ولِد بشير العوف في دمشق وكان والده من تجار سوق البزورية. دَرَس في مدارس دمشق وبدأ حياته الصحفية محرراً في جريدة الأيام قبل تعيينه مديراً لها سنة 1943. آمن بالإسلام السياسي وتعاون مع مصطفى السباعي على تأسيس صحيفة المنار الأسبوعية الناطقة باسم جماعة الإخوان المسلمين في سورية. وفي تشرين الأول سنة 1949 انفصل عن السباعي وأسس صحيفة مستقلة باسم المنار الجديد وتبعها بجريدة المساء في آذار 1950. وفي سنة 1952 دمجت المنار الجديد مع جريدة بردى الدمشقية وصدرت بإسام اللواء لغاية 30 كانون الأول 1953، عندما استعادت شكلها القديم وهويتها القديمة.
وداد بنت محمد سكاكيني (1913-1991)، أديبة سورية من أصول لبنانية، نالت شهرة واسعة وكانت أشهر مؤلفاتها عن رواد التجديد في الوطن العربي، مثل الأديب المصري قاسم أمين والمفكر اللبناني عمر فاخوري، إضافة لدراسة سيرة الكاتبة الفلسطينية مي زيادة.
البداية
ولِدت وداد سكاكيني في مدينة صيدا ودَرَست في كليّة المقاصد الخيريّة في بيروت وقرأت على يد الشّيخ مصطفى الغلاييني، الذي علّمها التجويد وتفسير القرآن الكريم. أمضت عشر سنوات من حياتها في التعليم وعَملت في المعهد العالي للبنات.
انطلاق مسيرتها الأدبية
بدأت كتابة الشعر الوجداني في سن مُبكر وشاركت بمسابقة القصة القصيرة التي دعت إليها مجلّة المكشوف اللبنانية، وفازت بالجائزة الأولى. وفي سنة 1932 وضعت كتابها الأول الخطرات، قبل زواجها من الأديب السوري زكي المحاسني وانتقالها للعيش معه في دمشق. تأثرت وداد سكاكيني بمحمد كرد علي رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق، الذي أعجب بأسلوبها الأدبي وقدّمها إلى الجمهور السوري. كما أثنى الأخطل الصغير على كتابها الأول وقال: “تصفحت كتاب الخطرات فإذا أنا عند خطرات خليقة بأن تكون غذاء للناشئة، فكراً، وبياناً، وأدباً سهلاً.”
المرحلة المصرية
في سنة 1946، توجهت سكاكيني إلى مصر مع زوجها عند تعيينه ملحقاً ثقافياً في السفارة السورية في القاهرة. اتصلت بكبار أدباء مصر، أمثال عباس محمود العقّادوطه حسين الذي أعطى شهادة بحقها قائلاً: “اقرؤوا هذه الكاتبة برويّة.” ومن مصر أصدرت وداد سكاكيني كتابها الثاني مرايا الناس، وهو عبارة عن “أقاصيص شاميّة” عكست حياة المجتمع الدمشقي في ثلاثينيات القرن العشرين. كما ألّفت كتاباً عن تجربتها المصريّة بعنوان بين النيل والنخيل، صدر في القاهرة سنة 1947. وبعد النجاح الكبير الذي حققته سكاكيني في القاهرة عادت إلى دمشق وفي سنة 1957 أوفدتها وزارة المعارف إلى موسكو لتمثيل سورية في مؤتمر الأدباء.
المؤلفات
تنوعت أعمالها بين القصة قصيرة والرواية والدراسات الأدبية والنقدية التاريخية، واهتمت كثيراً بأدب المرأة وتاريخها كما سلّطت الضوء على أبرز المبدعات والشخصيات النسوية في التاريخ، وفي مقدمتها رابعة العدويةومي زيادة، معشوقة وداد سكاكيني. وقد ضمّت قائمة مؤلفاتها الكتب التالية:
فخري بن محمود البارودي (30 آذار 1887 – 2 أيار 1966)، زعيم سوري من دمشق وأحد مؤسسي الكتلة الوطنية، عُرف في سورية والعالم العربي مناضلاً وشاعراً ومجدداً في الموسيقا والفنّ. انتُخب نائباً في البرلمان السوري من سنة 1932 ولغاية جلاء القوات الفرنسية عام 1946، وكان اعتقاله سنة 1936 أحد أبرز الأسباب التي أشعلت الإضراب الستيني. اعتزل العمل السياسي بعد الجلاء وتفرغ لدعم الحركة الفنية في سورية عبر مساهمته في تأسيس إذاعة دمشق ونادي الموسيقا الشرقي. وكان راعياً ومحتضناً لعدد من الفنانين، ومن أبرزهم المطرب صباح فخري. ويُعدّ فخري البارودي من الآباء المؤسسين للجمهورية السورية وكان من ظرفاء دمشق. ومن أشهر مؤلفاته نشيد بلاد العرب أوطاني الذي ذاع صيته في البلاد العربية منذ منتصف القرن العشرين.
البداية
ولِد فخري البارودي في حيّ القنوات بدمشق وكان والده محمود البارودي من الأعيان. أمّا والدته فقد كانت من عائلة العَلمي الفلسطينية، وكان والدها مستشاراً في بلاط السلطان عبد العزيز في إسطنبول. وعن أصول العائلة يقول البارودي في مذكّراته إن نسبها يعود إلى ظاهر العمر، حاكم عكا في القرن الثامن عشر، الذي تمرّد على الدولة العثمانية وقُتل، فجاءت ذريته إلى دمشق واستقرت بها سنة 1775. كان فخري البارودي وحيداً لأبيه، الذي تعامل معه بدلال مُفرط ووظّف مربّين ومساعدين وطهاة للسهر على خدمته وراحته، جاء معظمهم من قصر السلطان مراد الخامس، الذي نحّي عن العرش سنة 1876.
سنوات الدراسة
دَرس البارودي في المدرسة العازارية في منطقة باب توما ثم في مكتب عنبر حلف الجامع الأموي. طلب إلى أبيه السماح له بالسفر إلى فرنسا للتخصص بعِلم الزراعة، ولكن محمود البارودي رفض ذلك بشدة فهرب البارودي من البيت في شباط 1911 والتحق بجامعة مونبلييه الفرنسية. ولكنه أُجبر على العودة إلى دمشق بعد عام واحد بعدما قطع والده المصروف عنه ومنع والدته من تقديم أية مساعدة مادية له. عاد البارودي إلى دمشق مُجبراً وحزيناً وجال في شوارعها غاضباً، ومن شدّة تألمه صار يكتب على الجدران، مثل المجانين: “تعَلم يا فتى، فإن الجهل عار!”
صحفياً وضابطاً
بعد انقطاع دراسته في فرنسا عَمل فخري البارودي محرراً في جريدة المقتبس قبل أن يؤسس جريدة أسبوعية ساخرة تدعى حطّ بالخرج، حرّرها باللهجة الدمشقية العامية، حيث كان يوقع كل افتتاحياته باسم عزرائيل المستعار. عند معرفة أبيه بالأمر، أجبر البارودي على التخلّي عن مشروعه الصحفي، فالتحق بالوظيفة الحكومية كاتباً بعدلية دمشق، ثم تطوع بالجيش العثماني، عِلماً أنه كان مُعفى من خدمة العلم الإلزامية لكونه وحيداً لأمه. فرزته قيادة الجيش إلى مدينة بئر السبع في صحراء النقب، ليقاتل مع الجيش العثماني في الحرب العالمية الأولى، ووقع أسيراً بيد الجيش البريطاني سنة 1917. سيق مكبلاً إلى مصر وبقي فيها سجيناً حتى سقوط الحكم العثماني في سورية سنة 1918.
