثاني “من دمشق إلى شيكاغو: رحلة أبي خليل القباني إلى أميركا 1893.”

     

     

     

     

  • سلمى الحفار الكزبري

    سلمى الحفار الكزبري
    سلمى الحفار الكزبري

    سلمى الحفار الكزبري (1923 – 11 آب 2006)، كاتبة سورية من رائدات عصرها، تنوّع نتاجها الأدبي بين القصة القصيرة والرواية والسيرة والشعر والدراسة والتحقيق، وهي ابنة لطفي الحفار، أحد الآباء المؤسسين للدولة السورية الحديثة. جمعت أوراقه وأصدرتها في كتاب قيم عن حياته وفي سنة 1995 نالت جائزة جائزة الملك فيصل العالمية لعلمها الدؤوب في توثيق حياة الأديبة الفلسطينية مي زيادة وجمع مراسلاتها مع جبران خليل جبران.

    البداية

    ولِدت سلمى الحفار في دمشق ودَرَست في مدرسة الفرنسيسكان وفي الجامعة اليسوعيّة في بيروت. ترعرعت في كنف أمها مسرة السقطي والدها والذي رافقته إلى منفاه في لبنان وهي طفلة، عند إبعاده عن دمشق بسبب تواصله مع قادة الثورة السورية الكبرى سنة 1926.

    يوميات هالة

    وعند نفي والدها مجدداً إلى العراق سنة 1940، بتهمة مقتل عبد الرحمن الشهبندر، تأثرت الحفار كثيراً ووضعت أولى رواياتها بعنوان يوميات هالة، تحدثت فيها عن الظلم الكبير الذي تعرض له لطفي الحفار يوم إلصاق هذه التهمة به وبرفاقه في الكتلة الوطنية. وعند صدور الكتاب سنة 1950 أهدته إلى روح سعد الله الجابري، صديق أبيها وأحد المتهمين الثلاث بجريمة مقتل الشهبندر.

    الحياة الزوجية

    تزوّجت سلمى الحفار سنة 1941 من محمد كرامي، شقيق  عبد الحميد كرامي رئيس وزراء لبنان، وبعد وفاته المُبكر، اقترنت بالدبلوماسي السوري نادر الكزبري عام 1948، لتُعرف من بعدها باسمها الكامل: “سلمى الحفار الكزبري” وهو الاسم الذي رافق معظم كتاباتها ونتاجها الأدبي من يومها.

    كلمة لسلمى الحفار سنة 1949 وتجلس إلى جانبها نوران باقي حرم حسني الزعيم.
    كلمة لسلمى الحفار سنة 1949 وتجلس إلى جانبها نوران باقي حرم حسني الزعيم.

    الحياة الأدبية

    بعد النجاح الذي حققته يوميات هالة، أصدرت سلمى مجموعة قصصية بعنوان حرمان سنة 1952، تلتها مجموعة ثانية باسم زوايا، صدرت بدمشق عام 1955. وفي سنة 1961 وضعت عملاً أدبياً عن رائدات الفكر في العالم العربي بعنوان نساء متفوقات، قدّم له الدكتور قسطنطين زريق، رئيس الجامعة الأميركية في بيروت.

    وفي سنة 1965 صدر كتابها الشهير عينان من أشبيليا وبعدها بعام كانت مجموعة قصصية ثالثة بعنوان الغريبة. وفي سنة 1971 أصدرت سيرتها الذاتية بعنوان عنبر ورماد، تلاها كتاب في ظلال الأندلس، وهو عبارة عن مجموعة محاضرات كانت قد ألقتها في سورية وإسبانيا وتونس. ضمّ الكتاب نص محاضرة عن المرأة العربية، أُلقيت باللغة الإسبانية في مدريد سنة  1963 ومحاضرة ثانية عن الشاعرة الأندلسية ولادة بنت المُستكفي، أُلقيت بالإسباني أيضاً سنة 1967، و”أثرنا في الأندلس” التي أُلقيت في المنتدى الاجتماعي بدمشق سنة 1965.

    بعدها كانت رواية البرتقال المر عن مأساة الشعب الفلسطيني، والتي صدرت عن دار النهار في بيروت سنة 1975. وفي العام 1993 نشرت مجموعة ثانية من محاضراتها عن الأندلس في كتاب بصمات عربية ودمشقية على الأندلس، الذي صدر عن  وزارة الثقافة السورية. وفي سنة 1986 جاء كتاب حزن الأشجار، تلاه الحب بعد الخمسين سنة 1989. كما أصدرت ثلاثة دواوين باللغة الفرنسية :”الوردة الوحيدة” (1958)، “نفحات الأمس” (1966)، و”بوح،” إضافة إلى مجموعة شعرية كتبتها باللغة الإسبانية “عشية الرحيل.”

    جمعت سلمى الحفار كل أوراق ومراسلات أبيها في كتاب لطفي الحفار: مذكراته، حياته، وعصره، قامت بتحقيقه وتذيله بأدق الملاحظات، ونشرته في لندن سنة 1997. وفي عام 2001 جمعت الرسالة المتبادلة بينها وبين صديقها الشاعر نزار قباني عندما كان يعمل مع زوجها في السفارة السورية في مدريد، وأصدرتها بكتاب ذكريات إسبانية وأندلسية مع نزار قباني.

    سلمى الحفار مع زوجها السفير نادر الكزبري ونزار قباني في مدريد في أيار 1963.
    سلمى الحفار مع زوجها السفير نادر الكزبري ونزار قباني في مدريد في أيار 1963.

    مع ومي زيادة

    وكان لسلمى الحفار عدة محطات أدبية هامة مع الأديبة الفلسطينية مي زيادة التي قامت بتوثيق حياتها ومراسلاتها مع جبران خليل جبران في كتاب مي زيادة و مأساة النبوغ الصادر في بيروت سنة 1987. ثم كان كتاب الشعلة الزرقاء الذي جمعت فبه وحررت رسائل جبران إلى مي زيادة، تلاه كتاب رسائل مي زيادة إلى أعلام عصرها الصادر في بيروت أيضاً سنة 1982. وبناء على ما قدمته سلمى الحفّار الكزبري عن حياة مي زيادة منحت جائزة الملك فيصل العالمية سنة 1995.

    التكريم

    وقبل جائزة الملك فيصل كانت سلمى الخفار نالت وسام من الحكومة الإسبانية إلى جانب جائزة شريط السيدة سنة 1965، ومنحتها جامعة باليرمو في صقلية جائزة البحر المتوسط تقديراً لأعمالها سنة 1980.

    الوفاة

    توفيت سلمى الحفّار الكزبري في بيروت عن عمر ناهز 83 عاماً يوم 11 آب 2006.

    أوراق سلمى الحفار

    وفي سنة 2019 قدّمت عائلة سلمى الحفار كل أوراقها ومخطوطاتها إلى جامعة براون في الولايات المتحدة الأمريكية، لتكون متاحة أمام الطلاب والباحثين.

  • أبو الخير الميداني

    الشيخ أبو الخير الميداني
    الشيخ أبو الخير الميداني

    محمد بن محمد بن حسين الميداني (1875- 4 آذار 1961)، الشهير بأبي الخير الميداني، عالم وفقيه حنفي من دمشق، أسس رابطة العلماء وكان رئيساً لها من سنة 1954 ولغاية عام 1960.