مرحلة الملك فيصل 1918-1920
عاد البارودي بعدها إلى دمشق وبايع الأمير فيصل بن الحسين حاكماً عربياً على سورية. في أثناء زيارتاته المتقطعة إلى دمشق كان الأمير فيصل يحلّ ضيفاً في دار محمود البارودي في منطقة القنوات، وفيها تعرّف على فخري البارودي وأحبه، فعيّنه مرافقاً خاصاً له طوال مدة حكمه بدمشق، الممتدة من 3 تشرين الأول 1918 ولغاية 24 تموز 1920. ولكنّ حكم الملك فيصل لم يستمر طويلاً، وأطيح به من قبل الجيش الفرنسي بعد معركة ميسلون سنة 1920، لتبدأ من يومها مرحلة الانتداب الفرنسي والتي استمرت حتى سنة 1946. نظراً لقربه من الملك فيصل، حكمت محكمة فرنسية على البارودي بالإعدام، فهرب إلى شرق الأردن وبقي مقيماً في عمّان حتى صدور عفو عنه سنة 1923.
في منفاه الأردني، قلّت موارد فخري البارودي المالية التي كانت تصله شهرياً من سورية، ففتح مطعماً للمثقفين في عمّان، سماه “الندوة،” كان يُقدم السندويش والمرطبات. مع ذلك بقيت الهموم المادية تحاصر البارودي فلجأ إلى عمل جديد واتفق مع صديقه الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان، مدير قسم اللغة العربية في الإذاعة البريطانية، على تقديم سلسلة حلقات توعية للأطفال لتشجيعهم على المواطنة ومكافحة الاستعمار عبر الثقافة والقلم بدلاً من البندقية.
وبالفعل، سُجلت أولى حلقات البارودي في الأستوديو ولكنّ سلطة الانتداب الفرنسي في سورية قطعت التيار الكهربائي عن مدينة دمشق يوم موعد بث الحلقة الأولى، لمنع صوت البارودي من الوصول إلى أهله عبر الأثير. ثمّ ضغطت على الإذاعة البريطانية لتوقف البرنامج بشكل نهائي. وفي آخر مراحل اليأس، قرر البارودي التطوع في الجيش العراقي، كونه كان مرافقاً لفيصل الأول الذي كان قد تولّى عرش العراق بعد إبعاده عن سورية. ولكن الحكومة العراقية رفضت طلبه بحجة أن البارودي لم يكن يحمل الجنسية العراقية.
مع الكتلة الوطنية
في شباط 1928، صدر عفو جديد عن المبعدين السياسيين، فعاد فخري البارودي إلى سورية وانتسب إلى الكتلة الوطنية التي كانت قد ظهرت في خواتيم الثورة السورية الكبرى، وكانت تُنادي بمحاربة الانتداب بطرق سلمية لا عسكرية. انتُخب سنة 1928 نائباً ومشرعاً في المؤتمر التأسيسي المكلّف بصياغة أول دستور جمهوري، وأُعيد انتخابه في كلّ الدورات التشريعية من سنة 1928 ولغاية عام 1943. في كل دورة كان البارودي يفوز بأغلبية مُطلقة، نظراً لشعبيته الكبيرة في أوساط الشباب والمثقفين. وقد رفض تسلّم أي منصب حكومي طوال مسيرته السياسية، على الرغم من الحقائب المختلفة التي عُرضت عليه في عهد كلٍ من هاشم الأتاسيوشكري القوتلي، ولكنّه فضّل البقاء في موقعه النيابي، ممثلاً عن الشعب ومدافعاً عن حقوقه.
الإضراب الستيني
شارك فخري البارودي في جنازة زميله في الكتلة إبراهيم هنانو الذي توفي في 21 تشرين الثاني 1935، التي تحوّلت إلى مظاهرة شعبية ضد الاحتلال الفرنسي. رفعت فيها شعارات منددة بالانتداب ومطالبة باستقالة رئيس الحكومة تاج الدين الحسني، وعُدّ البارودي هو المحرض ضد الدولة وفرنسا. صدر أمر اعتقاله في 20 كانون الثاني 1936، ما أشعل الإضراب الستيني الذي قادته الكتلة الوطنية. جرت مفاوضات في مقر المفوضية الفرنسية العليا في بيروت، بين رئيس الكتلة هاشم الأتاسي والمندوب السامي هنري دي مارتيل، كانت نتيجتها إنهاء الإضراب الستيني مقابل عفو عن جميع المعتقلين، وفي مقدمتهم فخري البارودي. توجه بعدها وفد من الكتلة الوطنية إلى فرنسا للتفاوض على مستقبل سورية.
مكتب البارودي للدعاية والنشر
في عام 1934 أسس فخري البارودي أول مركز دراسات وأبحاث عرفه العالم العربي باسم “مكتب البارودي للدعاية والنشر،” وكان مقره في دار البارودي بمحلّة القنوات. كان مكتب البارودي يهدف إلى تأمين قاعدة إعلامية وفكرية للحركة الوطنية السورية. اشترى البارودي مطبعة خاصة لطباعة الدوريات والدراسات الصادرة عن مكتبه ووزّعها مجاناً على الجامعات والجوامع والكنائس ودور العبادة اليهودية، إضافة إلى كبرى الصحف العربية وكل مؤسسات الدولة السورية. تراوحت الموضوعات التي كتب عنها البارودي بين إجرام الصهاينة في فلسطين وتجاوزات الفرنسيين في سورية، وصولاً لقضية لواء إسكندرون، الذي تمّ ضمّه إلى تركيا عام 1939.
إضافة لإنجاز الأبحاث العلمية، ووظّف مكتب البارودي مصورين شباب داخل فلسطين لالتقاط صور فوتوغرافية عن تجاوزات العصابات اليهودية ومصادرتهم للأراضي والأملاك. كان البارودي يجمع تلك الصور في دمشق ثم يقوم بإرسالها إلى كبرى الصحف الأميركية والبريطانية مُطالباً بنشرها، مرفقة برسالة رسمية تحمل عبارة: “مع تحيات مكتب البارودي.”
أسس غرفة خاصة للحفاظ على الخرائط السورية، قبل ترسيم الحدود عند انهيار الدولة العثمانية وبعد ذلك، وغرفة ثانية لحفظ أوراق ملكية الأراضي الفلسطينية (الطابو)، المدرجة ضمن مطامع الوكالة اليهودية.
أما عن تمويل مكتب البارودي فقد كان يأتي عن طريق الاشتراكات بالدوريات وتبرعات الأعيان والمؤسسات السورية، إضافة لتبرعات البارودي الذي دعم المكتب بمبلغ قدره 40 ألف قرش سوري. وقد طبع مكتب البارودي كتاباً عن مؤتمر بلودان، وكتيّباً باسم “دليل الشرطي” للبارودي، يحتوي على إرشادات لرجال الأمن والشرطة وتعليمات مصوّرة متعلقة بكل تفاصيل مهنتهم. أخيراً ترجم المكتب مُذكّرات أدولف هتلر من اللغة الألمانية، التي صدرت بعنوان كفاحي.
مشروع الفرنك
ارتبط اسم فخري البارودي بمشروع الفرنك الذي ظهر في بداية الثلاثينيات، ويطلب إلى كل مواطن التبرع بفرنك سوري واحد شهرياً (ما يعادل خمسة قروش) لجمع مبلغ ثابت بشكل دوري يُخصَّص لمشروع نفع عام كترميم جسر مثلاً أو تزفيت طريق أو شراء كتب لمدرسة نائية. وقد رفض البارودي تقبل تبرعات تزيد عن فرنك سوري واحد في الشهر وكان يقول دوماً: “هذا المشروع من الفقراء يبدأ وإلى الفقراء يعود، أريد ديمومة التبرع الشهري ولا أبحث عن تبرعات كبيرة من الأفراد. الكل يستطيع التبرع بفرنك سوري واحد، غنياً كان أم فقيراً. أريد إشراك الفقراء في نهضة الأمة.” وقد حقق مشروع الفرنك نجاحاً مبهراً في دمشق، فمنعته فرنسا نهاية عام 1939.
البارودي والصناعة
أما مشروعه الثاني، “صنع في سورية،” فقد كان يهدف إلى تتشجيع الصناعة الوطنية ودعمها، وقد بدأه البارودي بوضع “الميثاق الاقتصادي” ووزّعه على تجّار دمشق طالباً من الجميع أن يعدّوه نبراساً في عملهم التجاري. جاء في الميثاق “السنطيم أساس المليون والمال أساس الاستقلال.” ثم أضاف: “من أراد حياة بلاده فليعمل بميثاقها الاقتصادي.” طالب ميثاق البارودي تجار سورية بعدم استيراد ما هو موجود في الأسواق المحلية وتشجيع الأهالي على شراء المزروعات والأجبان والقطنيات والملابس المصنعة في سورية. وفي عام 1938، سافر فخري البارودي إلى الولايات المتحدة الأميركية للترويج للشركات والمصانع السورية في معرض نيويورك العالمي.