    البداية

    ولد أبو الخير الميداني في حيّ الميدان ودَرس في المدرسة الرشدية العسكرية في محلّة البحصة ثم في مكتب عنبر. أرادت أمه أن يصبح ضابطاً في الجيش العثماني والتحق بالمدرسة الحربية في إسطنبول ولكنه سرعان ما تخلّى عن حلمه وعاد إلى دمشق لدراسة علوم الشريعة. قرأ السيرة النبوية عند الشّيخ سليم المسوتي في جامع التوبة وبدأ حياته خطيباً في الجامع نفسه.

    رابطة العلماء

    بالتعاون مع 87 عالم من أعلام دمشق أسس رابطة العلماء وانتخب رئيساً لها من سنة 1954 ولغاية عام 1960. انتخب الشيّخ مكي الكتاني نائباً له وضمت الجمعية علماء كبار مثل الشيخ حسن حبنكة والشيخ حسين خطاب ومفتي دمشق الشيخ أحمد كفتارو ومفني سورية الدكتور أبو اليسر عابدين.

    الوفاة

    توفي الشّيخ أبو الخير الميداني في منزله الكائن في منطقة العقيبة عن عمر ناهز 86 عاماً يوم 4 آذار 1961.

    المناصب

    رئيس رابطة العلماء (1954-1960)

     

     

     

  • الأمير مصطفى الشهابي

    الأمير مصطفى الشهابي
    الأمير مصطفى الشهابي

    مصطفى بن الأمير محمد سعيد الشهابي (1 تشرين الثاني 1893 – 13 أيار 1968)، خبير زراعي ورجل دولة، كان وزيراً للمعارف والمالية في زمن الانتداب الفرنسي قبل تسلمه وزارة العدل في بداية مرحلة الاستقلال. شارك في مفاوضات الاستقلال الأولى سنة 1936 وعُيّن محافظاً في حلب واللاذقية في عهد الكتلة الوطنية، وكان آخر سفير سوري في القاهرة قبل سقوط الحكم الملكي سنة 1952. انتُخب رئيساً لمجمع اللغة العربية بدمشق من سنة 1959 ولغاية وفاته عام 1968.

    البداية

    ولد الأمير مصطفى الشهابي في قرية حاصبيا ودرس في المدرسة البطريركية الكاثوليكية بدمشق، ثمّ في مكتب عنبر. سافر بعدها إلى فرنسا لدراسة الهندسة الزراعية في جامعة باريس، ثم دخل كلية إسطنبول الحربية وتخرج برتبة وكيل ضابط. عُيّن قائداً لسرية البرق في القدس، ثمّ مديراً للشؤون الزراعية في الجيش العثماني الرابع خلال الحرب العالمية الأولى.

    وعند انهيار الحكم العثماني في سورية نهاية شهر أيلول 1918 قرر الأمير الشهابي البقاء في دمشق وسمّي مُديراً لشؤون الزراعة والحراج في عهد الملك فيصل الأول. ومع بداية الانتداب الفرنسي عام 1920 عُيّن مديراً لأملاك الدولة حتى سنة 1935، عندما صدر قرار من قبل رئيس الجمهورية محمد علي العابد بتسميته مديراً للاقتصاد الوطني ثم وزيراً للمعارف في حكومة عطا الأيوبي الأولى في شباط 1936.

    مفاوضات باريس سنة 1936

    وقد سمّي الوزير الشهابي عضواً في الوفد السوري الذي توجه إلى باريس لمناقشة مستقل الانتداب الفرنسي في سورية، وكان برئاسة هاشم الأتاسي، زعيم الكتلة الوطنية. شارك في صياغة معاهدة عام 1936 التي أدت إلى استقالة العابد وانتخاب الأتاسي رئيساً للجمهورية في كانون الأول 1936. عينه الرئيس الأتاسي محافظاً لمدينة حلب، بتزكية من زعيمها سعد الله الجابري، الذي تولّى حقيبة الخارجية في عهدالكتلة الوطنية. ولكن العهد الجديد انهار بسرعة سنة 1939 بسبب رفض البرلمان الفرنسي المصادقة على معاهد عام 1936.

    في الحرب العالمية الثانية

    وفي كانون الأول 1943، عُيّن الأمير مصطفى الشهابي وزيراً للمالية في حكومة جميل الألشي أولاً، ثم في وزارة عطا الأيوبي في آذار 1943. أشرفت هذه الحكومة على الانتخابات التي أوصلت شكري القوتلي إلى رئاسة الجمهورية في 17 آب 1943، والذي أصدر مرسوماً فور انتخابه بتعيين الشهابي محافظاً لمدينة اللاذقية. في سنة 1945، عينه رئيس الحكومة سعد الله الجابري أميناً عاماً على السراي الكبير (دار الحكومة)، ليعود إلى اللاذقية محافظاً بعد نهابة الانتداب عام  1946. وقد بقي الشهابي في منصبه حتى سقوط حكم القوتلي إبان الانقلاب الأول في 29 آذار 1949.

    وزيراً مغوضاً في مصر

    وبعد انتخاب حسني الزعيم رئيساً للجمهورية في 26 حزيران 1949، شكلت حكومة برئاسة الدكتور محسن البرازي، سمّي فيها الأمير مصطفى وزيراً للعدل حتى 14 آب 1949. وبعد زوال حكم الزعيم ومقتله مع البرازي، أعيدت الحياة النيابية  إلى سورية وانتُخب هاشم الأتاسي مجدداً رئيساً للجمهورية فقام بتعيين الأمير الشهابي وزيراً مفوضاً في مصر سنة 1951، ليكون شاهداً على ثورة الضباط الأحرار في 23 تموز 1952. وقد قلّده الرئيس المصري اللواء محمد نجيب الوشاح الأكبر مع الرصيعة من وسام النيل.

    في مجمع اللغة العربية

    بعد انتهاء خدمته في مصر عاد الشهابي إلى سورية وتفرغ لأعماله في مجمع اللغة العربية، الذي كان قد انتُخب عضواً فيه منذ سنة 1926. ثم أصبح نائباً للرئيس سنة 1956 وبعدها بثلاث سنوات، انتُخب رئيساً للمجمع بالإجماع، خلفاً للشاعر خليل مردم بك.

    مؤلفاته

    وضع مصطفى الشهابي كتباً ودراسات متنوعة خلال حياته المديدة، منها:

    الوفاة

    توفي الأمير مصطفى الشهابي عن عمر ناهز 75 عاماً يوم 13 أيار 1968 وأطلقت محافظة دمشق اسمه على أحد شوارع المدينة الرئيسية، الممتد بين شارع الملك العادل وشارع جول جمّال.

    المناصب

    وزيراً للمعارف (24 شباط – 21 كانون الاول 1936)
    محافظ حلب (1937-1939)
    وزيراً للمالية (8 كانون الثاني – 17 آب 1943)
    محافظ اللاذقية (1943 – 1946)
    محافظ اللاذقية (1948-1949)
    وزيراً للعدل (26 حزيران – 14 آب 1949)
    رئيس مجمع اللغة العربية (1959 – 1968)

     

  • شكيب الجابري

    شكيب الجابري
    شكيب الجابري

    شكيب بن مراد الجابري (19 كانون الثاني 1897 – 23 كانون الثاني 1980)، مهندس كيميائي وأديب سوري من حلب. أسس مجلات أدبية بدمشق وشغل عدة مناصب في حياته كان أهمها يوم تعيينه وزيراً مفوضاً في إيران في عهد الرئيس أديب الشيشكلي.

    البداية

    ولِد شفيق جبري في حلب وهو سليل عائلة سياسية عريقة عَمِلت في الشأن العام منذ منتصف القرن التاسع عشر. دَرَس في مدارس عاليه وفي الكليّة الإسلاميّة في بيروت، ثم سافر إلى سويسرا للدراسة في جامعة جنيف سنة 1930 وعمل سكرتيراً في عصبة الأمم، قبل توجهه إلى برلين لنيل شهادة الدكتوراه في الكيمياء. وقد لاحقته السلطات الفرنسية في سورية بسبب نشاطه في الحركة الوطنية مع عمّه سعد الله الجابري وباقي أفراد عائلة الجابري

    العمل الحكومي

    عاد شكيب الجابري إلى سورية بعد تعيين سعد الله الجابري رئيساً للحكومة سنة 1943 وسمّي مديراً للمطبوعات. ومن دمشق أصدر مجلّة ثقافية بعنوان “العالمان” ومجلّة ثانية بعنوان “أصداء” كانت تهدف إلى استقطاب الأقلام الشابة ولكنها لم تستمر طويلاً. وفي سنة 1945 عينه  الرئيس الجابريمديراً للمعادن في سورية، وبعدها بسبع سنوات، جاءت تسميته وزيراً مفوضاً في طهران في عهد لرئيس أديب الشيشكلي، الذي أراد فتح قنوات تعاون مع الحكومة الوطني التي قانت بقيادة الدكتور محمد مصدق.

    موقفه من الوحدة السورية – المصرية

    وفي سنة 1955 استدعي الجابري إلى دمشق وعُيّن مديراً لشركة الزجاج الوطنية. أيّد الوحدة السورية – المصرية عند قيامها ولكنه سرعان مع انقلب ضدها بسبب القرارات الاشتراكية التي صدرت عن الرئيس جمال عبد الناصر، ومنها قانون الإصلاح الزراعي في أيلول 1958 الذي طال أراضي آل الجابري في سورية، وقرارات التأميم سنة 1961 التي صادرت المصانع والمصارف الخاصة. ومع حلول سنة 1963 انتقل الجابري للعيش في السعودية وعُيّن مستشاراً للمك فيصل حتى استشهاده عام 1975.

    مؤلفاته

    شارك شكيب الجابري في تأسيس جمعية الأدباء العرب سنة 1957 وأصبح رئيساً لها حتى سنة 1961، وكان رئيساً لجمعية الفنون السورية منذ عام 1959. صدرت له أربع روايات، وهي:

    وله مؤلفات عِلمية كانت أقل رواجاً من نتاجه الأدبي، أهمها “تأثير الأوزون في مشتقات البترول” (دمشق 1937) و”مبادئ الفيزياء” (دمشق 1938).

    الوفاة

    توفي شكيب الجابري في السعودية عن عمر ناهز 84 عاماً يوم 13 تشرين الأول 1996.

    التكريم

    وفي سنة 2007 قامت وزارة الثقافة بجمع أعماله الكاملة وأطلقت اسمه على مهرجان الإبداع الروائي في حلب.

  • أبو اليسر عابدين

    المفتي الدكتور أبو اليسر عابدين
    المفتي الدكتور أبو اليسر عابدين

    أبو اليسر بن محمد أبو الخير عابدين (1889-2 أيار 1981)، طبيب وعالم وفقيه سوري من دمشق، تسلّم إفتاء الجمهورية السورية من سنة 1954 ولغاية عام 1963، مع انقطاع قصير في الأشهر الأخيرة من سنوات الوحدة السورية المصرية. مارس مهنة الطب طوال ثلاثين عاماً وكان مُدرّساً في الجامعة السورية وخطيباً في جامع الورد بحيّ سوق ساروجا. وهو أحد أعيان دمشق في النصف الأول من القرن العشرين.

    البداية

    ولد أبو اليسر عابدين في حي سوق ساروجا وكان والده الشيخ أبو الخير عابدين مفتياً بدمشق على في السنوات الأخيرة من الحكم العثماني ومطلع العهد الفيصلي. قرأ على يد أبيه وتولّى القضاء الشرعي في مدينة بعلبك سنة 1920، قبل أشهر من فصلها عن سورية وضمّها إلى دولة لبنان الكبير. انضم إلى الهيئة التدريسية في الجامعة السورية، مدرساً لمادة الأحكام الشرعيّة، ودرس في كلية الطب وتخرج فيها سنة 1926. عمل طبيباً طوال حياته، إضافة للتدريس في كليتي الطب والشريعة والخطابة في جامع الورد التي ورثها عن أبيه. وفي سنة 1949 عزله حسني الزعيم عن التدريس، بسبب رفضه تأييد الانقلاب الأول الذي أطاح بحكم رئيس الجمهورية شكري القوتلي.

    مفتياً للجمهورية السورية

    عاد الشيخ عابدين إلى التدريس بعد سقوط حكم الزعيم ومقتله في 14 آب 1949 وفي 12 حزيران 1953، انتخب مفتياً للجمهورية خلفاً للشّيخ محمد شكري الأسطواني. كان له دور بارز في تنظيم أسبوع التسلّح الذي دعا إليه الرئيس القوتلي بعد عودته إلى الحكم سنة 1956 وأيّد الوحدة السورية المصرية عند قيامها في 22 شباط 1958.

    لكنه اصطدم مع الرئيس جمال عبد الناصر في صيف العام 1961، يوم صدور قرارات التأميم بحق معظم المصانع والمنشآت الاقتصادية الكبرى. عدّ التأميم تعدياً على أرزاق السوريين وقالها جهارة للمشير عبد الحكيم عامر، ممثل عبد الناصر في سورية، الذي رد بعزله يوم 16 آب 1961، بعد ثلاثة أسابيع من صدور قرار التأميم وقبل شهر واحد من انقلاب الانفصال الذي أنهى الجمهورية العربية المتحدة.

    بارك الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الكريم النحلاوي في 28 أيلول 1961 وأعيد إلى منصبه بقرار من الدكتور ناظم القدسي يوم انتخابه رئيساً للجمهورية في منتصف شهر كانون الأول من العام نفسه. أصدر بيان تأييد لعهد الانفصال واتهم عبد الناصر بالخداع وقال إنه “تظاهر بالوطنية وإغناء الفقير، فأفقر الغنيّ وأمات الفقير.” وعندما وصل حزب البعث إلى الحكم سنة 1963، عزل عابدين عن منصبه مجدداً بتهمة تأييد “جريمة الانفصال” فانصرف للتدريس والخطابة.

    المؤلفات

    وضع المفتي أبو اليسر عابدين عدداً كبيراً من المؤلفات في حياته، كان من بينها:

    الوفاة

    توفي الشّيخ أبو اليسر عابدين بدمشق عن عمر ناهز 92 عاماً يوم 2 أيار 1981.

    عائلة المفتي

    اشتهر عدد من أقرباء المفتي عابدين في حياته ومن بعده، فكان ابنه محمد عزيز عضواً في الهيئة العليا لكبار عُلماء الشّام، وحفيده الدكتور يسار عابدين رئيساً لجامعة دمشق سنة 2020. أما شقيق المفتي محمد رشد عابدين فكان نائباً لرئيس محكمة التمييز ثمّ رئيساً لمحكمة النقض الشرعية وأصبح ابنه علاء الدين عابدين رئيساً لفرع حزب البعث بدمشق في السنوات 1979-2000.