البارودي والنادي الموسيقي الشرقي
بالتعاون مع صديقه المحامي أحمد عزّت الأُستاذ أسس فخري البارودي النادي الموسيقا الشرقي الذي تحوّل بعد عام 1946 إلى “المعهد الموسيقي” وكان مقره في سوق ساروجا. وتعاقد مع أساتذة من النمسا لتدريس العزف على البيانو والكمان، وجاء بالمحامي نجاة قصاب حسن لإدارة المشروع، ومعه عدد من الخبراء مثل يحيى السعودي، مُدرس نظريات الموسيقى الشرقية، ويوسف البتروني الذي كلّفه البارودي بتدريس مادة الموسيقا الغربية، وصالح المحبك لمادة الموشحات، وسعيد فرحات لمادة الإيقاع.
في سنة 1948، حصل النادي الموسيقي الشرقي على دعم مادي من حكومة جميل مردم بك، ولكنّ هذا البند شُطب من موازنة العام 1950، عند تسلّم ميشيل عفلق حقيبة المعارف. تذرع عفلق بضيق الموارد، وكتب له البارودي معاتباً:
إن الجلاء من نواب قومي عصوا قولي وما فهموا مرادي
بإنشاء معهد للفن يحيي تراث جدودنا بين العباد
ولكن أي عذر ليت شعري لأهل العلم أرباب السداد
إذ ظلوا كغيرهم حيارى وما عملوا لإصلاح الفساد
فويل للوزارة مع ذويها وويل للمعارف والبلاد.
لم يكترث ميشيل عفلق لكلام البارودي، فتوجه إلى وزير المالية شاكر العاص بأبيات من شعر جاء فيها:
ما لي بعصر النور ناصر إلا وزير المال شاكر
فاسمع شكايا مغرم بالفن قد ملّ الظواهر
والفن كاد يموت من جهل الأصاغر والأكابر
والآن أنت وزيرنا والمال بين يديك وافر
وعلى إشادة معهد للفن أنت الآن قادر.
البارودي والفن
علاقة فخري البارودي بالفن والفنانين كانت تعود إلى زمن أبيه، الذي كان يجمع الموسيقيين في داره، أمثال عازف القانون عمر الجراح وشقيقه عازف العود إبراهيم الجراح. وقد كرر البارودي تجربة والده عندما تبنّي الفنان الشاب عبد اللطيف فتحي، الذي شجعه على ترك اللهجات المصرية السائدة في المسرح العربي يومها إلى اللهجة الدمشقية المحكية. ودعم مجموعة من الفنانين الشباب ومنهم رياض شحروروسعد الدين بقدونس ونهاد قلعي، الذي تأثر بفخري البارودي لدرجة أنه استعار نبرة صوته السوبرانو في تجسيد شخصية حسني البورظان التي ظهرت على شاشة التلفزيون السوري في مطلع الستينيات.
كما قام البارودي بدعم رائد المنولوج سلامة الأغواني والفنان فهد كعيكاتي ومطرب القدود والموشحات صباح الدين أبو قوس، الذي جاء من حلب إلى دمشق بنية السفر إلى مصر. سمع البارودي صوته الخلّاب وأعجب به كثيراً، فطلب إلى والدته أن يبقى في سورية وتكفَّلَ بكل مصاريف دراسته، وأعطاه راتباً شهرياً وجاء بأهم أساتذة الموسيقا الشرقية لتعليمه فنّ الغناء. عندما أصبح الفتى جاهزاً للاحتراف أدخله البارودي إلى إذاعة دمشق مُطرباً مُحترفاً، ودعاه للغناء أمام رئيس الجمهورية شكري القوتلي، وبعدها أطلق عليه اسمه الفني المستوحى من اسم البارودي: صباح فخري.
بمشيتهم العسكرية المنتظمة وتحيّتهم النازية عبر مدّ اليد اليمنى إلى الأمام، بشكلٍ مشدود ومُنتصب، كانوا يجولون شوارع دمشق لحماية الأهالي من تجاوزات جنود السنغال التابعين لجيش الشرق الفرنسي. وفي أحد معسكرات القمصان الحديدية ظهر البارودي بلباس التنظيم وخاطب الجماهير قائلاً: “هذا التنظيم يجمعنا جميعاً، ونحن نعقد عليه آمالاً كبيرة لأنكم أنتم الشباب القوة الحقيقية لأي شعب، وجميعُكم يعلم أنه لولا الشباب الإيطالي في روما لما كان لموسوليني أنْ يكون، ولما كان لهتلر.” نظراً لكثرة التشابهات بين القمصان الحديدية والحزب النازي، قيل إنّ قمصان البارودي هم امتداد لنفوذ أدولف هتلر في الوطن العربي، وبناء عليه جرى حظرهم من قبل سلطة الانتداب ومُصادرة جميع مكاتبهم وممتلكاتهم.
قصف دمشق عام 1945
في 29 أيار 1945 وقع عدوان فرنسي على مدينة دمشق، هو الثاني منذ سنة 1925، أدى إلى تدمير المجلس النيابي وقلعة دمشق مع أجزاء كبيرة من منطقة سوق ساروجا. نزل البارودي إلى الشارع بلباس الدرك السوري وحمل السلاح مع المتطوعين في محاولة منه لإنقاذ سجناء القلعة من الهلاك، وقد أُصيب بشظيّة في رقبته قبل أن يتمكن من نقل الجرحى والمصابين إلى المستشفى الإنكليزي في حي القصّاع. وقد كرمه رئيس الجمهورية شكري القوتلي بوسام الاستحقاق ورتبة فخرية في الجيش السوري بعد جلاء القوات الفرنسية سنة 1946. بعد وقوع الانقلاب الأول في 29 آذار 1949، عُيّن البارودي مديراً لمكتب الدعاية في الجيش السوري، حيث تعاقد مع المخرج إسماعيل أنزور لإنتاج أفلام وثائقية عن تدريبات الجيش وقدراته العسكرية، كانت تُعرض في صالات السينما بدمشق.
اسمحوا لي وأنا الشيخ الذي جرب الحياة وأفنى مراحل عمره في التجربة والاختبار ومقاومة الاستعمار ونشدان الحياة الحرّة الكريمة، أن أنصح بتأخير تنفيذ هذا القانون. يا سيادة الرئيس، إن الكثير من أصحاب الأراضي الكبيرة أفنوا حياتهم في استصلاحها واستثمارها، ولا يجوز بوجه من الوجوه أن تقضي على تلك الجهود.
لم يُجب عبد الناصر على رسالة البارودي، فأرسل نسخة ثانية منها عبر البريد المسجّل، وصلت إلى مكتب الرئيس في القاهرة، ما عدّه نائب رئيس الجمهورية أكرم الحوراني تطاولاً على مقام الرئاسة. ردّ الحوراني بإنذار موجه إلى فخري البارودي عبر محافظة دمشق يُطالبه بإخلاء داره الكائنة في منطقة كيوان، بحُجة أن الدولة تنوي هدمه وشقّ طريق في مكانه. وكان البارودي قد انتقل للعيش في هذا المنزل المتواضع بعد بيع قصر أبيه في القنوات سنة 1954. ظنّ الحوراني أن البارودي سيموت قهراً لو أُخرج من داره مرة ثانية، ولكن انقلاب الانفصال حال دون تنفيذ قرار الهدم سنة 1961.
منزل البارودي
ابتداء من العشرينيات وحتى مطلع الخمسينيات، كان منزل البارودي في محلّة القنوات محجاً لمعظم الفنانين والمثقفين العرب في أثناء زيارتهم إلى دمشق، وقد استضاف كلاً من أم كلثومومحمد عبد الوهابوأحمد شوقي. أُجبِر البارودي على بيع الدار بسبب تراكم الديون، فتحولت مُلكيته سنة 1954 إلى الصحفي وجيه بيضون وانتقل البارودي إلى منزل متواضع في منطقة كيوان، تعرض للقصف المدفعي خلال مواجهات دامية وقعت في دمشق يوم 18 تموز 1963، عندما حاول الضابط الناصري جاسم علوان تنفيذ انقلاب عسكري على حزب البعث الحاكم منذ 8 آذار 1963. لم يُصَب البارودي بأذى يومها لأنه كان خارج المنزل، ولكن مكتبته النفيسة ضاعت، وفيها معظم أوراقه المكتوبة بخط اليد، فاستأجر شقة صغيرة في منطقة ركن الدين على سفح جبل قاسيون، حيث توفي. أما منزله القديم في القنوات فهو اليوم مقر قسم الترميم التابع لكلية الهندسة المعمارية في جامعة دمشق.
الوفاة
توفي فخري البارودي في دمشق عن عمر ناهز 79 عاماً يوم 2 أيار 1966. وقد خرجت له جنازة شعبية تجمهر فيها الناس أمام جامع بدر بدمشق، ورُفع نعشه المجلل بالعلم السوري على أكتاف المشيعين على هتاف: “لا الله إلا الله…فخري بك حبيب الله.”
مكتبة البارودي
وزّع فخري البارودي ما تبقى من كتبه على حياة عينه، فقد ذهب معظمها إلى المدارس الحكومية، وخصص قسم لمكتبة المستشفى الوطني، وبعث الكتب الأجنبية إلى مكتبة جامعة دمشق. وقد جُمع ما تبقى من أوراقه في متحف الوثائق التاريخية بدمشق، الذي أقيم في منزل خالد العظم في منطقة سوق ساروجا.
مؤلفات البارودي
وضع البارودي في حياته عدداً كبيراً من المؤلفات، كان من ضمنها:
وكان آخر ما أنجزه البارودي هو إعادة طباعة كتاب الطبيخلمحمد حسن البغدادي سنة 1964، الذي ذيّله بملحق صغير عن تاريخ المطبخ الشامي. ووضع معجماً عن الموسيقا الشرقية، أُحرق في قصف منزله سنة 1963، وتراجم لعدد من الملحنين الأتراك والعرب، مع دراسة عن تبسيط النوتة الموسيقية وجعلها بمتناول كل الناس.
أُطِلق اسم فخري البارودي على شارع رئيسي في مدينة دمشق وصدرت عن حياته مؤلفات عدة، كان أبرزها كتاب فخري البارودي لنهال بهجت صدقي الصادر في بيروت 1974. وقد جمعت مديرة دار الوثائق دعد الحكيم أوراق البارودي ورسائله إلى الملوك والرؤساء العرب في كتاب نشرته وزارة الثقافة السورية سنة 1999 وأنتجت فيلماً وثائقياً عن حياته بعنوان البحث عن شيخ الشباب، أخرجه نبيل المالح وغنى فيه صباح فخري نشيد بلاد العرب أوطاني. كما شارك صباح فخري في ندوة عِلمية عن حياة البارودي أقامتها جمعية أصدقاء دمشق في مكتبة الأسد الوطنية في شباط 2008. وفي سنة 2018، أطلقت مؤسسة تاريخ دمشق جائزة فخري البارودي للمؤرخين الشباب “تكريماً لشيخ الشباب.” وكتب رئيس المؤسسة سامي مروان مبيّض واصفاً البارودي بالقول: “كان علامة فارقة في تاريخ سورية المعاصر، تجسدت في شخصيته الفريدة أنبل صفات المواطنة الصالحة والتفاني في خدمة المجتمع والقضية العربية بشكل عام والسورية بشكل خاص.”
ولد فائز الخوري في أسرة مسيحية أصلها من قرية الكفير الواقعة على سفح جبل حرمون. درس القانون في الجامعة الأميركية في بيروت ثمّ في معهد الحقوق في إسطنبول. سيق إلى الخدمة الإلزامية وخدم في جبهة القوقاز قبل أن يُلقى القبض عليه في 10 كانون الثاني 1916 بتهمة الانتماء إلى المنتدى الأدبي ومعارضة الدولة العثمانية. مثل أمام الديوان الحربي في مدينة عاليه، ولكن السلطات العثمانية أطلقت سراحه نظراً لصغر سنه، بوساطة شقيقه الذي كان يومها عضواً في مجلس المبعوثان العثماني.
دستور عام 1928
في مطلع عهد الانتداب الفرنسي، عُيّن فائز الخوري مستشاراً في محكمة النقض ومُدرّساً لمادة القانون الروماني في الجامعة السورية. انتسب إلى الكتلة الوطنية التي كان شقيقه فارس الخوري قد شارك في تأسيسها مع هاشم الأتاسي وفي سنة 1928 فاز بعضوية الجمعية التأسيسية المكلفة بصياغة أول دستور جمهوري في سورية. أسهم فائز الخوري إسهاماً كبيراً في صياغة مواد الدستور، والتي خلت من أي ذكر لنظام الانتداب الفرنسي ولم تنص على حقوق فرنسا في سورية. طالبت سلطة الانتداب بحذف المواد الإشكالية أو تعديلها ولكنّ الخوري ورفاقه رفضوا الاستجابة. صدر حينها قرار من المفوضية الفرنسية العليا بحلّ الجمعية التأسيسية وتعطيل الدستور إلى أجل غير مسمّى، ليُفرض سنة 1930 مع إضافة مادة صريحة حول الانتداب الفرنسي، دون الرجوع إلى المشرعين السوريين.
وزيراً للخارجية 1939-1943
وعندما وصلت الكتلة الوطنية إلى الحكم سنة 1936 انتُخب فائز الخوري نائباً عن دمشق في مجلس النواب، الذي ذهبت رئاسته إلى فارس الخوري. وفي السنة نفسها، انتُخب فائز الخوري نقيباً للمحامين. بعد ثلاث سنوات، سمّي وزيراً للخارجية والمالية في حكومة الرئيس لطفي الحفار يوم 23 شباط 1939، ولكن هذه الوزارة لم تستمر إلّا أسابيع قليلة وعند استقالتها في 5 نيسان 1939 عاد إلى عمله في الجامعة السورية وانتخب عميداً لكلية الحقوق.
بقي الخوري في واشنطن حتى سنة 1952، ولم تطله التسريحات التعسفية التي حصلت في دمشق ي مرحلة الانقلابات العسكرية. عيّنه رئيس الدولة اللواء فوزي سلو سفيراً في لندن سنة 1952، وبقي في منصبه لغاية تشرين الثاني 1956، عندما قطعت العلاقات الدبلوماسية بين سورية وبريطانيا بسبب العدوان الثلاثي على مصر. استُدعي فائز الخوري إلى دمشق واعتزل العمل السياسي عند قيام الوحدة السورية المصرية سنة 1958.
الوفاة
توفي فائز الخوري في دمشق عن عمر ناهز 65 عاماً يوم 27 حزيران 1959، وكتب فارس الخوري في يومياته معلّقاً بحزن: “موت فائز…واأسفاه.”
فارس بن يعقوب الخوري (20 تشرين الثاني 1877 – 2 كانون الثاني 1962)، زعيم وطني سوري وأحد الآباء المؤسسين للدولة السورية الحديثة، كان رئيساً لمجلس النواب في عهد الرئيس هاشم الأتاسي سنة 1936 ثم في عهد الرئيس شكري القوتلي. شكل ثلاث حكومات في عهد القوتلي وحكومة رابعة وأخيرة في عهد الأتاسي سنة 1954.
ولِد فارس الخوري في قرية الكفير على سفح جبل حرمون، ودَرس في مدارسها ثمّ في المدرسة الأميركية في صيدا. اعتنق جده لأبيه المذهب البروتستانتي بدلاً من الأرثوذوكسية المسيحية، وسار فارس الخوري على خطاه طوال حياته. أمّا جدّه لأمه بطرس عقيل الفاخوري، فقد قُتل في فتنة جبل لبنان التي امتدت نيرانها إلى قرى البقاع ودمشق سنة 1860.