    المناصب

    مفتي الجمهوية السورية (1954-1963)

     

  • نجيب الريس

    نجيب الريّس (1898 – 9 شباط 1952)، مؤسس جريدة القبس الدمشقية في زمن الانتداب الفرنسي وأحد قادة الحزب الوطني في مرحلة الاستقلال. انتسب إلى الكتلة الوطنية في شبابه وانتخب نائباً في البرلمان السورية سنة 1943. يُعدّ من أبرز الصحفيين السوريين في أربعينيات القرن العشرين وهو صاحب نشيد يا ظلام السجن خيّم ووالد الناشر والكاتب رياض الريّس.

    البداية

    ولِد نجيب الريّس في مدينة حماة ودرس في مدارسها الابتدائية قبل انتقاله إلى دمشق لدراسة الحقوق في الجامعة السورية. لم يكمل دراسته الجامعية وتفرغ باكراً للعمل الصحفي وبدأ حياته المهنية مراسلاً لجريدة النهار اللبنانية. عُرف بموقفه المعارض للانتداب الفرنسي، ما أدى إلى اعتقاله وسجنه في جزيرة أرواد سنة 1922، وفيه وضع نشيده الشهير يا ظلام السجن خيّم الذي أصبح من أشهر الأناشيد الوطنية في سورية، لا يضاهيه من حيث الشعبية والانتشار إلّا نشيد بلاد العرب أوطاني لصديقه في الحركة الوطنية فخري البارودي.

    مع القبس

    بعد خروجه من المعتقل أنضم الريّس سنة 1925 إلى صفوف حزب الشعب، بقيادة الزعيم الوطني عبد الرحمن الشهبندر وعمل رئيساً لتحرير صحيفة بريد الشرق الأسبوعية. وفي 1 أيلول 1928 أطلق صحيفة القبس اليومية التي صدرت بداية بصفحتين، خلافاً للأربع صفحات المتعارف عليها في الصحف السورية يومئذ، وكانت من القطع الصغير. وكانت القبس امتداداً لصحيفة المقتبس التي أوقفها صاحبها محمد كرد علي قبل بضعة أشهر ولصحيفة القبس القديمة التي ظهرت بدمشق سنة 1913 وكانت برئاسة المحامي شكري العسلي، أحد شهداء 6 أيار 1916. وضع الريّس صورة العسلي على غلاف العدد الأول من القبس ونظراً لخطها الوطني المتشدد حققت الصحيفة نجاحاً مبهراً في عامها الأول وأصبحت من أكثر الصحف السورية تداولاً وشهرة. وقد تعرضت للتعطيل مراراً في زمن الانتداب، أثناء حكم تاج الدين الحسني ثم في عهد رئيس حكومة المديرين بهيج الخطيب عام 1940.

    النشاط السياسي

    انضم نجيب الريّس إلى صفوف الكتلة الوطنية ودافع بشدّة عن المعاهدة التي أبرمتها في باريسمعاهدة عام 1936 – ما وضعه في مواجهة مباشرة مع حليف الأمس عبد الرحمن الشهبندر، المعارض للمعاهدة. شن الريّس هجوماً على منتقدي المعاهدة، وفي مقدمتهم الشهبندر، داعياً السوريين للاستثمار بعهد الكتلة ودعم حكومة الرئيس جميل مردم بك. وحذّر من مطامع الأتراك في سورية وكتب الكثير من منطقة لواء إسكندورن التي سُلخت عن الأراضي سورية في زمن الحكومة المردمية وألحقت بتركيا سنة 1939. جمعاً وضع نجيب الريّس 700 مقال في مرحلة الانتداب الفرنسي: 64 منها عن قضية اللواء السليب و 182 افتتاحية في شتى الأمور السياسية، نُشرت كلّها في القبس.

    الحزب الوطني

    انتخب الريّس نائباً في البرلمان السورية سنة 1943 – على قوائم الكتلة الوطنية – وبعد تحرير سورية من الانتداب الفرنسي وجلاء القوات الأجنبية عن أرضها سنة 1946 شارك في تأسيس الحزب الوطني وانتُخب عضواً في لجنته الدعائية وأميناً للسر في اللجنة السياسة.

    الريّس والماسونية

    انتسب نجيب الريّس في شبابه إلى عشيرة البنائين الأحرار  وكان عضواً في محفل قاسيون الدمشقي، قبل أن يُطرد منه وهو لايزال برتبة “المبتدئ” سنة 1925 لإفشاء أسرار الماسونية. كتم نشاطه الماسوني طيلة حياته وتوفي دون أن يعرف أحد عن عضويته في محفل قاسيون.  بعد رحيله بسنوات طويلة قامت الكتابة السورية سعاد جروس بجمع أوراقه في كتاب، ومنها رسالة طرده من المحفل. وعلى الرغم من وصف المحفل لهذا الطرد بالنهائي، إلا أنه تراجع ودعا نجيب الريّس لحضور إحدى حفلاته الخيرية بدمشق سنة 1934. وقد ورد اسمه في برنامج الحفل الموزع على الحضور بـصفة “الأخ” نجيب الريّس.

    معركة دستور عام 1950

    تعرض نجيب الريّس إلى مضايقات كبيرة في مرحلة الاستقلال، من قادة حزب الشعب أولاً المنافسين له وللحزب الوطني. جاء ذلك بعد وصولهم إلى الحكم سنة 1949 وسعيهم جاهدين لإلغاء امتياز القبس. واصطدم أيضاً مع جماعة الإخوان المسلمين بسبب معارضته لهم أثناء مناقشة دستور عام 1950. حاول نواب الإخوان فرض مادة دين الدولة على مسودة الدستور وكتب الريّس مقالاً مطولاً في القبس، جاء بعنوان “البلاد ليست لنا وحدنا.” دافع عن المسيحيين وحقوقهم السياسية في سورية، وطالب بسنّ دستور عصري يحترم “علمانية الدولة السورية”:

    لو كانت هذه البلاد للمسلمين وحدهم، لكانوا أحراراً في فرض دينهم على أنفسهم وعلى حكوماتهم وحكامهم، ولكن البلاد ليست لنا وحدنا، بل هي لنا ولغيرنا، وخصوصاً للنصارى الذين كانت لهم قبلنا، والذين دخلنا عليهم وهم فيها أصحاب دولة وملك ودين. حرمة الدين الإسلامي لا تكون بالنصوص والقوانين المفروضة، بل تكون بالتقوى والتمسك بتعاليم الدين، فلنكن متدينين أتقياء لا متعصبين أشداء، وليكن الدين مظهراً لأخلاقنا لا منفراً لإخواننا ومواطنينا.

    أكمل الريّس كلامه بالقول: “لماذا تضعون هذه المادة الذي يثير، مجرد وضعها فقط، نفوس غير المسلمين في سورية وفي غيرها ويفتح علينا وعلى بلادنا باباً جديداً من الدعاية في العالم الخارجي نحن في غنى عن فتحه؟”

    الموجهة مع أكرم الحوراني

    واعترض الريّس على المادة 30 من مسودة الدستور، التي حددت سقف الملكية الزراعية في سورية وأعطت الدولة حق انتزاعها من أصحابها في حال تقصيرهم في زراعتها أو استثمارها. وقف خلف هذا الطرح يومها الزعيم الاشتراكي أكرم الحوراني وردّ عليه الريّس قائلاً:

    لقد أصبحوا يرددون كلمات “الإقطاعية” و”الرأسمالية” في أحاديثهم وخطبهم، يهاجمون ويتجاهلون ما يجنوه على الفلاحيين في الدرجة الأولى من قتل روح العمل في نفوسهم وتحويلهم عن الكسب الحلال إلى الكسل والبطالة والفتن.

    ختم الريّس مقاله محذراً من أن تصرفات الحوراني وأفكاره قائلاً إنها ستؤدي إلى “أرض عاطلة عن الإنتاج، فلاحين عاطلين عن العمل، وملاكين يتركون قراهم بوراً يرتع فيها هؤلاء التقدميون الاشتراكيون مثل أكرم الحوراني، فلا يجدون فيها غير جياع لا يملكون إلا أصواتهم بعد أن أفقدوهم مؤنتهم وطعامهم في سبيل مبادئهم.”

    الوفاة

    توفي نجيب الريّس عن عمر ناهز 54 عاماً في 9 شباط 1952 وأطلقت الدولة السورية اسمه على جادة رئيسية في مدينة دمشق وأخرى في مسقط رأسه بحماة، تكريماً له لمنجزاته الوطنية.

    عائلة الريّس، أوراقه، وذكراه

    اشتهر في عالم الصحافة منذ نهاية الخمسينيات الكاتب رياض الريّس، الذي أسس دار رياض نجيب الريّس للطباعة والنشر في لندن مع مكتبة الكشكول لبيع الكتب العربية وسط شارع نايتسبريدج. تولى الريّس جمع مقالات أبيه في كتاب الأعمال المختارة صدر سنة 1994، وفي العام 2008 أعاد نشر كتاب نضال الصادر بطبعته الأولى سنة 1934، وهو أول كتاب وضعه الريّس في حياته، وقدم له في حينها صديقه وزميله في الكتلة الوطنية، فارس الخوري. وقد كتب الخوري في مقدمته:

    “وهو على حداثة سنه قد زيّن المطبوعات العربية في سورية ومصر بشذرات قلمه السيال ونفثات براعه الطليق وبنات فكره المولد، حتى باتت مقالاته الشيّقة الأسلوب والغزيرة المادة في كل موضوع طرحه، لذّة المطالعين وأحدوثة الأسمار.”

    كما صدر عن دار الريّس كتابين عن حياة نجيب الرئيس:

    بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية انتقلت دار الريّس على بيروت، حيث عمل رياض الريّس حتى وفاته في أيلول 2020. أوصى بنقل أوراق أبيه ومراسلاته وصوره إلى الكاتب السوري سامي مروان مبيّض، لوضعها ضمن مقتنيات مؤسسة تاريخ دمشق التي كان الريّس يشغل عضوية مجلس حكمائها منذ سنة 2017.

     

     

  • محمد بهجة البيطار

    الشيخ محمد بهجت البيطار
    الشيخ محمد بهجة البيطار

    محمد بهجة بن بهاء الدين البيطار (10 آذار 1894 – 29 أيار 1976)، عالم وفقيه ومجدد ديني من دمشق، كان أحد مؤسسي نهضة التعليم في سورية والمملكة العربية السعودية، إضافة لعمله مدرساً في الجامعة السورية، وخطيباً في جامع الدقاق، وعضواً في مجمع اللغة العربية.

    البداية

    ولد محمد بهجة البيطار في دمشق وهو سليل أسرة عِلمية عريقة من حيّ الميدان، وكان جدّه لأمه الشيخ عبد الرزاق البيطار من أشهر علماء الشّام في القرن التاسع عشر. دَرَس في المدرسة الريحانية وفي المدرسة الكاملية وتعلّم اللغة الفرنسية في المدرسة العازارية في منطقة باب توما. قرأ على يد علماء عصره، ومنهم الشيخ جمال الدين القاسمي والمحدّث الأكبر في بلاد الشّام الشيخ بدر الدين الحسني، بدأ حياته إماماً في جامع القاعة في الميدان خلفاً لوالده. وفي سنة 1910 تولّى الخطابة والتدريس في جامع الدقاق.

    عمله في الحجاز

    عينته وزارة المعارف السورية معلماً في مدرس الميدان الابتدائية سنة 1921، وبعدها بخمس سنوات أرسلته إلى السعودية لحضور المؤتمر الإسلامي في مكة المكرمة. لفت الشيخ البيطار انتباه الملك عبد العزيز آل سعود الذي طلب إليه البقاء في الحجاز للمشاركة في تأسيس معهدها العلمي الشرعي. عينه الملك السعودي عضواً في المحكمة الشرعية العليا ومفتشاً عاماً على التربية وعضواً في مجلس معارف المملكة. ظلّ البيطار متنقلاً بين مكة والرياض وجدة لغاية عام 1931 عندما توجه للتدريس في مدرسة المقاصد الخيرية في بيروت.

    العودة إلى دمشق

    وفي سنة 1936 دعاه صديقه فارس الخوري للعودة إلى سورية واستئناف عمله في تدريس مادة “الجوانب الأدبية من القرآن الكريم” في دار المعلمين. ولكن الملك عبد العزيز طلبه إلى السعودية مجدداً لتأسيس دار التوحيد في مدينة الطائف، وعند عودته إلى دمشق مرة ثانية وأخيرة أصبح يدرس مادة التفسير والحديث في الجامعة السورية سنة 1947. نشط في أعمال مجمع اللغة العربية الذي كان قد انتُخب عضواً فيه منذ عام 1923.

    المؤلفات

    وضع الشيخ البيطار البيطار عدداً من الدراسات الدينية في حياته، ومنها:

     الوفاة

    توفي الشيخ محمد بهجة البيطار في دمشق عن عمر ناهز 82 عاماً يوم 29 أيار 1976 وأطلق اسمه على شارع بدمشق ومدرسة حكومية في منطقة الميدان.

    الأولاد

    كان عاصم بن محمد بهجة البيطار أحد أشهر مدرسي اللغة العربية بدمشق، درّس في الجامعة السورية لسنوات وفي جامعة الملك سعود بن عبد العزيز في الرياض، وفي سنة 2003 انتخب عضواً في مجمع اللغة العربية بدمشق.

  • رشدي الكيخيا

    الرئيس رشدي الكيخيا
    الرئيس رشدي الكيخيا

    رشدي الكيخيا (1900 – 14 آذار 1987)، زعيم وطني سوري من مدينة حلب ومؤسس حزب الشعب مع الدكتور ناظم القدسي سنة 1948. بدأ مسيرته السياسية في صفوف الكتلة الوطنية، معارضاً للانتداب الفرنسي، قبل أن ينشق عنها في منتصف الثلاثينيات، وأسس حزب الشعب في مطلع عهد الاستقلال. عُيّن وزيراً للداخلية في حكومة هاشم الأتاسي الثانية سنة 1949، وانتُخب رئيساً للمؤتمر التأسيسي الذي وضع دستور عام 1950. وعندما تحول المؤتمر إلى مجلس نيابي بعد الانتهاء من صياغة الدستور أصبح الكيخيا رئيساً له حتى سنة 1951. وقد رفض الترشح لرئاسة الجمهورية مرتين، كانت الأولى بعد انتهاء ولاية هاشم الأتاسي سنة 1955 والثانية في أعقاب انهيار جمهورية الوحدة مع مصر عام 1961.