وفي عام 1908، قرر فارس الخوري دراسة الحقوق بشكل شخصي ومُعمّق، عبر قراءة كتب القانون ومعاشرة كبار القضاة والمحامين، دون الانتساب إلى أي جامعة أو معهد. وقد برع في هذا المجال وفتح مكتباً للمحاماة مع المحامي أمين زيدان، شقيق الأديب جرجي زيدان. استطاع فارس الخوري أن يُصبح مرجعاً عالمياً في القانون الدولي، ليكون من الآباء المؤسسين لكلية الحقوق في الجامعة السورية، التي ظلّ يُدرّس فيها منذ أن كانت معهداً للحقوق سنة 1919 ولغاية عام 1940. كان يُوقع الشهادات الصادرة عنها مع أنه لا يحمل شهادة في القانون، ومُدّد زمن خدمته في الجامعة، بناء على طلب الطلاب، عِلماً أنه كان قد بلغ سن التقاعد منذ عام 1936.
رفض دخول الجيش السوري في مواجهة عسكرية مع الفرنسيين، وقال لزميله في الحكومة وزير الحربية يوسف العظمة: “هذه مغامرة قد تصيب وقد تفشل، واحتمالات فشلها أكثر بكثير من احتمالات صوابها، فهل يجوز لنا أن نعرض سلامة البلاد للخطر في عملية يائسة من هذا النوع؟” وعند وقوع المعركة في ميسلون يوم 24 تموز 1920، هُزم الجيش السوري الصغير وخلع الملك فيصل عن العرش، فهرب إلى قرية الكسوة بريف دمشق وفُرض الانتداب الفرنسي على سورية. وكان آخر قرار لفيصل قبل مغادرته الأراضي السورية إلى فلسطين تشكيل حكومة جديدة برئاسة علاء الدين الدروبي، سمّي فيها فارس الخوري مجدداً وزيراً للمالية.
عشية احتلال دمشق
دخل المندوب السامي الفرنسي هنري غورو مدينة دمشق مُحتلاً وأقامت له الحكومة السورية حفل استقبال في القصر الملكي في منطقة المهاجرين. امتدح غورو منظر دمشق ثم نظر إلى القاعة وتحدث مع الوزراء بطريقة استفزازية قائلاً: “هذا كان قصر الملك فيصل أليس كذلك؟” صمت الجميع، فأجابه الخوري: “نعم يا عطوفة الجنرال … كان قصراً للملك فيصل وقبله سكنه جمال باشا وناظم باشا. ذهبوا جميعاً دون عودة، وبقينا نحن … وبقي القصر.”
مشروع مياه عين الفيجة
سقطت حكومة الدروبي بعد مقتل رئيسها في 21 آب 1920 وفضّل الخوري عدم المشاركة في الحكومة التي تلتها. عاد إلى عمله في كلية الحقوق ورئاسة نقابة المحامين التي كان قد تَوَلَّاها بداية ذلك العام. وعمل مع صديقه لطفي الحفار، نائب رئيس غرفة تجارة دمشق، على تأسيس مشروع عين الفيجة، لجر مياه الفيجة من وادي بردى إلى العاصمة.
أنشأ الخوري والحفار شركة أهلية مساهمة لتنفيذ المشروع، وعرضوا الفكرة على غرفة تجارة دمشق فتبنتها على الفور. كان هدفها نقل مياه نبع عين الفيجة على أهالي مدينة دمشق وتوزيعها مقابل مبلغ من المال يدفعونه سنوياً عن كميات المياه التي يطلبون الاشتراك بها، شرط أن تكون مرتبطة بالملك، لا يجوز التنازل عنها أو بيعها إلا مع بيع العقار، وتُسجَّل ملكية المياه في الصحيفة العقارية لجميع دور دمشق. تأخر تنفيذ المشروع حتى سنة 1932، بسبب اندلاع الثورة السورية الكبرى، وفي حفل التدشين خطب الخوري قائلاً: “أَجَلْ. إنَّ أمّتنا فقيرة بالمال ولكنّها غنيّة بالإيمان الوطني، ومتى كان للأمّة إيمانها فإنها تكون قادرة على صنع المعجزات.”
ولكن حزب الشعب لم يستمر طويلاً، وحُلّ بعد أسابيع قليلة بسبب دعم قادته للثورة السورية الكبرى التي انطلقت في تموز 1925. هَرب الشهبندر إلى جبل الدروز للمشاركة في الأعمال القتالية، وأُلقي القبض على فارس الخوري يوم 26 آب 1925 بتهمة العمل مع ثوار الغوطة. نُفي إلى سحن أرواد وبقي فيه 76 يوماً، وبعد أشهر من خروجه، اختير ليكون وزيراً للمعارف في حكومة الداماد أحمد نامي يوم 6 أيار 1926. هدفت حكومة الداماد لإرضاء أوسع شريحة ممكنة من السوريين، بعد قصف الفرنسيين للعاصمة دمشق في 18 تشرين الأول 1925، وضمّت عدداً من الشخصيات المحترمة المحسوبة على التيار الوطني، مثل لطفي الحفار، الذي سمّي وزيراً للتجارة، وحسني البرازي، الذي عُيّن وزيراً للداخلية.
وافق الخوري ورفاقه على المشاركة في حكومة الداماد شرط أن توقف فرنسا حملتها العسكرية في غوطة دمشق وتُصدر عفواً عن المُعتقلين والمُبعدين لأسباب سياسية. وطالب باستعادة الحياة النيابية، مع دستور جديد ووعد ملزم من فرنسا بتسهيل انضمام سورية إلى عصبة الأمم. ولكن كل هذه الوعود لم تُنفذ واعتقلت فرنسا الوزراء الوطنيين الثلاثة يوم 12 حزيران 1926 بتهمة التخابر السري مع ثوار الغوطة. نفي الخوري مع رفاقه إلى مدينة الحسكة ثُمَّ إلى لبنان، حيث بقوا قيد الإقامة الجبرية حتى عام 1928.
تأسيس الكتلة الوطنية
فور خروجه من المُعتقل انضم فارس الخوري إلى صفوف الكتلة الوطنية التي كان قد أسسها صديقه الرئيس هاشم الأتاسي عام 1927. سعت الكتلة إلى توحيد صفوف الحركة الوطنية ومحاربة الانتداب الفرنسي بطرق سياسية سلمية وقانونية بعيداً عن السلاح، ورأت أن الثورة السورية الكبرى قد فشلت في تحقيق أي من أهدافها. وفي 3-4 تشرين الثاني 1932 عقد الوطنيون مؤتمراً عاماً في مدينة حمص، انتُخب فيه فارس عميداً للكتلة الوطنية. ولكنّه حُرم من المشاركة في أولى معاركها السياسية، يوم ترشح قادتها لعضوية الجمعية التأسيسية المكلفة بصياغة دستور جمهوري للبلاد سنة 1928. وقد جاء الحرمان من قبل سلطة الانتداب لأن الخوري كان ممثلاً عن الأقلية البروتستانتية المسيحية التي لا يستوفي حجمها شروط التمثيل في الهيئات الوطنية المنتخبة.
معمل الإسمنت
في سنة 1930، أسس فارس الخوري مصنعاً للإسمنت في منطقة دمر، كان الهدف منه إيجاد مصادر دخل ثابت للكتلة الوطنية، لتحريرها من الاعتماد على اشتراكات الأعضاء وتبرعاتهم في تمويل نشاطاتها. طلب إلى رفاقه شراء أسهم في معمل الإسمنت، تخصص نصف عائداتها لتمويل مشروعات الكتلة. حُدد رأس مال المعمل بقيمة 144 ألف ليرة عُثمانية ذهبية، وُزّعت على أربعة وعشرين ألف مساهم، كانت حصة الأسد منها لأعضاء الكتلة، وستة آلاف يتيم مُلّكوا أسهماً في المعمل. وبعد عام واحد وصل إنتاج المعمل إلى ثلاثين ألف طن من الإسمنت، ومع نهاية عام 1936 ارتفع الإنتاج إلى خمسة وستين ألف طن وصار معمل الإسمنت يلبي %60 من حاجة السوق المحلية.
الإضراب الستيني
وفي تشرين الثاني 1935 شارك فارس الخوري في جنازة رفيقه في الكتلة إبراهيم هنانو، حيث رفعت شعارات مناهضة للانتداب ومطالبة باستقالة رئيس الجمهورية محمد علي العابد ورئيس حكومته تاج الدين الحسني. حصلت مواجهات دامية في حلب بين شباب الكتلة وقوى الأمن، أدت إلى اعتقال العشرات. وفي كانون الثاني 1936 اعتقل نائب دمشق فخري البارودي وردت الكتلة بإطلاق الإضراب الستيني في كل المدن السورية، احتجاجاً على اعتقال البارودي. نُفي جميل مردم بك إلى بلدة إعزاز على الحدود السورية – التركية وطُرد فارس الخوري من كلية الحقوق في الجامعة السورية لدورهما في الإضراب الستيني، ولم تهدأ الأوضاع حتى توصل هاشم الأتاسي إلى اتفاق مع سلطة الانتداب يقضي بإنهاء الإضراب مقابل إطلاق سراح المعتقلين وسفر وفد من الكتلة إلى فرنسا لمناقشة مستقبل سورية.
معاهدة عام 1936
سافر وفد رفيع من قادة الكتلة الوطنية إلى باريس، برئاسة هاشم الأتاسي وعضوية كل من فارس الخوري وسعد الله الجابريوجميل مردم بك. أدار هؤلاء مفاوضات شاقة مع حكومة الرئيس ليون بلوم، كانت نتيجتها التوقيع على معاهدة في باريس يوم 9 أيلول 1936، تعطي الدولة السورية استقلالاً تدريجياً ومشروطاً بمنح فرنسا حزمة من الامتيازات السياسية والاقتصادية والعسكرية. وافق الخوري ورفاقه على إعطاء فرنسا حق الانتفاع من المطارات السورية والمرافق، في حال نشوب حرب عالمية جديدة في أوروبا، وأعطتهم فرنسا بالمقابل حق إنشاء وزارة للخارجية وأخرى للدفاع، مع توسيع صلاحيات الحكومة السورية وإنهاء استقلالية جبل العلويين وجبل الدروز. وقد وصف فارس الخوري معاهدة عام 1936 بأنها “معجزة القرن العشرين.”
رئيساً لمجلس النواب 1936-1939
عاد وفد الكتلة إلى دمشق واستُقبل استقبالاً حافلاً، وعلى الفور قدّم محمد علي العابد استقالته من رئاسة الجمهورية، فاتحاً الباب أمام إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مُبكرة. شاركت الكتلة الوطنية في هذه الانتخابات على أوسع نطاق وانتخب بموجبها فارس الخوري رئيساً لمجلس النواب. وفي أول جلسة عقدت برئاسته وانتُخب هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية يوم 21 كانون الأول 1936. وعند طرح المعاهدة على المجلس النيابي أقرّت بالإجماع. ولكنّ البرلمان الفرنسي رفض التصديق عليها، خوفاً من تراجع نفوذ فرنسا في الشرق الأوسط، ما وضع الخوري ورفاقه في موقف حرج للغاية. وشُنّت حملة عنيفة ضد المعاهدة، قادها الدكتور عبد الرحمن الشهبندر الذي رأى أن فيها الكثير من التنازلات المجحفة بحق الشعب السوري.
تناوب الخوري مع سعد الله الجابري على رئاسة الوزراء والمجلس النيابي طوال سنوات حكم الرئيس شكري القوتلي، وفي 14 تشرين الأول 1945، سمّي رئيساً للحكومة. شكّل حكومة مُصغرة مؤلفة من أربعة وزراء، تسلّم فيها حقيبتي المعارف والداخلية بنفسه، إضافة طبعاً لرئاسة الحكومة، وعيّن زميله جميل مردم بك وزيراً للخارجية والدفاع والاقتصاد الوطني. وجاء بالدكتور عبد الرحمن كيالي إلى وزارة العدل وكلّف خالد العظم بحقيبة المالية، وهو أحد طلاب الخوري السابقين في كلية الحقوق، وكان قد اختاره قبل سنوات ليكون مديراً لمعمل الإسمنت.
بقي فارس الخوري في الولايات المتحدة طوال حرب فلسطين ولم يعد إلى سورية إلا بعد انتهاء دورة بلاده في مجلس الأمن في 13 كانون الثاني 1949. خرجت وفود شعبية ورسمية لاستقباله بعد طول غياب، كان في مقدمتها رئيس الجمهورية شكري القوتلي، وبعد ثلاثة أيام عاد الخوري لممارسة عمله في المجلس النيابي الذي كان قد أعيد انتخابه رئيساً له في 27 أيلول 1947.
الخوري وحسني الزعيم
وفي 29 آذار 1949 وقع انقلاب عسكري بدمشق، قاده حسني الزعيم ضد الرئيس شكري القوتلي. أمر الزعيم بحلّ جميع الأحزاب وفي 1 نيسان 1949، وأغلق أبواب المجلس النيابي وفرض الأحكام العرفية. حاول النواب عقد جلسة استثنائية في مبنى المجلس ولكنّ رجال الزعيم منعوهم من ذلك فتوجهوا إلى منزل الخوري للاجتماع والتباحث في كيفية التعامل مع قائد الانقلاب. قال لهم الخوري: “لقد اندلعت النيران في البيت، إنّ الواجب والعقل والضمير يفرض علينا أن نتعاون لإخماد النيران أو حصرها قبل أن يشتد لهيبها فتأتي على الأخضر واليابس.”
في الأيام الأولى من الانقلاب زاره الصحفي اللبناني غسان تويني ووصف أمامه الوضع الراهن في سورية بأنه “غير شرعي.” ردّ الخوري بهدوء: “صحيح ولكن الانقلاب نجح. اسأل أباك ما معنى أن ينجح انقلاب!” ذهب فارس الخوري بعدها إلى مستشفى يوسف العظمة العسكري في منطقة المزة، حيث كان الرئيس القوتلي قيد الاعتقال، وقام بوساطة لإقناعه بالاستقالة تجنباً لتفاقم الأزمة الدستورية. وعندما عرض عليه حسني الزعيم تولّي الحكم في عهده، أجابه الخوري: “أنا لا أعمل مع العسكر. سامحك الله، لقد فتحت باباً على سورية من الصعب على التاريخ أن يرده!”
رئيساً للوزراء عام 1954
غاب فارس الخوري عن أي منصب داخل سورية طوال سنوات حكم العسكر، التي بدأت مع حسني الزعيم سنة 1949 وانتهت مع أديب الشيشكلي عام 1954. وكانت حجته الدائمة للابتعاد عن مسرح الأحداث انشغاله في جلسات الأمم المتحدة وفي عضوية لجنة القانون الدولي والجمعية الحقوقية الأمريكية التي كان قد انتُخب عضواً فيها منذ عام 1947.
كانت سورية يومها تعيش حالة استقطاب رهيب بين المعسكرين الغربيوالشرقي، وكان كل طرف يحاول جذب حكّامها الجدد إلى طرفه في الحرب الباردة المشتعلة بين الولايات المتحدةوالاتحاد السوفياتي. رفض الخوري دخول بلاده في حلف بغداد، قيد الطرح يومها والذي كان معادياً للشيوعية، رافعاً شعار “حياد سورية” في النزاعات الدولية والإقليمية.
ولكنّه وفي المقابل رفض إدانة العراق والوقوف في المعسكر المعادي له، الذي كان يقوده الرئيس المصري جمال عبد الناصر. وفي 22 كانون الثاني 1955، توجه الخوري إلى القاهرة لحضور مؤتمر رؤساء الوزراء العرب الذي دعت إليه الحكومة المصرية. حصل خلاف شديد يومها بين الخوري وعبد الناصر عند رفضه بيان المؤتمر الختامي بسبب هجومه على العراق ورئيس وزرائه نوري السعيد، وقال إن سورية لا تقبل أن تُملي عليها مصر سياستها الخارجية.
شنّ حزب البعث حملة عنيفة على فارس الخوري، ورأى أن موقفه الداعم لنوري السعيد يضر بالعلاقات السورية – المصرية. نظّم الحزب مظاهرات حاشدة أمام مبنى البرلمان السوري، طالبت باستقالة حكومة الخوري. فما كان أمام الرئيس إلّا الاستجابة والاستقالة في 7 شباط 1955. وقد بقي في منصبه لغاية تشكيل حكومة جديدة في 13 شباط 1955.