    البداية

    ولِد رشدي الكيخيا في حلب وهو سليل عائلة سياسية عريقة، حيث كان جدّه أحمد الكيخيا نائباً في مجلس المبعوثان. تلقى علومه في الكليّة الإسلاميّة في بيروت، ولم يُكمل تحصيله الجامعي لتفرّغه للعمل الزراعي قبل الانتقال إلى العمل والسياسي.

    مرحلة الكتلة الوطنية 1932-1939

    انتسب رشدي الكيخيا في شبابه إلى الكتلة الوطنية وكان عضواً في هيئتها العامة سنة 1932. انتُخب نائباً في البرلمان السوري على قوائم الكتلة سنة 1936، قبل انشقاقه عنها بعد ثلاث سنوات بسبب فشلها في الحفاظ على منطقة لواء إسكندرون ومنع ضمّها إلى تركيا. أعيد انتخابه نائباً سنة 1943 حيث ترأس كتلة نيابية عُرفت باسم “الكتلة الدستورية،” تمكنت من اختراق قوائم الكتلة الوطنية في حلب التي كان برئاسة سعد الله الجابري.

    تأسيس حزب الشعب

    وفي بداية عهد الاستقلال، اصطدم الكيخيا مع رئيس الجمهورية شكري القوتلي، الذي سعى بعض نواب دمشق إلى تعديل الدستور لأجله والسماح له بولاية رئاسية ثانية. دعا  الكيخيا إلى اجتماع في بلدة فالوغا اللبنانية، هدفهُ تحويل “الكتلة الدستورية” إلى حزب الشعب المعارض للرئيس القوتلي والحزب الوطني الحاكم في دمشق، وريث الكتلة الوطنية. استلهم الكيخيا اسمه من حزب الشعب القديم الذي كان برئاسة عبد الرحمن الشهبندر في مرحلة العشرينيات لكنه انهار مع بدء الثورة السورية الكبرى سنة 1925. لم يكن لحزب رشدي الكيخيا  أي سياسة عقائدية أو فلسفة، باستثناء الدعوة إلى وحدة عربية شاملة، تكون بدايتها بين سورية والعراق.

    تعددت أسباب معارضة الكيخيا للحزب الوطني، ابتداء من إصرار قادته على تعديل الدستور لأجل القوتلي، مروراً بتزوير انتخابات عام 1947، وصولاً إلى اتباع سياسة إقليمية مؤيدة للسعودية ومصر، في وقت كان زعماء حلب وفي مقدمتهم الكيخيا أقرب جغرافياً واقتصادياً وسياسياً إلى العراق.

    وكان الكيخيا قد خاض انتخابات عام 1947 منفرداً مع صديقة الدكتور ناظم القدسي، وفاز كلاهما بعضوية مجلس النواب. صوتوا ضد تعديل الدستور وعندما نهوض القوتلي لإلقاء القسم بعد تجديد ولايته، غادروا قاعة البرلمان غضباً واحتجاجاً. وقد انضم عدد كبير من أعيان حلب إلى صفوف حزب الشعب، مثل مصطفى برمدا ومعروف الدواليبي وعبد الوهاب حومد، ما أعطى الحزب صبغة حلبية قوية، على الرغم من وجود كتلة دمشقية فيه ممثلة بنسيب البكري وعلي بوظو ورشاد جبري، إضافة إلى كتلة حمصية برئاسة الدكتور عدنان الأتاسي، نجل رئيس الجمهورية السابق هاشم الأتاسي. وقد تمكن الكيخيا من توحيد صفوف المعارضة الحلبية للقوتلي في حزب الشعب بعد وفاة سعد الله الجابري، المُقرب جداً من شكري القوتلي والمهيمن على المشهد السياسي الحلبي حتى سنة 1947.

    رفض التعاون مع حسني الزعيم

    نظراً لموقفه المعارض للرئيس القوتلي، دُعي رشدي الكيخيا إلى دمشق يوم انقلاب حسني الزعيم صباح 30 آذار 1949، حيث عُرض عليه التعاون مع العهد الجديد بعد الإطاحة بالقوتلي وسجنه. بعض أعضاء حزب الشعب قبلوا التعاون، مثل علي بوظو الذي أصبح مستشاراً لحسني الزعيم، ولكن الكيخيا رفض دعم الزعيم أو المشاركة بعهده، معتبراً أنه مخالف للدستور وساقط من الناحية الأخلاقية. وقد ردّ الزعيم بحل حزب الشعب، وإبعاد الكيخيا عن المشهد طيلة فترة حكمه في سورية.

    الكيخيا وزيراً للداخلية 

    وفي 14 آب 1949 وقع انقلاب عسكري جديد في سورية بقيادة اللواء سامي الحناوي، أطاح بحكم حسني الزعيم وأدى إلى إعدامه رمياً بالرصاص. كان الحناوي محسوباً على العراق ومقرباً من حزب الشعب ورشدي الكيخيا. وفي اجتماع كبير دعا إليه الحناوي في مبنى الأركان العامة بدمشق وحضره الكيخيا ممثلاً عن حزبه، تقرر عودة هاشم الأتاسي إلى الرئاسة وانتخاب مؤتمر تأسيسي تكون مهمته وضع دستور جديد للبلاد بدلاً من الدستور القديم الذي قام الزعيم بتعطيله قبل بضعة أشهر. شكّل هاشم الأتاسي حكومة وطنية جامعة في 14 آب 1949 شاركت بها كل الأحزاب، وعيّن رشدي الكيخيا وزيراً للداخلية، ممثلاً عن حزب الشعب، وأصبح زميله ناظم القدسي وزيراً للخارجية.

    رئيساً لمجلس النواب سنة 1949

    أشرفت حكومة الأتاسي على انتخاب جمعية تأسيسية، فاز حزب الشعب بغالبية مقاعدها. وعند الانتهاء من صياغة الدستور تحولت الجمعية التأسيسية إلى مجلس نواب بصلاحيات تشريعية كاملة، وأصبح الكيخيا رئيساً له اعتباراً من 2 كانون الأول 1949. وكان الدستور الجديد هو الثاني في مرحلة الاستقلال بعد دستور حسني الزعيم، وقد أعطيت فيه المرأة السورية حق الانتخاب وتم سحب عدد من صلاحيات رئيس الجمهورية وإعطائها إلى رئيس مجلس الوزراء.

    رشدي الكيخيا على أبواب البرلمان السوري مع أعضاء حزب الشعب عبد العزيز حلاج وأحمد قنبر.
    رشدي الكيخيا على أبواب البرلمان السوري مع أعضاء حزب الشعب عبد العزيز حلاج وأحمد قنبر.

    توجه بعدها الأتاسي، بدعم من رشدي الكيخيا، نحو إقامة وحدة فيدرالية مع العراق وأُرسل ناظم القدسي إلى بغداد لمناقشة تفاصيلها. وقد أيّد سامي الحناوي هذه الوحدة من منصبه الجديد في رئاسة الأركان، ولكن الكثير من ضباط الجيش عارضوها بشدة، وكان على رأسهم العقيد أديب الشيشكلي.