فارس الخوري وعبد الناصر
مع ذلك لم يعترض فارس الخوري على قيام جمهورية الوحدة مع مصر في 22 شباط 1958 ولكنه قال لحفيدته الأديبة كوليت خوري: “الوحدة لا تُسلق!” وكان ذلك في إشارة إلى الطريقة السريعة التي قامت بها الوحدة على يد مجموعة من الضباط السوريين الذين توجهوا إلى مصر للمطالبة بها، دون أي قيد أو شرط، ودون أخذ موافقة رئيس الجمهورية شكري القوتلي أو إعلام وزير الدفاع خالد العظم. اعتزل الخوري الحياة السياسية في زمن الجمهورية العربية المتحدة وعندما وقع انقلاب الانفصال في 28 أيلول 1961، سارع لتأييده عبر نشر بيان في الصحف السورية يوم 6 تشرين الأول 1961. كان فارس الخوري يومها نزيلاً في مستشفى السادات مُقابل قصر الضيافة، وجاء في كلمته:
وأنا هنا على فراش في هذا المستشفى وقد هممت أكثر من مرة بأن أنهض للرد عليه (أي عبد الناصر)، قمت من الفراش لأخطب ولكن أحد المصريين وقد كان في المشفى طلب إليّ أن أصرف النظر عن ذلك، وكان جاداً في كلامه وكنت جاداً في تنفيذ هذه الرغبة. فقلت له: ألست حراً في أن أخطب؟ لن يستطيع أحد أن يمنعني من ذلك!” فقال: أنا هنا للمراقبة وأمنعك منالإتيان بأي حركة لإلقاء خطاب.” فهل رأيتم مثل هذا الحال؟ يقف موظف نكرة ليمنع فارس الخوري من الكلام والتعبير عن رأيه، فأين هي الحرية وهل بلغت الأمور حداً أن تسكتوا شخصاً مثلي؟
بعدها بأيام استقبل فارس الخوري الصحفي البريطاني باتريك سيل في داره، الذي كان يُحضر لكتابه الأول الصراع على سورية. قال له الخوري: “حصلت الوحدة في لحظة طائشة. مع أني لم أُوافق على الطريقة التي تمت بها، ولكني لم أعارضها بشكل علني لأنني ظننت أنها الطريقة الوحيدة المتاحة يومها للتخلص من التمادي الشيوعي في سورية.”
بعد أيام من وفاته، نُشرت حلقات من مُذكّراته في مجلّة المضحك المبكي، وقدّم لها رئيس التحرير حبيب كحالة قائلاً: “إذا كانت قيمة المُذكّرات السياسيّة تُقاس بقيمة أصحابها فإن مُذكّرات المغفور له أستاذنا الكبير فارس الخوري تُعد أثمن مُذكّرات في البلاد العربية.” وبعد سنوات طويلة جمعت حفيدته كوليت خوري أوراقه في كتاب صدر الجزء الأول منه سنة 1989 والثاني عام 1997 والثالث سنة 2015.
أطلقت الحكومة السورية اسم فارس الخوري على شارع كبير وسط مدينة دمشق وصدرت عنه عدّة دراسات وأبحاث، أشهرها كتاب فارس الخوري: حياته وعصره للدكتور جورج حداد، أستاذ التاريخ في الجامعة السورية وحنّا خبّاز، صديق الخوري منذ أيام الدراسة. صدر هذا الكتاب سنة 1952 وأعيدت طباعته في عام 2014، أمّا الكتاب الثاني، فارس الخوري وأيام لا تنسى، فقد صدر في بيروت سنة 1965 وكان من تأليف محمّد الفرحاني.
أسرة فارس الخوري
تزوج فارس الخوري من السيدة الفلسطينية أسماء عيد، التي لعبت دوراً بارزاً في حياته السياسية والأسرية، وله منها ابن واحد هو النائب والوزير سهيل الخوري. وقد تزوج الخوري من شقيقة الصحفي حبيب كحالة وهو والد الأديبة السورية كوليت خوري
المناصب
وزيراً للمالية (1 تشرين الأول 1918 – 6 أيلول 1920)
وبعد سقوط الحكم العثماني سنة 1918، عاد إلى دمشق وبايع الأمير فيصل بن الحسين حاكماً عربياً على سورية، وقام الأخير بتعيينه متصرفاً على حماة ثمّ مديراً عاماً للمطبوعات الحكومية. كلفه الأمير فيصل بتعريب مناهج الحقوق وعند إعادة افتتاح “معهد الحقوق العثماني” وتغير اسمه إلى “معهد الحقوق العربي” أصبح العظم مدرساً فيه ثم عميداً.
وعند انتهاء ولاية رضا سعيد في رئاسة الجامعة سنة 1936 انتخب عبد القادر العظم لخلافته. وفي سنة 1941 سمّي رئيساً لمجلس الشورى في عهد رئيس الحكومة خالد لعظم، وهو أحد طلابه القدامى في كلية الحقوق. وبعد جلاء الفرنسيين عن سورية سنة 1946 نقل العظم إلى شركة حصر التبغ والتنباك، مفوضاً باسم الحكومة السورية، وظلّ في هذا المنصب حتى إحالته على المعاش عام 1949.
الوفاة
تفرغ بعدها عبد القادر العظم لكتابة مذكراته وتوفي في دمشق عن عمر ناهز 73 عاماً سنة 1960.
مؤلفاته
وضع عبد القادر العظم عدداً من المؤلفات القيّمة في حياته، كان أبرزها كتاب عِلم الاقتصاد الذي صدر بثلاثة أجزاء عن مطبعة الجامعة السورية في الفترة ما بين 1931-1940. كما وضع كتاباً مرجعياً بعنوان الأسرة العظمية وفي سنة 1951 صدرت مذكراته بدمشق.
وفي عام 1905، طُلب إلى عطا البكري المشاركة في جرّ مياه نبع عين الفيجة من وادي بردى إلى مدينة دمشق. اجتمع البكري مع الوالي العثماني ناظم باشا الذي قال إن الخزانة خالية وليس فيها إلّا ثلاثة آلاف ذهبة، وهو مبلغ ضئيل لا يكفي لتنفيذ المشروع الذي بلغت قيمته أربعين ألف ذهبة. قرر ناظم باشا إشراك الأعيان في جمع المبلغ المطلوب، واقترح أحدهم فرض ضريبة على الخبز، تيمناً بالسلطان عبد الحميد الذي كان قد فرض ضريبة على اللحوم والمسالخ لتأمين نفقات إنشاء معهد الطب العثماني في دمشق قبل سنتين. ولكن البكري عارض هذه الفكرة بشدة وقال: “أتريدون أن يدفعها الفقراء؟ اجعلوها على الكاز لأن الفقير يشعل ضوءاً واحداً والغني يشعل أضواءً كثيرةً، فيكون أخذها من جيوب الأغنياء.” أُعجب ناظم باشا بالفكرة وتبناها على الفور.
عثمان الشرباتي (1878 – 22 كانون الثاني 1950)، صناعي سوري من دمشق وأحد أبرز مموليّ الحركة الوطنية المناهضة للانتداب الفرنسي.
البداية
ولِد عثمان الشرباتي في حيّ الصالحية بدمشق ودَرس القرآن الكريم فيه كتّابه. بدأ عمله في سوق البزورية مع التاجر رشدي الركابي السكري واستطاع أن يجمع رأس مال جيد مكنه من تأسيس مصنعاً للتبغ في منطقة البرامكة سنة 1921. أنتج مصنع الشرباتي عدة أصناف من الدخان، مثل إكسترا، جوكي كلوب، وسجائر “خانم” المُخصصة للنساء، قبل إضافة ماركة “بافرا” لذوي الدخل المحدود. عَمِل في استيراد الحديد وتصدير الفواكه من غوطة دمشق إلى بلدان الوطن العربي كافة. أصبح راعياً لأهالي الصالحية وفتح لهم فرناً وداراً للأيتام، وحمام سوق خصصت فيه أيام محددة للفقراء والمحتجين.