    وفي 19 كانون الأول من العام 1949، نفّذ الشيشكلي انقلاباً جديداً داخل المؤسسة العسكرية، حيث قام باعتقال سامي الحناوي وجميع الضباط المؤيدين لمشروع الوحدة مع العراق. وقد أفقد هذا الانقلاب حزب الشعب الدعم الذي كان يحظى به داخل الجيش السوري، وأنهى المفاوضات الجارية بين سورية والعراق.

    معارضاً لحكم الشيشكلي 1951-1954

    استقال رشدي الكيخيا من منصبه ولزم الصمت في داره بحلب، احتجاجاً على تجاوزات الشيشكلي. وفي 29 تشرين الثاني 1951، قاد الشيشكلي انقلاباً جديداً ضد حزب الشعب، طال حكومة الدكتور معروف الدواليبي، الذي كان قد رفض الانصياع إلى مطالب الجيش بتعيين الضابط فوزي سلو في وزارة الدفاع.  أمر الشيشكلي باعتقال كل من رشدي الكيخيا وناظم القدسي ومعروف الدواليبي، مع بقية أعضاء حزب الشعب، وقد وصفهم جميعاً بالعملاء وللعراق.

    استقال هاشم الأتاسي من الرئاسة في 3 كانون الأول 1951، وقام الشيشكلي بتعيين فوزي سلو رئيساً للدولة والحكومة ابتداء من شهر كانون الأول عام 1951 ولغاية تموز 1953، عندما تولّى الرئاسة بنفسه. كما أصدر الشيشكلي مرسوماً بحل جميع الأحزاب، وفي مقدمتها حزب الشعب، الذي تم حله للمرة الثانية خلال ثلاث سنوات.

    عند خروجه من السجن انضم الكيخيا إلى صفوف العارضة وحضر اجتماعاً كبيراً عقد في دار هاشم الأتاسي في حمص، تقرر فيه عدم الاعتراف بشرعية حكم الشيشكلي والعمل على إسقاطه بكل الطرق القانونية. ردّ الشيشكلي باعتقال الكيخيا مجدداً صبيحة يوم 27 كانون الثاني 1954، مع جميع أعضاء حزبه المنحل.

    ناسك الرئاسة

    استمر حكم الشيشكلي حتى 25 شباط 1954، وبعد الإطاحة به عاد هاشم الأتاسي إلى دمشق لإكمال ما تبقى من ولايته الدستورية حتى أيلول 1955. طلب الأتاسي إلى رشدي الكيخيا تشكيل حكومة وحدة وطنية للإشراف على الانتخابات البرلمانية المقبلة ولكنه اعتذر احتجاجاً على تدخلات العسكر بالسياسة. وفي سنة 1955 رفض الترشح لرئاسة الجمهورية خلفاً لهاشم الأتاسي، وكرر رفضه سنة 1961، عندما طُلب منه الترشح للرئاسة بعد إسقاط جمهورية الوحدة مع مصر. وقد برر الكيخيا موقفه الصارم قائلاً:

    ليس عندي حل وسط، إما أن أكون رئيساً بكل ما في الكلمة من معنى، وسلطتي لا تخضع لهيمنة أحد وسلطة الدستور مستقلة تماماً، وإما فلا. إنّ تدخل العسكر في شؤون البلاد مرفوض عندي.

    الكيخيا وحلف بغداد

    وفي منتصف الخمسينيات، دخل رشدي الكيخيا في مواجهة مع الناصريين، المدعومين محليّاً من قبل المؤسسة العسكرية، وإقليمياً من الرئيس المصري جمال عبد الناصر. سبب الخلاف كان موقف الكيخيا الداعم لحلف بغداد، حيث رأى فيه حماية من طموحات العسكر، معتبراً أن دعم الدول الغربية لسورية سوف يقلّص من النفوذ السوفيتي الذي بدأ يطفو على معظم الدول العربية في سنوات الحرب الباردة. وقد حاول الكيخيا جاهداً العودة إلى مشروع الوحدة السورية – العراقية، الذي كان قد أُجهض سنة 1949، ولكن فرص نجاحه هذه المرة باتت ضئيلة جداً بسبب تراجع نفوذ الأسرة الهاشمية الحاكمة في بغداد وصعود عبد الناصر في مصر، الذي عارض حلف بغداد واتهم قادة العراق وكل من يقف معهم بالعمالة لإسرائيل.

    الكيخيا بين الوحدة والانفصال

    لم يكن رشدي الكيخيا مُتحمساً للوحدة مع مصر سنة 1958 ولكنه لم يُعارضها، نظراً للحماس الشعبي الذي أحاط بالرئيس عبد الناصر. وعند الإعلان عن قيام جمهورية الوحدة، صدر قرار عن عبد الناصر بحلّ جميع الأحزاب في سورية، بما فيها حزب الشعب. لم يمانع الكيخيا هذا القرار ولم يعترض، بل قبل به مجبراً وقام وأصدر أمراً إدارياً بإغلاق مكاتب الحزب، نزولاً عند رغبة رئيس الجمهورية العربية المتحدة.

    رشدي الكيخيا جالساً بين الرئيس شكري القوتلي والرئيس جمال عبد الناصر سنة 1958.
    رشدي الكيخيا جالساً بين الرئيس شكري القوتلي والرئيس جمال عبد الناصر سنة 1958.

    وبعد خمسة أشهر من ولادة الوحدة السورية المصرية، تعرض حزب الشعب المُنحل إلى ضربة قاسية يوم 14 تموز 1958، عند وقع انقلاب عسكري في العراق، أودى بحياة الملك فيصل الثاني وجميع أفراد العائلة الهاشمية. سقوط الحكم الملكي في بغداد أفقد حزب الشعب البعض الإقليمي الذي كان يحظى به منذ سنة 1948، وجعله عرضة لاتهامات كبرى وتخوين من قبل أجهزة المخابرات المصرية، بسبب موقف الكيخيا المعارض لنظام الحكم العسكري الجديد في العراق.

    مع ذلك لم يسكت رشدي الكيخيا خلال سنوات الوحدة، وكان له موقف صريح في قانون الإصلاح الزراعي الصادر عن رئيس الجمهورية في أيلول 1958، حيث اعتبره هداماً ومضراً بالاقتصاد السوري الحر، كما عارض قرار تأميم المصارف والمصانع في تموز 1961. وعندما وقع انقلاب عسكري على جمهورية الوحدة في 28 أيلول 1961، سارع الكيخيا لتأييده، كما بارك انتخاب زميله وصديقه ناظم القدسي رئيساً للجمهورية في 14 كانون الأول 1961.

    ولكنه بدأ من يومها بالانسحاب التدريجي من الحياة السياسية، على الرغم من عودة حزب الشعب إلى العمل ومشاركته في الانتخابات النيابية سنة 1961. وقد تم اعتقاله في 28 آذار 1962، عند قيام  عبد الكريم النحلاوي بانقلاب على القدسي، حيث تم اعتقالهما معاً في سجن المزة. ولكن قائد الجيش اللواء عبد الكريم زهر الدين اعترض على محاولة النحلاوي التفرد بالسلطة وأمر  بإطلاق سراحهم بعد انعقاد مؤتمر حمص في 1 نيسان 1962.