العمل السياسي
رفض الانضمام إلى أي حزب سياسي وكان على مسافة واحدة من الكتلة الوطنيةوحزب الشعب، على الرغم من صداقته المتينة مع رئيسه الدكتور عبد الرحمن الشهبندر. وفي نيسان 1922 تعاون مع الشهبندر على ترتيب زيارة الدبلوماسي الأمريكي شارل كراين إلى دمشق، للوقوف على أوضاع الشعب السوري ومعاناته تحت الحكم الفرنسي. وعند اندلاع الثورة السورية الكبرى عام 1925 عقد اجتماعاً سرياً في داره مع الشهبندر، تقرر فيه نقل المعارك من جبل الدروز إلى مدينة دمشق وريفها. شارك بتهريب المؤن والسلاح إلى الغوطة الشرقية وفي 1 أيلول 1925 أمرت سلطات الانتداب باعتقاله في سجن أرواد.
السنوات الأخيرة
اعتزل عثمان الشرباتي العمل السياسي بشكل جزئي إبان اغتيال الشهبندر سنة 1940 وغاب عن المشهد بشكل تام بعد جلاء القوات الفرنسية عن سورية يوم 17 نيسان 1946. ذهبت زعامة الأُسرة من بعده – سياسياً واقتصادياً – إلى نجله أحمد الشرباتي، الذي انتخب نائباً عن دمشق وتسلّم حقائب وزارية في عهد الرئيس شكري القوتلي، منها المعارف والدفاع والاقتصاد الوطني.
الوفاة
توفي عثمان الشرباتي في دمشق عن عمر ناهز 72 عاماً يوم 22 كانون الثاني 1950 ونعته صحيفة ألف باء بالقول: “غاب فقيد دمشق الذي كان ركناً من أركان الوطنية والصناعة في سورية.”
عبد الوهاب القنواتي (1891 – 8 حزيران 1971)، صيدلاني سوري من دمشق، أسس أول معمل أدوية في سورية سنة 1923 وكان أحد مؤسسي قسم الصيدلة في الجامعة السورية.
البداية
ولِد عبد الوهاب القنواتي في حيّ القنوات وكان والده تاجراً معروفاً. دَرس في المدرسة الكاملية في سوق البزورية وعُيّن مُدرساً فيها قبل أن ينتقل إلى المدرسة العازارية، وتخرج من معهد الطب العثماني بدمشق، حاملاً شهادة في الصيدلة سنة 1911.
مرحلة التمثيل
وفي مطلع شبابه كان القنواتي مولعاً بالتمثيل وانضم إلى فرقة مسرحية يقودها الفنان الشاب أحمد عبيد سنة 1915. قدموا عروضاً عالمية على مسرح القوتلي في محلّة السنجقدار، كانت جميعها من تأليف أحمد عبيد، ولكن تجربتهم الفنية لم تستمر بسبب تقدم الفنانين الهواة في السن ودخولهم معترك الحياة، ما فرق شملهم وأبعدهم عن عالم المسرح.
في معهد الطب العربي
ومع بداية الحرب العالمية الأولى التحق عبد الوهاب القنواتي بالجيش العثماني وعُين في المستشفى العسكري في مدينة زحلة. نقل لاحقاً إلى بيروت لتدريس مادة الصيدلة في الجامعة اليسوعية. ومع نهاية الحرب سنة 1918 عاد إلى دمشق وسمّي مدرساً في معهد الطب العربي. شارك في تعريب الكتب الطبية وفي سنة 1923 عُيّن مدرساً في الجامعة السورية عند تأسيسها. كلفه رئيس الجامعة الدكتور رضا سعيد بتأسيس مخبري الكيمياء والصيدلة، وأسند إليه تدريس مادة الكيمياء العامة، ومادة أشباه المعادن، وتحليل الأملاح، وفنّ الصيدلة وعلم النبات.
دوره في مشروع مياه عين الفيجة
بدأ عبد الوهاب القنواتي في عام 1921 بدراسة مياه مدينة دمشق وتحليلها. قام بنشر نتائج دراساته وأثبت جودة مياه عين الفيجةوبقينوهريرة. وكان في عداد مؤسسي جمعية مياه عين الفيجة (مؤسسة مياه عين الفيجة اليوم) مع لطفي الحفار، نائب رئيس غرفة تجارة دمشق، وانتخب عضواً في مجلس مصلحة المياه.
أول معمل للأدوية في سورية
وفي سنة 1923 أنشأ عبد الوهاب القنواتي، بالتعاون مع إخوته، أول معمل صغير لصناعة الأدوية في سورية، وبعدها بست سنوات، أسس أول شركة مساهمة لصناعة الدواء، مع عدد من الأطباء والصيادلة المتخصصين.
القنواتي في الجامعة السورية
سافر القنواتي إلى فرنسا لإكمال دراسته العليا في جامعة السوربون، والتحق بمؤسسة باستور للتخصص في الكيمياء الحيوية. عمل في مخابر مستشفى كوشان وفي مخابر بلدية باريس، حيث دراسة تحليل المواد الغذائية. وجال على مخابر دائرة شرطة باريس للتعمق في تحليل الأحشاء وكشف السموم في البشر والأغذية ومياه الشرب.
وحينما عاد إلى دمشق عام 1925 تولّى تدريس الكيمياء العامة والمعدنية، وتابع عمله في مخبر الجامعة السورية. وفي عام 1939، أوفدته الجامعة مجدداً إلى فرنسا، حيث عمل في مستشفى الشفقة لتعميق معارفه في التحاليل الحيوية والفيزيولوجية والمرضية. وسمّي بعد عودته إلى سورية أستاذاً للكيمياء الحيوية الفيزيولوجية والمرضية والتحليلية حتى إحالته إلى التقاعد عام 1949.
مؤلفاته
ألف عبد الوهاب القنواتي عدة كتب علمية، كان أهمها:
في الكيمياء العامة
في أشباه المعادن
في المعادن
في التحاليل الطبية
في الكيمياء الطبية والمرضية
الوفاة
توفي عبد الوهاب القنواتي في دمشق عن عمر ناهز 80 عاماً يوم 8 حزيران 1971.
عبد الوهاب بن عبد الله شوقي أبو سعود (1897-1951)، فنان فلسطيني برع في التمثيل والإخراج والرسم وكان أحد رواد المسرح في سورية. بدأ مسيرته الفنية في عهد الملك فيصل الأول يوم لعب دور جمال باشا في مسرحية من تأليف الروائي معروف الأرناؤوط سنة 1919 ويعود له الفضل في وضع أول منهاج علمي لتعليم الرسم في المدارس الإعدادية في سورية.
البداية
ولِد عبد الوهاب أبو سعود في نابلس وكان والده ضابطاً في الجيش العثماني. دَرس في مدارس صيداوبيروت وسافر إلى مصر للالتحاق بجامعة الأزهر، تلبية لرغبة أبيه. وفي القاهرة تعرف على عالم المسرح، واحتضنه النجم اللبناني جورج أبيض وعلّمه أصول التمثيل والغناء والعزف على العود. عمل أبو سعود ممثلاً في فرقته، عاد بعدها إلى دمشق ليؤسس مع أصدقائه فرقة مسرحية على غرار فرقة جورج أبيض، كانت أولى عروضها مسرحية “شهداء الغرام” على مسرح قصر البلور سنة 1914، وكانت من تأليفه وبطولته.
ترك أبو سعود وزارة المعارف وعمل في مؤسسة البرق والبريد قبل أن ينفك عن العمل الحكومي ويتفرغ للرسم وتمثيل. أسس نادي الكشاف الرياضي مع توفيق العطريووصفي المالح، من المحافظة على فرقة عبد الوهاب أبو سعود المسرحية التي ظهر فيها الفنان تيسير السعدي. وفي سنة 1933 شارك في تأسيس نادي التمثيل والألحان. وفي هذه الأثناء بدأت تظهر موهبته كرسام وكانت رسوماته تنشر في مجلّة المضحك المبكي. أرسلته الحكومة السورية إلى فرنسا لدراسة الرسم في أكاديمية الفنون الجميلة حيث تخصص بالزخارف الإسلامية وتخرج سنة 1937.
قدّم عبد الوهاب أبو سعود عدداً كبيمممراً من المسرحيات، لم يبقى منها أي أثر مصور أو مُسجل، وتوفي بعد حضوره عرضاً فنياً لمجموعة من طلابه في الكنيسة الإنجيلية ببلودان سنة 1951.