    الكيخيا بعد 8 آذار 1963

    وعند وصول حزب البعث إلى السلطة في 8 آذار 1963 تم اعتقال القدسي مجدداً فقرر الكيخيا اعتزال العمل السياسي بشكل نهائي. صدر قرار عن مجلس قيادة الثورة بحل جميع الأحزاب، وتم حلّ حزب الشعب مجدداً، للمرة الثالثة والأخيرة. واعتقل الكيخيا على الرغم من اعتزاله الشأن العام في 16 آب 1966، بأمر من اللواء صلاح جديد، وذلك بسبب أفكاره المعارضة للاشتراكية. صدر قرار بمصادرة أمواله وأملاكه، ونقل الكيخيا إلى سجن تدمر وسط الصحراء، حيث يقي سجيناً حتى سنة 1967، عندما أطلق سراحه مع سائر المعتقلين السياسيين أثر هزيمة سورية والعرب في حرب حزيران.

    الوفاة

    وجّهت السلطات السورية “نصيحة” إلى رشدي الكيخيا بضرورة مغادرة البلاد فوراً، لأن وجوده أصبح عبئاً ثقيلاً على الطبقة السياسية الحاكمة. استجاب الكيخيا لهذه “النصيحة” وشدّ الرحال إلى لبنان أولاً ثمّ إلى قبرص، حيث عاش حتى وفاته عن عمر ناهز 87 عاماً يوم 14 آذار 1987.

    المناصب

    وزيراً للداخلية (14 آب – 14 كانون الأول 1949)
    رئيس مجلس النواب (3 كانون الأول 1949 – 23 تموز 1951)

     

     

     

  • نصوح بابيل

    نصوح بابيل
    نصوح بابيل

    نصوح بن عبد القادر بابيل (1905 – 26 تشرين الأول 1986)، صحفي سوري من دمشق، ترأس تحرير جريدة الأيام بعد شرائها من الكتلة الوطنية سنة 1932 وظلّ يصدرها حتى 8 آذار 1963. كانت الأيام في عهده من أنجح وأشهر الصحف العربية وتخرج منها عدد كبير جداً من المحررين والصخفين الكبار، أمثال وجيه الحفار وأحمد عسة وغيرهم.

    البداية

    ولد نصوح بابيل في دمشق سنة 1905 ودرس المرحلة الابتدائية في المدرسة الأدبية والثانوية في مدرسة التجهيز العثمانية. تفرغ للعمل الصحفي باكراً وأسس مطبعة عائلية مع شقيقه حمدي في سوق العصرونية، أطلقوا عليها اسم “بابيل إخوان.” راسل عدد من الصحف اللبنانية وفي زمن الثورة السورية الكبرى عُيّن مراسلاً لجريدة المقطم المصرية بدمشق.

    مع جريدة الأيام

    وفي سنة 1928 شغرت رئاسة تحرير جريدة المقتبس الدمشقية العريقة، بعد وفاة أحد مؤسسيها أحمد كرد عليّ وانشغال شقيقه محمد كرد علي عن العمل الصحفي لكونه كان وزيراً في حينها. قرر محمد كرد علي تكليف نصوح بابيل برئاسة التحرير المقتبس، قبل أن تغلق بشكل نهائي بعد بضعة أشهر. وفي ربيع العام 1930 تعاقدت معه الكتلة الوطنية لطباعة جريدة الأيام اليومية. بعد سنتين تمكن بابيل من شرائها وأصبح مالكاً للجريدة ورئيساً للتحرير ابتداء من 15 آب 1932.

    حافظت الأيام في عهده على سمعتها وخطها الوطني المناهض للانتداب الفرنسي. قام بتوسيع حجمها إلى اثنتي عشرة صفحة وجعلها متوفرة في كل أيام الأسبوع، لا تعطل أبداً حتى في أيام الجمعة. ولكن علاقة الود مع قادة الكتلة الوطنية تحولت إلى خصومة سياسية عندما دخل نصوح بابيل في مواجهة معهم حول المعاهدة السورية الفرنسية التي كانوا قد أبرموها في باريس سنة 1936. اعترض بشدة على التنازلات التي قدمتها الكتلة في معاهدة عام 1936، ومنها تثبيت مستشارين عسكريين فرنسيين في سورية وإعطاء فرنسا حق الانتفاع من الأراضي السورية في حال نشوب حرب عالمية جديدة في أوروبا.

    نصوح بابيل مع أسرة الأيام.
    نصوح بابيل مع أسرة الأيام.

    مقتل الشهبندر

    تحالف نصوح بابيل يومها من زعيم المعارضة عبد الرحمن الشهبندر ووضع جريدة الأيام تحت تصرفه للنيل من قادة الكتلة بعد فوزهم في انتخابات كانون الأول 1936. ردّ رئيس الحكومة جميل مردم بك بتعطيل الأيام، وصدر قرار عن وزير الداخلية سعد الله الجابري باعتقال نصوح بابيل على خلفية خضور اجتماع غير مرخص في حيّ الميدان، دعا إليه الشهبندر. وعند مقتل الشهبندر سنة 1940، صوّبت الأيام سهامها باتجاه مردم بك والجابري واتهمت قادة الكتلة بتصفيته لأسباب سياسية.

    في عهد الاستقلال

    تصالح بابيل مع قادة الكتلة عند تبرئتهم قضائياً من جريمة الشهبندر وفي سنة 1943 أيد وصول شكري القوتلي إلى رئاسة الجمهورية وانتخب نقيباً لصحفيي سورية في عهده وعضواً في مجلس إدارة شركة الكونسروة ومعمل الإسمنت التابعتان للكتلة الوطنية وبعد جلاء القوات الفرنسية عن سورية سنة 1946 نشط نصوح بابيل في نادي اللايونز وفي جمعية مكافحة السل، كما شارك في تحرير مجلّة إذاعة دمشق. وفي سنة 1956 عُيّن عضواً في اللجنة التنفيذية لأسبوع التسلح التي شكلها الرئيس القوتلي لجمع تبرعات لصالح الجيش السوري.

    نصوح بابيل يجري مقابلة مع الرئيس اللبناني بشارة الخوري.
    نصوح بابيل يجري مقابلة مع الرئيس اللبناني بشارة الخوري.

    نهاية الأيام

    أيّد قيام الوحدة السورية المصرية سنة 1958 وكان معجباً بالرئيس جمال عبد الناصر. لم تتعرض الأيام الأيام لأي مضايقات أمنية في عهد الوحدة ولكنها أُغلقت بشكل نهائي عند صدور المرسوم العسكري رقم 4 في 9 آذار 1963 الموقع من مجلس قيادة الثورة والقاضي بمنع الصحافة المستقلة في سورية. أقفلت الأيام أبوابها إلى الأبد، بعد أن خرجت عدد كبير من الصحفيين المرموقين أمثال وجيه الحفار (صاحب جريدة الإنشاء) وأحمد عسة (صاحب جريدة الرأي العام) وبشير العوف صاحب جريدة المنار الجديد.

    مذكرات نصوح بابيل

    في سنوات التقاعد تفرّغ نصوح بابيل لكتابة مذكّراته التي صدرت بعد وفاته بعنوان صحافة وسياسة: سورية في القرن العشرين.

    الوفاة

    توفي نصوح بابيل في دمشق عن عمر 81 عاماً يوم 26 تشرين الأول 1986 وأُطلق اسمه على إحدى مدارس دمشق القريبة من حديقة الجاحظ، مقابل المدرسة الأميركية.

     

     

     

     

     

     

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !